وكأنّ هناك مراهنة على أنّ الوقت كفيل بأن يُنسي أصحاب الحقوق حقوقهم، وبأن تمرّ هذه الفضيحة المالية من دون محاسبة.
وبعد 6 سنوات لا يزال هناك إصرار على عدم كشف الحقائق والإجابة عن الأسئلة التي سألناها مراراً، لكي لا يتوضح كَم استفادوا من هذه الأزمة. فلا نرى أي صاحب مصرف تراجعت أحواله كما حصل مع مودعيه، بل على العكس يعيشون برفاهية مستمرة.
سكت الجميع اليوم عمّا جرى، تغاضوا عن الجريمة وكأنّها لم تحصل، فلا مَن يسأل عن الأموال التي تمّ تحويلها إلى الخارج؟ ولا مَن يسأل عن مسؤولية الهيئات الرقابية عن تلك المرحلة، ولا مَن يسأل عن دور شركات التدقيق العالمية في تغطية ما حصل.
بعض النواب حاضَروا عن قدسية الودائع وضرورة عدم المسّ بها، لكن لم تتمّ ترجمة هذه الأقوال إلى أفعال. مع بدء السنة الجديدة، نذكّر الجميع بالثوابت الأساسية التالية:
- أولاً، لا سبيل لإعادة الانتعاش الاقتصادي من دون قطاع مصرفي سليم، ولا إمكانية لاستعادة سلامة القطاع المصرفي من دون إعادة الودائع حالاً والاطّلاع على وضع كل مصرف على حدة. الودائع المحجوزة هي عصب حيوي للاقتصاد، وهي ما بين أعمال صغيرة إلى مشاريع كبرى، وغالبية الذين ليس لهم ودائع يجدون عملاً أو يعملون في مشاريع من هذا النوع.
من هنا، من الخطأ أن يفكر أحد في أنّ مشكلات أصحاب الودائع لا تنعكس سلباً على الجميع. بالإضافة إلى الذي سينتج من مشكلة الودائع عند المستثمرين في الخارج، ولا سيما منهم اللبنانيّون، هؤلاء هم مستثمرون محتملون سنخسرهم، ولن نستطيع تقدير حجم خسائرنا في هذا السياق.
- ثانياً، لا يريد أحد تحميل المصارف المسؤولية الكاملة، لكن يجب أن يتحمّلوا مسؤولية عن القسم الذي بقي في عهدتهم، وقد كانوا شركاء مع المصرف المركزي واستفادوا من هندسات مالية، وبدل أن يكون المصرف المركزي رقيباً عليهم، أصبحوا شركاء عمل، لكنّنا لم نرَ أحداً منهم عاجزاً عن دفع قسط مدرسة، أو الخضوع إلى العلاج، بل على العكس نراهم والمسؤولين السابقين عن الأموال، يعيشون في رفاهية.
- ثالثاً، لا يراهن أحد على نسيان أصحاب الحقوق لحقوقهم مهما طال الوقت. فمهما طال الوقت ستتمّ محاسبة مَن تسبّب بتجويع وهجرة عائلات، ومنع التعليم والطبابة عن عائلات أخرى، ستتمّ محاسبة كل مَن سرق ومَن غطّى على هذه السرقة، ومَن كان في موقع مسؤولية والتزم الصمت وسمح بحصول ذلك.
في المختصر، كي لا نبقى أسرى للتعتير، وكي تكون حقيقةً سنة ازدهار، علينا البدء بإعادة الودائع حالاً، والانطلاق في خطة تنموية كاملة تعيد الاستثمارات والإنتاج الى البلد، لكي ينعكس الازدهار على كل مواطن.
وبالطبع، لا ننسى قصة إبريق الزيت، وهي الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة، والتي يجب أن تترافق مع أي خطة موضوعة لضمان عدم تكرار السرقة والهدر وإساءة الأمانة.