رفع عددٌ من المصارف الفوائد على الإيداعات الجديدة بالليرة اللبنانية، إلى حَدّ وصل الى نسبة 45%، في عملية إغراء تقوم بها تلك المصارف لجذب المودعين، نتيجة حاجتها إلى سيولة بالعملة الوطنية. لكنّ العملية تجرّ خلفها مخاطر واضحة، خصوصاً أنّ قضية المودعين الأساسية عالقة بلا حَلّ يُعطي أصحاب الحقوق أموالهم.
بدأت القصّة منذ سنوات، عندما صرفت معظم المصارف أموالها بالليرة على القطع، واشترت الدولار بها، على سعر 1500 ليرة وخزّنته، ممّا زاد من أزمة العملة اللبنانية التي صارت تفقد من قيمتها نتيجة عدم الطلب.
لكن بعد تثبيت مصرف لبنان المركزي سعر الصرف وضبط الاستقرار النقدي، وارتفاع حاجة المصارف إلى الليرة لدفع المستحقّات، خصوصاً في نهاية العام، لم تَسُدّ المبالغ الموجودة بالليرة حاجات معظم المصارف، فلجأ بعضها إلى الاستدانة من بعضها الآخر، عبر ما يُسمى «إنتر بنك»، لكنّها واجهت ارتفاع كلفته النسبية إلى حدود 140%، كفائدة سنوية متصاعدة، فارتأ بعض المصارف أن يرفع من قيمة الفوائد على الليرة اللبنانية لجذب المودعين عبر فائدة تبلغ 45%، وهو ما دعا مواطنين لبنانيّين إلى التفكير جدّياً بإيداع الليرة في تلك المصارف، لقاء تلك الفوائد المرتفعة.
تفرض تلك العملية أسئلة: لماذا لا تَصرِف تلك المصارف من موجوداتها بالدولار لشراء حاجاتها من الليرة اللبنانية، خصوصاً أنّ معظمها لديها ملاءة بالعملات الأجنبية وهي قادرة على شراء الليرة؟!
ولماذا لا ترفع تلك المصارف من رأسمالها، لتستفيد من الليرة اللبنانية في تلبية احتياجاتها؟
يقول خبراء في المال وعلم المصارف، إنّ البنوك لا تريد أن تتحمّل المخاطر، بل فضّلت أن تحمّلها للمودعين اللبنانيّين، بدل من أن تحملها بنفسها، وهي مسألة خطيرة جداً، تفرض سؤالاً جوهرياً: أين لجنة الرقابة على المصارف التي تتفرّج على إجراءات المصارف في رفع الفائدة عشوائياً، من دون تحرّك ولا رادع ولا توصيف؟!
ويضيف الخبراء أنفسهم «أنّ استهتار لجنة الرقابة على المصارف يدفع القطاع نحو الفوضى على حساب المودعين مرّة جديدة»، فلماذا لا تتحرّك تلك اللجنة المسؤولة وحدها عن ضبط الإيقاع المصرفي؟
يحذّر خبراء المال من خطوة رفع الفائدة على الليرة، ويعتبرون أنّ «تخفّي لجنة الرقابة على المصارف سيؤدّي إلى دفع المودعين نحو كارثة إضافية، نتيجة ما يلي:
في حال حصل تغيير في سعر الصرف في الأشهر المقبلة، سيكون ذلك على حساب المودعين الذين صرفوا مدّخراتهم بالدولار لإيداعها بالليرة في البنوك.
وعندما يقبض المودعون إيداعاتهم مع فوائدها المرتفعة بالليرة اللبنانية، ثم شراء الدولار، سيتعرّض سعر الصرف إلى الاهتزاز مجدّداً، ليكون المودع هو الضحية أيضاً بفقدان أجزاء من قيمة الليرة التي يملكها.
إذا كان سعر الصرف مستقراً حالياً ولن يتغيّر، نتيجة انضباطية فرضها حاكم مصرف لبنان المركزي بالإنابة وسيم منصوري، فَمَن يضمَن في حال جرى تعيين حاكم أصيل بعد انتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة وإجراء تعيينات إدارية، أن تبقى سياسة المصرف المركزي هي عينها في شأن الاستقرار النقدي؟
كل ذلك يعني أنّ خطوة المصارف في رفع الفائدة على الليرة اللبنانية، تجرّ معها وَيلات في حق المودعين، في غياب المسؤولية عند لجنة الرقابة على المصارف.