تصفية حسابات في البيت الأبيض
تصفية حسابات في البيت الأبيض
عبدالله ريشا

أمين عام المركز اللبناني للدراسات الاستراتيجية

Friday, 27-Dec-2024 06:49

كَثُرَت التحليلات حول ما حصل في سوريا. ومهما تعدّدت السرديات يبقى هذا الحدث مدوّياً في تاريخ شرق أوسط، شهد على خضات واهتزازات عديدة. ولا يزال حتى أيامنا هذه يبتلع من يحاول قيادته منفرداً.

 

من الواضح أنّ المَدّ الإخواني المتوقع بعد التعاطف العربي والإسلامي الكبيرَين على سردية مظلومية الشعب الفلسطيني والمقاومة السنوارية الأسطورية بدأ يأخذ مداه، إذ حاولت إيران قطف ثمار ارتداداته فأتت رياح التغيير من أنقرة.

فعلها رجب طيب أردوغان في الوقت الضائع بين تسلّم الجمهوريّين، من الإدارة الديموقراطية. وبدأ حُكم إخواني يلوح في أفق دمشق مع كل ما يمكن أن يُشكّله من خطر وجودي على المملكة العربية السعودية ورفيقاتها في المنطقة، لحظة تاريخية عرف فيها بشار الأسد أنّ نظامه لا يقوم إلّا برضى النقيضَين السوفييتي والأميركي في عهد الأسد الأب والروسي والإيراني في زمن الأسد الابن.

وأي مغامرة خارج خَيط التوازنات الدقيقة ستؤدي إلى سقوطه في قبضة العدالة الإخوانية. فَهِم أنّ سَيره بمشروع إقفال البوكمال على إيران مقابل نفوذ سياسي ورفع العقوبات سيؤدي إلى اغتياله سياسياً وأمنياً وعسكرياً من قِبل الإيرانيّين، كما فَهِم أنّ استمراره بدعم إيران وفتح الكوريدور العسكري سيؤدي إلى إزاحته من خريطة الاقتصاد العالمي وسقوطه التدريجي، فحمل أمتعته، ورحل مفضّلاً حياة الرفاهية على الاستشهاد في الصفوف الأمامية لمعركة من دون أفق أو الدخول إلى سجن مؤبّد.

لا الروسي مستعد أن يخلّ بتركيز قواه في أوكرانيا، ولا الإيراني مستعد أن يُحيي جثة هامدة بدأت تتّجه غرباً برعاية روسية.

في موازين الربح والخسارة، خسرت إيران الكوريدور البري الذي كان يغذّي «حزب الله» بالمال والعتاد، خسر بوتين موطئ القدم في المياه الدافئة ونقطة نفوذ أساسية كان ينتظر صرفها في علاقته مع ترامب، مقابل مكتسبات أوكرانية، وعاد أردوغان إلى المسرح الجيوسياسي بقوة ملوّحاً بإسلام سياسي غير واضح المعالم.

ثمة ألغاز إضافية في أقبية البيت الأبيض لم تتوضّح حتى الآن، لن يُصدّق أحد أنّ ما نُفِّذ في الأيام الأخيرة من ولاية الديموقراطيّين، كان هدفه بسط السجاد الأحمر لعودة ترامب إلى البيت الأبيض، والحقيقة هي أنّ الديموقراطيين جاك سوليفان، مستشار الأمن القومي، وويليام بيرنز، مدير الـCIA، سحبا السجادة من تحت أقدام الرئيس ترامب، منتزعين منه أوراقاً ثمينة كان يستند إليها لإحلال السلام في الشرق الأوسط، وعقد صفقاته المدوّية.

قنابل دخانية أُلقِيَت على طريقه، بدءاً من تَرك الأكراد على مصيرهم بوجه الفاتح المنتصر رجب طيب أردوغان، انتقالاً إلى تقليص نفوذ صديقه الحميم بوتين الذي كان قادراً على لعب دور مفصلي في الحَدّ من تعاظم النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، من خلال رمي سوريا في أحضان جامعة الدول العربية أي حلفَي الجمهوريّين التقليديَّين المملكة العربية السعودية والإمارات.

مشروع كان قد بدأ مع دخول سوريا إلى جامعة الدول العربية، وأثناء زيارة الوزير الإسرائيلي ديرمر إلى روسيا سمع من القيادة الروسية أنّها غير متحمّسة لإيكال الأسد مهمّة إقفال الحدود على النفوذ الإيراني.

بهذا التأجيل، أرادوا انتظار إدارة ترامب لعقد تسوية تشمل أوكرانيا وملفات أخرى، لكنّ عقارب ساعة بايدن لم تكن تملك ترف الانتظار وترتيب الأرضية لغريمها الجمهوري، فقلبت الطاولة على اللاعبين معتمّدةً أسلوب ما جرى في العراق، ليبيا وأفغانستان، تاركةً لصانع السلام الشرق الأوسطي مهمة تعزيز الاستقرار في سوريا، وهي التي تدرك جيداً فشل الإدارات السابقة بتحقيق الاستقرار في ليبيا والعراق وأفغانستان.

خسرت روسيا وإيران والسعودية والإمارات وربح نتنياهو وأردوغان وخلفه تميم وفكرة المَدّ الإخواني الذي بات على أبواب مصر والأردن وربما الخليج لاحقاً.

عام 1969، خلال الفترة الانتقالية بين ليندون جونسون وريتشارد نيكسون، شجّع فريق نيكسون الفييتناميّين الجنوبيّين على الانسحاب من المحادثات إلى أن يُنتخَب نيكسون، تحت وعود بشروط أفضل. وبمحاولة تعطيل جهود السلام لجونسون أوكلت مهمة إقفال الباب بوجه الديموقراطيّين آنذاك إلى المخضرم هنري كيسنجر.

وقبيل استلام دونالد ترامب للرئاسة عام 2016، تواصل مايكل فلين، الذي عُيّن لاحقاً كمستشار للأمن القومي، مع السفير الروسي لدى الولايات المتحدة ممّا أثار جدلاً كبيراً واعتُبر انتهاكًا لـ»قانون لوغان»، الذي يمنع المواطنين من التدخّل في السياسات الخارجية.

في وقت لاحق، اعترف فلين بأنّه قدّم معلومات مضلّلة لمكتب التحقيقات الفيدرالي بشأن محادثاته مع السفير الروسي، ممّا أدّى إلى توجيه تُهَم ضدّه واستقالته المبكرة من منصبه في إدارة ترامب.

إنّه زمن تصفية حسابات أروقة البيت الأبيض، فلا يوحي الزلزال الجيوسياسي بأنّه قادر على إنتاج سلام شرق أوسطي في أقل من 4 سنوات، ولن يكون ترامب قادراً بعدها على التجديد لولاية أخرى بحسب مستلزمات الدستور. ففُتِح زلزال المنطقة على احتمالات أقساها حروب متنقلة، وأدناها تحقيق النبوءة القديمة بشرق أوسط تحكمه تركيا وإيران وإسرائيل.

theme::common.loader_icon