سافر ديبلوماسيّون أميركيّون رفيعو المستوى إلى دمشق، العاصمة السورية، يوم الجمعة للقاء الميليشيات التي تسيطر على البلاد ومجموعات من المجتمع المدني، وللبحث عن أثر للصحافي أوستن تايس ومواطنين أميركيّين مفقودين آخرين، وفقاً لما ذكرته وزارة الخارجية الأميركية.
هؤلاء الديبلوماسيون هم أول مسؤولين أميركيّين يدخلون دمشق منذ انهيار الحكومة السابقة، ويهدفون إلى المساعدة في تشكيل المشهد السياسي في سوريا بعد السقوط السريع هذا الشهر لبشار الأسد، الزعيم المستبد الذي حكم لفترة طويلة. وكانت الولايات المتحدة قد قطعت العلاقات الديبلوماسية مع سوريا في عام 2012، بعد عام من إصدار الأسد أوامر لقوّاته بارتكاب فظائع جماعية خلال الحرب الأهلية في البلاد.
تشكّل هذه الزيارة خطوة مبدئية نحو الانخراط الديبلوماسي في سوريا، وهي دولة اتسمت السياسة الأميركية تجاهها في السنوات الأخيرة بالتركيز على العمل العسكري بدلاً من الديبلوماسية. وكانت إدارة بايدن على اتصال بقادة الميليشيات لكنّها واجهت صعوبات في كيفية التعامل المباشر معهم، جزئياً لأنّ الولايات المتحدة صنّفت المجموعة المتمرّدة الرئيسية، «هيئة تحرير الشام»، كمنظمة إرهابية.
تأتي الزيارة كأحدث خطوة في سلسلة من الاجتماعات بين قادة المتمرّدين ومسؤولين غربيّين يسعون إلى فتح قنوات تدريجية مع السلطات السورية الجديدة. فمنذ الإطاحة بالأسد هذا الشهر، زار دمشق ديبلوماسيّون من بريطانيا وفرنسا وألمانيا وسويسرا ودول أخرى. كما أنّ قطر وتركيا في طور إعادة فتح سفارتَيهما هناك.
تأتي هذه التحرّكات الديبلوماسية وسط إعادة ترتيب التحالفات في الشرق الأوسط، حيث كانت سوريا قوة رئيسية ورمزاً لحكم عربي تحت سلطة عائلة واحدة، وهي سلطة عارضها معظم السوريّين في زمن الحرب. وشهدت الحرب الأهلية السورية التي استمرّت قرابة 14 عاماً مشاركة 6 جيوش أجنبية على الأقل، منها إيران وروسيا والولايات المتحدة.
وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية في بيان، أنّ الديبلوماسيّين الأميركيّين «سيشاركون بشكل مباشر مع الشعب السوري، بما في ذلك أعضاء من المجتمع المدني ونشطاء وأفراد من مجتمعات مختلفة وأصوات سورية أخرى، لمناقشة رؤيتهم لمستقبل بلدهم وكيف يمكن للولايات المتحدة أن تدعمهم».
المسؤولون الأميركيّون المشاركون في هذه الزيارة: باربرا ليف، مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى؛ وروجر دي. كارستنز، المبعوث الرئاسي الخاص لشؤون الرهائن؛ ودانيال روبنشتاين، المستشار الخاص الجديد لشؤون سوريا.
وأوضحت الوزارة، أنّ الديبلوماسيّين يخطّطون لمناقشة «مبادئ الانتقال» مع «هيئة تحرير الشام»، وهي المبادئ التي اتفق عليها المسؤولون الأميركيّون والعرب والأتراك في اجتماع عُقد نهاية الأسبوع الماضي في العقبة بالأردن. وشدّد المسؤولون الأميركيّون على أنّ المجموعات في سوريا يجب أن تبني عملية شاملة للحُكم وتعامل الأقليات العرقية والدينية في البلاد، بما في ذلك المسيحيّين، بإنصاف. كما خطّط الديبلوماسيون الأميركيّون للقاء مجموعات من المجتمع المدني يوم الجمعة.
وأُلغي مؤتمر صحافي كان من المقرّر أن يعقده المسؤولون الأميركيّون في فندق «فورسيزونز» بدمشق بعد ظهر أمس في اللحظة الأخيرة، بسبب «مخاوف أمنية»، بحسب رنا حسن، المسؤولة في وزارة الخارجية.
وأكّد زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم أبو محمد الجولاني، في مقابلات سابقة، أنّ مجموعته تخطّط لعملية شاملة ولا تسعى لإلحاق الأذى بغير المسلمين في سوريا.
وعرض مسؤولو المجموعة خطة طموحة لإقامة حكومة جديدة في سوريا، وتولّى قادة المتمرّدين مناصب حكومية رئيسية للإشراف على فترة انتقالية تمتد حتى 1 آذار 2025. بعد ذلك، يقول قادة المتمرّدين إنّ حكومة موقتة ستُشكّل بالتشاور مع سوريّين من جميع الخلفيات، وستنشأ لجنة لوضع دستور سوري جديد.
ومن غير الواضح كيف سيتعامل الديبلوماسيّون الأميركيّون مع الشرع الذي دعا وقادة متمرّدون آخرون الولايات المتحدة إلى إسقاط تصنيفهم كمنظمة إرهابية، بينما ردّ المسؤولون الأميركيّون بأنّهم يراقبون تصرّفات المجموعة من كثب.
ووجدت إدارة بايدن أيضاً أنّ «هيئة تحرير الشام» مستعدة للمساعدة في البحث عن تايس، الذي اختُطِف في دمشق عام 2012، وقدّمت للمجموعة قائمة بمسؤولين سابقين في حكومة الأسد قد يكون لديهم معلومات عنه. ويعتقد الرئيس بايدن أنّ تايس لا يزال على قيد الحياة وفي سوريا.
تستغرق عملية إزالة المجموعات من قوائم الإرهاب الرسمية في واشنطن أشهراً أو سنوات، بسبب التشابك بين الوكالات المعنية والتكاليف السياسية المحتملة للقادة الذين يتخذون هذا القرار. إذا طلب بايدن أو الرئيس المنتخب دونالد ترامب، عند توليه منصبه مرّة أخرى، من الوكالات التحرّك في هذا الاتجاه، فمن المحتمل أن يكون هناك أشهر من البحث من قِبل كل وكالة حول المجموعة. يلي ذلك نقاشات بين الوكالات وداخل البيت الأبيض ومع أعضاء الكونغرس، ليُثير المشرّعون اعتراضات.
تحتفظ وزارة الخارجية بقائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية. كما أنّ وزارة الخزانة لديها قائمة متداخلة للإرهابيّين العالميّين، وللجهازَين سلطات فرض عقوبات. بالإضافة إلى ذلك، توجد قائمة عقوبات للأمم المتحدة تلتزم بها الولايات المتحدة، و«هيئة تحرير الشام» مدرجة على هذه القائمة. ومن المحتمل أن تجادل روسيا، كعضو مؤيّد للأسد في مجلس الأمن الدولي، بالحفاظ على المجموعة في القائمة.
وأسفرت الإطاحة بحكومة الأسد عن تغييرات كبيرة في العلاقات الديبلوماسية لسوريا مع دول أخرى. فقد أدّى ذلك إلى تقليل تأثير إيران في المنطقة بشكل حاد، إذ حرمتها من حليف عربي رئيسي كان لعقود محوَرياً في استراتيجيتها الدفاعية. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت روسيا ستتمكن من الحفاظ على قواعدها العسكرية في غرب سوريا، التي كانت حاسمة لقدرتها على بسط نفوذها في الشرق الأوسط.
ظهرت تركيا كأحد الفائزين، إذ بات لها نفوذ أكبر من أي وقت مضى على المتمرّدين الذين يُسيطرون الآن على معظم سوريا، والذين استفادوا طويلاً من الدعم التركي.
وأكّد مسؤولون أتراك أنّهم على اتصال بالشرع للمساعدة في صياغة دستور جديد للبلاد، وتعهّدوا بتقديم المساعدة للحكومة الجديدة لتلبية احتياجاتها من الطاقة، ودعوا إلى زيادة الجهود لتدمير «الجماعات الإرهابية» داخل سوريا، مثل تنظيم الدولة الإسلامية والمقاتلين الأكراد.هؤلاء الديبلوماسيون هم أول مسؤولين أميركيّين يدخلون دمشق منذ انهيار الحكومة السابقة، ويهدفون إلى المساعدة في تشكيل المشهد السياسي في سوريا بعد السقوط السريع هذا الشهر لبشار الأسد، الزعيم المستبد الذي حكم لفترة طويلة. وكانت الولايات المتحدة قد قطعت العلاقات الديبلوماسية مع سوريا في عام 2012، بعد عام من إصدار الأسد أوامر لقوّاته بارتكاب فظائع جماعية خلال الحرب الأهلية في البلاد.