تحاول القوّتان الكبريان في الشرق الأوسط، الإمارات والسعودية، منع صعود الجماعات الإسلامية في المنطقة منذ عقدَين. وسيُختبر استيلاء المتمرّدين
على مدى عقود، كانت سوريا أقرب حليف عربي لإيران في الشرق الأوسط، بينما كانت الممالك الخليجية الثرية في منافسة مع طهران على السلطة والنفوذ في جميع أنحاء المنطقة.
مع الإطاحة المفاجئة بالديكتاتور السوري بشار الأسد، هُمِّش حليفه المقرّب إيران، ما يوفّر فرصة للدول الخليجية لملء الفراغ وتطوير علاقاتها مع الحكومة الجديدة في دمشق.
تتخذ القوتان الخليجيتان الرئيسيتان، السعودية والإمارات العربية المتحدة، نهجاً حذراً، لأنّ «هيئة تحرير الشام»، الفصيل المتمرّد الرئيسي الذي استولى على معظم سوريا، تميل نحو الإسلاموية وكانت مرتبطة في السابق بالجماعة المتطرّفة «القاعدة».
وقد أمضت الدولتان الخليجيتان الجزء الأكبر من العقدَين الماضيَين في محاولة منع صعود الجماعات التي تتبنّى الإسلام السياسي في جميع أنحاء الشرق الأوسط، معارضةً جماعات مثل «القاعدة»، وتنظيم الدولة الإسلامية، وجماعة «الإخوان المسلمين».
وأعلنت القوى الخليجية علناً أنّ القادة الجدد في سوريا يجب أن يُظهِروا أنّهم سيكونون شاملين ومتسامحين مع التنوّع الطائفي في البلاد، قبل أن يتمكنوا من الحصول على الدعم السياسي والمالي.
خلال مؤتمر في العاصمة الإماراتية أبوظبي في منتصف كانون الأول، بعد فترة وجيزة من استيلاء المتمردين، أوضح أنور قرقاش، المستشار الديبلوماسي لرئيس الإمارات، أخّيراً، أنّ طبيعة الفصائل المتمرّدة وارتباطها السابق بالقاعدة كان سبباً للقلق: «أعتقد أنّها كلّها مؤشرات مثيرة للقلق إلى حَدٍّ كبير. لقد شهدت المنطقة أحداثاً مماثلة من قبل، لذا نحتاج إلى أن نكون متيقظين».
لطالما خشِيَت الدول الخليجية من أنّ تمكين الجماعات الإسلامية في الشرق الأوسط قد يزعزع استقرار حكوماتها الاستبدادية. وعندما اندلعت ثورات الربيع العربي في جميع أنحاء الشرق الأوسط في عام 2011، أُطيحت أنظمة استبدادية عدة، وظهرت جماعات إسلامية قوية لملء الفراغ في دول مثل تونس ومصر.
وأوضحت آنا جاكوبس، كبيرة المحلّلين في مجموعة الأزمات الدولية، وهي منظمة غير ربحية: «تمتلك الإمارات تاريخاً طويلاً من العداء للأحزاب والحكومات السياسية المرتبطة بالإسلاميّين. لكن حتى الآن، أرسلت الإمارات بعض الإشارات الواضحة بأنّها مستعدة للعمل مع الحكومة الموقتة من أجل الحفاظ على الاستقرار في سوريا وفي المنطقة الأوسع».
ترجع المخاوف في الخليج بشأن القوة الإسلامية إلى هجمات 11 أيلول 2001 على نيويورك. كان معظم الخاطفين الـ19 سعوديّين وتأثروا بالنسخة الصارمة من الإسلام، الوهابية، التي أُلقيَ عليها اللوم من قِبل البعض في تأجيج التعصّب والإرهاب. ومنذ ذلك الحين، قيّد القائد الفعلي للسعودية، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، سلطة رجال الدين.
بعد ثورة الربيع العربي في مصر، انتُخِب رئيساً من حركة «الإخوان المسلمين» الإسلامية، محمد مرسي. لكن أطيح به في انقلاب عام 2013 بدعم من الإمارات. وشعور الحذر تجاه الإسلاميّين في سوريا ليس فقط في الخليج، بل أيضاً في قوى إقليمية أخرى، بما في ذلك مصر.
قضى عبد الفتاح السيسي، الجنرال الذي خلف مرسي في مصر عام 2013، السنوات التي تلت ذلك في القضاء على «الإخوان المسلمين» في بلاده، ورأى في الجماعة تهديداً لسلطته.
في منتصف كانون الأول، ظهر السيسي في لقاء نادر أمام الصحافيّين، ممّا أوحى بالقلق إزاء الأحداث في سوريا. وبدا أنّه يرسم تبايناً بينه وبين الأسد: «هناك أمران لم أفعلهما قط، بفضل الله: لم تتلطّخ يداي بدماء أي شخص، ولم آخذ شيئاً لم يكن لي».
كانت السعودية والإمارات من أشدّ المعارضين لنظام الأسد بعد اندلاع الحرب الأهلية السورية في عام 2011 وعلى مدار العقد التالي. وأصبح الأسد منبوذاً في المنطقة وخارجها بسبب قمعه الوحشي للمعارضين، بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيميائية ضدّ شعبه.
أغلقت كلتا الدولتَين الخليجيّتَين سفارتَيهما في سوريا في أوائل عام 2012 وسط حملة قمع الحكومة السورية ضدّ المعارضين. ومع مرور السنوات، ومع استعادة الأسد السيطرة على معظم بلاده بدعم عسكري كبير من روسيا وإيران، بدا أنّ هناك تحوّلاً في مواقف الخليج.
وكانت الدولتان الخليجيتان لاعبتَين محوريتَين في إعادة الأسد إلى الحظيرة العربية بعد عقد من العزلة. وقد كان الدافع وراء هذا التقارب آنذاك: الرغبة في الوحدة العربية لموازنة النفوذ الإيراني المتزايد في سوريا وفي الشرق الأوسط الأوسع.
بعد الزلزال المدمّر الذي ضرب تركيا وسوريا في أوائل عام 2023، قدّمت القيادة السعودية مساعدات إنسانية للأسد. وفي خطوة بارزة لاحقاً في العام عينه، أعيد قبول الزعيم السوري في جامعة الدول العربية.
كان التعامل مع إدارة الأسد اعترافاً ضمنياً بأنّه، على رغم من الجهود المدعومة من الغرب للإطاحة به، فإنّ بقاءه السياسي أصبح واقعاً لا يمكن تجاهله.
جاء التحوّل في مواقف الخليج بينما كان الأسد لا يزال يُسيطر على سوريا كجزء من إعادة ترتيب إقليمية أوسع، إذ بدأت السعودية والإمارات في إعادة التواصل مع إيران.
في ظل القيادة الجديدة لسوريا، ستكون الفرص الاقتصادية لإعادة البناء بعد الصراع جزءاً من أي تقييم لدول الخليج.
ومع دمار البنية التحتية للبلاد، من المرجّح أن تستفيد السعودية والإمارات من جهود إعادة الإعمار، شرط أن تتمكنا من التفاوض على شروط مؤاتية مع الحكومة الجديدة في دمشق.
كما يوفّر تأمين دور في إعادة بناء سوريا وسيلة أخرى للتأثير على مستقبل البلاد. فقطر تحديداً تبدو منفتحة على دعم الحكومة الانتقالية في سوريا.
وحافظت قطر على اتصالات مع «هيئة تحرير الشام» ومع فصائل إسلامية متمرّدة أخرى في سوريا خلال الحرب الأهلية. وفي عام 2015، توسطت في صفقة تبادل أسرى بين المتمرّدين والجيش اللبناني.
عندما قطعت السعودية والإمارات والبحرين العلاقات مع قطر في عام 2017، كان أحد مطالبهم لاستعادة العلاقات هو أن تقطع قطر دعمها لجبهة النصرة، السلف السابق لهيئة تحرير الشام.
في قمة جامعة الدول العربية في جدة، السعودية، عام 2023، انسحب أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، من الاجتماع قبل خطاب الأسد، ممّا يُشير إلى موقف بلاده.
بعد الإطاحة بالأسد، أرسلت قطر وزير خارجيّتها إلى دمشق في أواخر كانون الأول، وهو أعلى مسؤول حكومي من الخليج يلتقي بالحكومة الانتقالية. وتبعه في وقت سابق من هذا الأسبوع زيارة من رئيس مجلس التعاون الخليجي ووزير خارجية الكويت.
وأعلن أحمد الشرع، زعيم المتمرّدين الذي قاد الهجوم الذي أطاح بالأسد، أنّ القطريّين سيحصلون على الأولوية لدعمهم على مدار العقد الماضي، مشيراً ربما إلى دور للإمارة الخليجية في مشاريع إعادة الإعمار.
رافق الوفد القطري فريق فني من الخطوط الجوية القطرية لتقديم الدعم الفني لإعادة فتح مطار دمشق الدولي. وأضاف الشرع للصحافيّين: «قطر لها أولوية خاصة في سوريا بسبب موقفها المشرف تجاه الشعب السوري».