تتصاعد الحركة الديبلوماسية في اتجاه لبنان بالتزامن مع الاستعداد لجلسة الانتخابات الرئاسية المقرّرة في 9 كانون الثاني المقبل، والتي يشدّد الداعي إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري، على انّها ستكون ناجزة، في الوقت الذي بدأ البحث في الخيارات المطروحة يقترب من الحسم، اللهّم الّا إذا حصل ما ليس في الحسبان، وأدّى الى تأجيل الجلسة الانتخابية او تعطيل نصابها يوم الانعقاد، خصوصاً انّ التوجّه هو انّها ستكون مفتوحة لدورات انتخابية متتالية إلى أن تنتهي بانتخاب الرئيس الجديد.
تقاطعت مصادر ديبلوماسية عدة حول ضرورة إنجاز الاستحقاق الرئاسي ضمن «مهلة معقولة»، أي في جلسة 9 كانون الثاني المقبل أو ربما بعد ذلك بأيام، ولكن في اعتقادها أنّ الوضع لا يتحمّل التأجيل أسابيع أو أشهراً أخرى.
وفي تقدير المصادر عبر «الجمهورية»، أنّ هناك خطراً حقيقياً يتهدّد البلد نتيجة التطورات المحلية والإقليمية والدولية المتسارعة والمرتقبة، وأبرزها دخول سوريا في مرحلة جديدة ما زالت غير واضحة، واحتمال احتدام المواجهة الأميركية- الإيرانية بعد دخول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وطبعاً انقضاء مهلة الـ60 يوماً المعطاة لتنفيذ اتفاق وقف النار في لبنان. فهذه التطورات البالغة الأهمية يمكن أن تُدخل الوضع اللبناني في مخاطر لا يمكن تقديرها ما لم يتمّ تحصينه باستعادة بناء مؤسساته، لكونها المساحة القادرة على جمع أواصر البلد، بدءاً برئاسة الجمهورية وتشكيل حكومة فاعلة.
ولذلك، لاحظت المصادر أنّ هناك تحضيراً لهجمة ديبلوماسية في اتجاه لبنان، مع مطلع السنة، هدفها التشجيع على إتمام الاستحقاق الرئاسي في موعده، وتبرز فيها خصوصاً زيارة الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين والحراك المستعاد من جانب أركان اللجنة الخماسية، فيما يجري الحديث أيضاً عن زيارة لوفد سعودي رفيع إلى بيروت بعد الأعياد، برئاسة وزير الخارجية فيصل بن فرحان.
وفدان فرنسي وسعودي
وفي الوقت الذي ينتظر فيه لبنان وصول وزيري الجيوش والخارجية الفرنسيين سيباستيان لوكورنو وجان نويل بارو اليوم في زيارة تستمر حتى الأربعاء المقبل، شكّكت مصادر ديبلوماسية بوجود موعد محدّد لزيارة هوكشتاين لبيروت في انتظار أن يزورها الوفد الديبلوماسي السعودي برئاسة وزير الخارجية فيصل بن فرحان يرافقه الامير يزيد بن فرحان الذي تسلّم الملف اللبناني في الخارجية السعودية نهاية الاسبوع الجاري او مطلع الاسبوع المقبل.
ونقلت قناة «الجديد» عن مصادر ديبلوماسية أنّ «هذه الزيارة بالغة الأهمية في دلالاتها، لاسيما وأنّها تفتتح عودة سعودية رسمية إلى لبنان بعد السنوات الماضية. وهذه الزيارة بكل ما فيها من ملفات دعم يحملها وزير الخارجية السعودي، هي برعاية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ووزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان الذي انتقل إليه الملف اللبناني بعد قرار ترفيع الشأن اللبناني في الدوائر السعودية الملكية».
على انّ الموفد القطري فهد بن جاسم آل ثاني موجود في لبنان منذ نحو اسبوعين ويعقد لقاءات مع مسؤولين وسياسيين حول الاستحقاق الرئاسي والمساهمة القطرية في إعادة الاعمار ويبقي غالبيتها بعيدة من الأضواء.
وإلى ذلك، وفي غياب أي تأكيد او نفي ديبلوماسي لبناني لوجود وزير الخارجية عبدالله بوحبيب في عطلة تمتد لأكثر من عشرة ايام، كشفت مصادر ديبلوماسية اوروبية لـ «الجمهورية» انّ الوفد الفرنسي يحمل رسالة بالغة الأهمية من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون تشدّد على مجموعة ملاحظات أبرزها عدم تفويت الفرصة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية في الموعد المحدّد، لئلا يُسجّل على اللبنانيين عجزهم عن الإفادة من لحظة بالغة الحساسية في وقت تعيش المنطقة مخاضاً عسيراً.
ولفتت هذه المصادر إلى انّ الذين عرقلوا انتخاب الرئيس طوال الأشهر الأربعة والعشرين الماضية تراجعوا عن عنادهم، ولا بدّ من ملاقاتهم لانتخاب رئيس يمكنه أن يشرف على تطبيق الاتفاقيات التي تمّ التوصل إليها لفتح صفحة لبنانية جديدة عنوانها إعادة بناء ما تهدّم من الدولة وإنهاء وجود كل ما يشكّل «دويلة» تهدّد الدولة قبل الانهيار الشامل الذي ما زال ماثلاً أمام أعين الجميع إن لم يلتزم اللبنانيون بمضمون الاتفاقيات التي أنهت العمليات العسكرية ووضع حدّ نهائي لعدم الاستقرار في لبنان، على أمل ان تمتد هذه المؤشرات لتشمل دول المنطقة، فيكون ما حصل من آخر الحروب التي عاشها لبنان.
وفي المعلومات، انّ من النادر أن يتشكّل وفد وزاري فرنسي مزدوج يجمع بين رأسي الديبلوماسية والقوة العسكرية. وهي رسالة في حدّ ذاتها لما يشكّله الموقف الفرنسي من دعم للاتفاق الأخير لوقف اطلاق النار، وخصوصاً انّه نتاج مبادرة فرنسية- اميركية أُطلقت في الأسبوع الأخير من أيلول الماضي على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة.
وكما بات معلوماً، فإنّ زيارة الوفد، وان كانت تحت عنوان تفقّد القوة الفرنسية العاملة في اطار قوات «اليونيفيل» لمناسبة حلول السنة الجديدة، فإنهما سيلتقيان فور وصولهما قائد الجيش العماد جوزيف عون «الذي سيقود عملية نشر الجنود في جنوب البلاد بعد وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله»، حسب البيان الحكومي الفرنسي حول الزيارة. ومن المقرر أن يلتقي بعد غد الأربعاء قائد منطقة قطاع جنوب الليطاني في الجيش العميد إدغار لاوندوس الذي يمثل لبنان في اللجنة الخماسية لمراقبة وقف إطلاق النار الى جانب إسرائيل والولايات المتحدة وفرنسا و«اليونيفيل»، وذلك للبحث في ما يعوق تنفيذ الخطوات المقررة ضمن مهلة الايام الـ60 ووقف الخروقات الإسرائيلية المتمادية.
الراعي يحذّر
وكان من المواقف البارزة امس، ما عبّر عنه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في عظة الاحد من بكركي، حيث رفض تأجيل جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 9 كانون الثاني المقبل، محذّراً من «اللعب بهذا التاريخ الحاسم»، واصفاً انتظار اسم الرئيس من الخارج بأنّه «عار كبير». وقال: «إنّ مشكلة لبنان اليوم هي فقدان الثقة لدى السياسيّين بأنفسهم، وببعضهم البعض، وبمؤسّسات الدولة.
فقدان الثقة لدى السياسيّين بأنفسهم، كما هو ظاهر اليوم في عدم انتخاب رئيس للجمهوريّة منذ سنتين وشهرين. فإنّهم ينتظرون اسم الرئيس من الخارج، وهذا عار كبير، علماً أنّنا نقدّر للدول الصديقة حرصها على انتخاب الرئيس، ونشكرها على تشجيعها للدفع إلى الأمام بعجلة انتخابه، في التاسع من كانون الثاني المقبل، أي بعد عشرة أيّام، وهو اليوم المحدّد لانتخاب الرئيس، ما زال البعض يفكّر في التأجيل في انتظار إشعارٍ ما من الخارج. وهذا عيب العيوب وهو مرفوض بكلّيته. وحذار اللعب بهذا التاريخ الحاسم». وأضاف: «ثقة السياسيّين بعضهم ببعض مفقودة، وهي ظاهرة في عدد المرشّحين المعلنين والمخبّئين وغير الصرحاء والموعودين، وكأنّهم لا يجرؤون على المجيء إلى البرلمان لانتخاب الرئيس، في انتظار اسم من الخارج».
وأكّد أن «لا أحد يقدّر دور الرئيس الآتي: فأمامه إعادة الثقة إلى السياسيّين بأنفسهم، وببعضهم البعض، وبالدولة ومؤسّساتها. وأمامه بناء الوحدة الداخليّة بين جميع اللبنانيّين بالمحبّة المتبادلة، على أساس من المواطنة اللبنانيّة والولاء للبنان والمساواة أمام القانون. وأمامه إصلاحات البنى والهيكليّات المقرّرة في مؤتمرات باريس وروما وبروكسل. مثل هذا الرئيس يُبحث عنه، ويُرغم على قبول المهمّة الصعبة، ويحاط بثقة جميع السياسيّين واللبنانيّين عموماً».
الشعر والشعارات
أكّد رئيس حزب «القوّات اللبنانيّة» سمير جعجع خلال العشاء السنوي لمنسقيّة «القوّات» في كسروان، أنّ «اتفاق وقف إطلاق النار هو مسؤولية الحكومة الحالية، وهي من تقع عليها مسؤولية أن ترى ما يجب القيام به من أجل تطبيقه في الشكل المطلوب». وأوضح أنّ «بعض نواب «حزب الله» يدّعون اليوم أنّ السياديين بلعوا ألسنتهم، وكأنّ المسألة هي بالكلام وليس بالفعل أبدًا، فبالفعل، لا بالكلام، هم من يسيطرون على الحكومة الآن، ولذلك فليقوموا بما يجب القيام به إزاء الخروقات الإسرائيليّة الكبيرة». وأضاف: «ليأمروا الجيش بشن هجوم لاستعادة وادي الحجير على سبيل المثال، أو ليكلّفوا وزارة الخارجية القيام بما يجب القيام به، من إعداد عرائض وكل ما يلزم من مبادرات. فالحكومة معهم في الوقت الراهن. وجلّ ما يقومون به هو الشعر والشعارات ومحاولة تحميلنا جميعًا كمعارضة مسؤولية مسألة كنا نقول لهم منذ اللحظة الأولى إنّها ستوصلنا إلى ما وصلنا إليه». وشدّد على أنّ «لا مناص من تطبيق كامل للقرار 1701، ولا مناص من تطبيق القرار الذي اتخذته الحكومة الحالية لوقف اطلاق النار والمتعلق بالترتيبات التي يجب القيام بها، والتي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من القرار 1701».
«حزب الله» والخروقات
جنوباً، تواصلت الخروقات الإسرائيلية للاتفاق على وقف اطلاق النار منذ توقيعه في 27 تشرين الثاني الماضي، وكان جديدها امس قطع الجيش الاسرائيلي الطريق بين الطيبة وديرسريان قرب مركز الدفاع المدني القديم، وتمركزه هناك. فيما افيد عصراً عن عمليتي نسف كبيرتين قامت بهما قوات الاحتلال الاسرائيلي في بلدة ميس الجبل وسُمعت أصداؤها في القرى المجاورة.
وفي هذا الاطار أكّدت اوساط قريبة من «حزب الله» لـ«الجمهورية» أنّ الحزب يتصرّف بحكمة حيال الوضع في الجنوب، على قاعدة انّه يتفادى استدراجه إلى فتح الجبهة مجدداً تقيّداً منه بقواعد اتفاق وقف إطلاق النار، انما من دون أن يعني ذلك التسليم بالخروقات الإسرائيلية كأمر واقع مفروض.
وأشارت الاوساط الى انّ الحزب يحرص على عدم التعاطي بانفعال مع الانتهاكات الإسرائيلية للاتفاق، بالترافق مع إصراره على وضع جميع المعنيين أمام مسؤولياتهم للجم الاعتداءات الإسرائيلية، من لجنة الإشراف إلى الدولة اللبنانية.
واعتبرت الاوساط انّ الخروقات المتفاقمة يجب أن تُحرج بالدرجة الأولى المنادين بالاحتكام الى القرارات الدولية ومظلة الدولة لحماية لبنان بعدما ثبت بالتجربة انّ العدو لا يحترم هذه المعادلة التي يعتبر البعض انّها تشكّل بديلاً من خيار المقاومة.
ولفتت الاوساط إلى انّ ما يجري في الجنوب يعزز حجج المقاومة ومنطقها وليس العكس، داعية الى انتظار انتهاء مهلة الـ60 يوما حتى يبنى على الشيء مقتضاه.
الموقف الإسرائيلي
في غضون ذلك، اجرى رئيس الأركان الإسرائيلي، الجنرال هارتسي هاليفي امس، تقييمًا للوضع العسكري في جنوب لبنان، خلال اجتماع مع قائد القيادة الشمالية وقادة آخرين من الفرقة 146 واللواء 300، بحسب ما نقل المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي على حسابه عبر «إكس».
وأكّد هاليفي خلال الاجتماع «أنّ الجيش الإسرائيلي قد حقق انتصارًا عسكريًا واضحًا على «حزب الله» في المنطقة،» مشيرًا إلى «أنّ هذا الانتصار يشكّل خطوة مهمّة نحو تحقيق الأهداف العسكرية الإسرائيلية. وقال: «لقد انتصرنا عسكريًا على حزب الله بشكل واضح، وهذا أمر لا يمكن إنكاره. لكن النصر الحقيقي والبعيد المدى لا يعني فقط التفوق العسكري، بل أن يعمّ السلام والاستقرار في المنطقة، بحيث يعيش هنا كثير من العائلات، ويزدهر النشاط السياحي، وتصبح الحياة اليومية أكثر رخاءً».
وختم: «نريد أن نرى في هذه المنطقة كثيراً من السكان الذين يعيشون هنا، مع ازدهار في قطاع السياحة والمطاعم والمقاهي. نريد أن نشهد الناس يركبون الدراجات الهوائية في شوارع الجنوب، وتزدهر الزراعة في هذه الأراضي. هذا هو النصر المستدام الذي نسعى لتحقيقه».
«جس نبض» فاشل
من جهة ثانية، وفي محاولة لإحراج قيادة «حزب الله» وزّع مجهولون أمس خبراً مفاده انّ رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد تسلّم منصب نائب الأمين العام لحزب الله الذي كان يشغله الشيخ نعيم قاسم الذي عُيّن قبل اسابيع اميناً عاماً اصيلاً خلفاً للأمين العام الشهيد السيد حسن نصرالله.
وقالت مصادر قريبة من الحزب لـ«الجمهورية» انّ هذا الخبر كاذب ولا أساس له من الصحة. ووصفت المحاولة بأنّها «لجسّ نبض الحزب» وإن كان المقصود من تسريبه «استهداف النائب رعد فإنّ المحاولة فاشلة سلفاً». واضافت: «انّ لدى الحزب آلية محدّدة في توزيع المواقع ان كانت تعييناً او انتخاباً. ولا حاجة لمثل هذه المحاولات».
من جهتها أكّدت العلاقات الإعلامية في «حزب الله» أن «لا صحة للهيكليات الافتراضية التي يتمّ تناقلها عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن تعيينات في مواقع وتشكيلات حزب الله»، مضيفة: «عندما تقرّر القيادة تعيين المسؤولين سيتمّ إعلان الأسماء ضمن الأطر الإعلامية الواضحة التابعة لحزب الله».