تخشى المعارضة صدمةً في جلسة 9 كانون الثاني. فـ»حزب الله» وحلفاؤه يعملون لجمع 65 صوتاً على الأقل، لكي يوصلوا مرشحاً يناسبهم إلى رئاسة الجمهورية. وصحيح أنّ هذا المرشح لن يكون من صلب بيئة «الحزب» السياسية، كالوزير السابق سليمان فرنجية، لكنه ضمن مروحة أسماء مصنّفة «توافقية»، ويثق «الحزب» في أنّه يستطيع أن «يمون» على أركانها لمنع تغيير «ستاتيكو» السلطة الحالي.
هناك تطوران أساسيان يوحيان أنّ هواجس القوى المعارضة في محلها:
1- في الأسابيع الفائتة، كانت هذه القوى تعتقد أنّ الحرب أدّت إلى خسارة «الحزب» جميع حلفائه خارج الطائفة الشيعية، بمن فيهم «التيار الوطني الحر» الذي يُفترض أن يجد مصلحة في اعتماد تموضع آخر. ولذلك، بدت المعارضة في تلك الفترة أكثر ثقة في قدراتها. واعتبرت أنّ موقع رئاسة الجمهورية خرج من حضانة «الحزب» ليصبح بين خيارين: إما قائد الجيش العماد جوزف عون، وهذا الخيار تعتبره المعارضة جيداً. وإما إيصال أحد صقور المعارضة نفسها، وهذا الخيار هو الأفضل لأنّه يتكفل بالإمساك برئاسة الجمهورية فيما يكون الجيش ممسوكاً بقيادته الحالية.
وتشير مواقف «الحزب» إلى أنّه ما زال يحتفظ بأوراقه السياسية في الداخل، وأنّه قادر على تثميرها بمقدار وافر من المرونة. ولذلك، رفع مستوى التحدّي على ألسنة كوادره، بإعلانه أنّه سيواجه أي محاولة لقلب المعادلات السياسية الداخلية، وأنّه مستعد لإعادة خلط الأوراق سياسياً وعسكرياً، أياً كانت النتائج والأكلاف.
2- أطلق «حزب الله» في الأيام الأخيرة، عبر مسؤوليه، مقاربة جديدة عالية السقف لاتفاق وقف النار، إذ هدّد إسرائيل بأنّه، في اليوم الـ61، سيتصرف بنحو مختلف ما لم توقف انتهاكاتها. وتزامناً، بدأ يكشف تدريجاً مفهومه للتعاطي مع الاتفاق. فهو غير مستعجل للتخلّي عن سلاحه في جنوب الليطاني، ورافض تماماً للمسّ به في شمال هذا الخط. وفوق ذلك، بدا أنّ الوعد الذي أطلقه أمينه العام الشيخ نعيم قاسم قبل أسابيع، بتدبير أقنية جديدة لإيصال المؤن إلى «الحزب»، بعد سقوط الأسد، يتسمّ بالجدّية والسرعة. ولعلّ الضجة المثارة حول الطائرة الإيرانية التي قيل إنّها تنقل أموالاً إلى «الحزب» هي إحدى الإشارات إلى ما يفكر فيه.
في المدلول السياسي، يوحي «حزب الله» أنّه على رغم من الضربات الشرسة التي تلقّاها وما تكبّده من خسائر، وعلى رغم سقوط حليفه السوري، ما زال قادراً على المناورة ولم يخرج من أرض المعركة. وهناك قراءتان لهذا الموقف في صفوف الخصوم. فثمة من يعتقد أنّ «الحزب» يلجأ إلى رفع السقف كلامياً لإخفاء حقيقة التراجع في قدراته السياسية والقتالية على حدّ سواء. لكن آخرين يؤكّدون أنّ «الحزب» ما زال قادراً على المبادرة، وأنّه على وشك الاستفادة من تشرذم خصومه وتباين مصالحهم في الداخل والخارج، لاستعادة المبادرة بنحو ملموس. وفي رأي هؤلاء أنّ «الحزب» خسر جزءاً كبيراً من ترسانته الصاروخية وذخائره ومسيّراته أو استهلكها في الحرب، لكنه حافظ على سلاحه في مناطق مختلفة من لبنان، ولا سيما منه السلاح المتوسط والخفيف الذي لم يكن مستهدفاً بالغارات الإسرائيلية. وهذا يعني أنّه يحتفظ بجزء وافر من عتاده العسكري الأساسي. وهذا يكفيه ليكون الطرف الأقوى في لبنان، لأنّ أحداً سواه لا يمتلك السلاح. وبناءً على ذلك، هو يراهن على استمرار قدرته على استقطاب الحلفاء. ففي السياسة، حيث المصالح هي الأساس، يهرع الجميع إلى القوي للالتحاق به وضمان المصالح. وهذا الواقع يفرض على خصوم «الحزب» في الداخل وأعدائه في الخارج أن يراجعوا حساباتهم جيداً.
وفي أي حال، خلال كانون الثاني الجاري، ستظهر قدرات «الحزب» على حقيقتها من خلال استحقاقين: الموعد المقرّر لانتخاب رئيس للجمهورية، الخميس المقبل، وانتهاء مهلة الـ60 يوماً، في 27 من الجاري إذا لم يتدارك الوسطاء هذا الموعد ويسارعوا إلى تمديدها خوفاً من الأسوأ.
طبعاً، يخطط «حزب الله» للبقاء في عرش السلطة في لبنان، وعدم التنازل عن نقاط القوة التي يتمتع بها، ويعمل للاحتفاظ بمرونة تسمح له بالبقاء لاعباً أساسياً على رغم من التحولات. وحتى الآن، هو نجح في تحقيق هذا الهدف إلى حدّ معيّن. لكن السؤال هو: هل سيبقى لـ«الحزب» هذا الهامش إذا استؤنفت الحرب وواصلت إسرائيل ضرباتها في شمال الليطاني واجتياحها في جنوبه؟ وهل سيتمكن من الاحتفاظ بهذه الميزات إذا وصلت الحرب الإسرائيلية ـ الأميركية إلى إيران نفسها وأدّت إلى إضعاف نظامها وفق ما يهدّد بنيامين نتنياهو ودونالد ترامب؟
الحرب لم تنتهِ بعد، لا في لبنان ولا في الشرق الأوسط عموماً. وهذا ما يترك الجميع، بمن فيهم «حزب الله»، في وضعية الترقب والانتظار، فيما يمكن أن يصبح الغالب هو المغلوب والعكس صحيح. والباب يبقى مفتوحاً لخلط الأوراق والموازين مراراً وتكراراً.