تستمر الاهتمامات السياسية مركّزة بين الخروقات الإسرائيلية المتمادية لوقف إطلاق النار، وبين التطورات الجارية في سوريا من زاوية ما يمكن ان تكون لها من تداعيات على لبنان ومستقبل العلاقة بينه وبين سوريا في ضوء انهيار النظام وقيام سلطة جديدة، وبين التحضيرات السياسية والنيابية الجارية لجلسة انتخاب رئيس للجمهورية في الجلسة الانتخابية المقرّرة في 9 كانون الثاني المقبل، والتي يشدّد رئيس مجلس النواب نبيه بري على ضرورة ان تكون ناجزة.
ولم ترس الاتصالات والمشاورات الجارية بين الكتل النيابية والسياسية والتي يشكّل بري محورها، على اتفاق على مرشح محدّد، فيما بورصة الأسماء تزدهر حيناً وتتراجع احياناً، رغم أن الوقت الفاصل عن موعد الجلسة ما زال يتيح حصول صولات وجولات من الاتصالات والمشاورات الداخلية والخارجية لبلورة اسم المرشح الذي يليق بطبيعة المرحلة التي يمر فيها لبنان والمنطقة، بعيداً من بعض المناورات و»البروباغندات» الاعلامية التي يمارسها البعض لتسويق أسماء مشفوعة بادعاءات انّ هذه الجهة الدولية الفاعلة او تلك تدعم ترشيح هذا المرشح او ذاك، بما يتعارض مع الطبيعة السيادية للاستحقاق الدستوري.
ومن المتوقع أن يشهد هذا الاسبوع مزيداً من اللقاءات والمشاورات الهادفة إلى بلورة مرشح توافقي او اكثر، حتى إذا تعذّر الاتفاق على مرشح واحد تُخاض العملية الانتخابية تنافسياً بين مُرشَحَين او أكثر.
وأوحت أجواء المعارضة، في اليومين الأخيرين، بأنّها لا تعوّل كثيراً على جلسة 9 كانون الثاني المقبل لإنجاز استحقاق الانتخابات الرئاسية، ورجحت أن تكون هناك حاجة إلى مزيد من الوقت لتحقيق هذه الغاية.
وقال مصدر نيابي معارض لـ«الجمهورية»، إنّ عملية جسّ النبض الجارية تؤشر إلى حصول تقدّم في المعطيات السياسية وتقارب في المواقف نحو انتخاب رئيس للجمهورية يلبّي الطموحات إلى انتخاب رئيس يتكامل برنامجه مع ما يطلبه المجتمع الدولي من تنفيذ للقرارات الدولية، ما يسمح بنهوض الدولة مجدداً، بعد فك الحصار المضروب عليها. لكن هناك نقاطاً لا تزال في حاجة إلى الإيضاح من جانب القوى الممسكة بالسلطة، لتبيان الفرص الحقيقية.
وفضّل المصدر أن يتمّ التركيز في النقاشات بين القوى السياسية على برنامج عمل الرئيس والحكومة العتيدة لا على الأسماء، لأنّ هذا البرنامج هو الضمان لتحقيق الإنقاذ السياسي والاقتصادي وليس الأشخاص.
وكشفت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» ان المعارضة وفي مقدمها «القوات اللبنانية» تسعى إلى تجاوز موعد جلسة انتخاب الرئيس في التاسع من كانون الثاني المقبل انتظارا لتسلم الرئيس الاميركي المنتخب دونالد ترامب منصبه على امل ان يكون هناك ضغط أميركي وظروف تكون اكثر ملاءمة لانتخاب الدكتور سمير جعجع او شخصية قريبة من خطه رئيسا، علما ان الاميركيين يرفعون لواء الرئيس التوافقي.
الخماسية
في غضون ذلك، أعلن السفير المصري لدى لبنان علاء موسى أنّ «القوى السياسية في لبنان ما زالت تتحاور في ما بينها ولكن المؤشرات ايجابية وهناك إلتزام واضح ورغبة حقيقية بإنجاح جلسة انتخاب الرئيس في 9 كانون الثاني».
وقال موسى في حديث لقناة «LBCI»، إنّ «اللجنة الخماسية توافقت سابقاً على مواصفات الرئيس التي وضعتها بالتشارك مع القوى السياسية، وأُضيفت بعض الامور اليوم على المواصفات. والرئيس يجب ان يكون ملتزماً بتطبيق وقف اطلاق النار ومتابعة ملف إعادة الاعمار». وأضاف: «دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري لنا لحضور جلسة انتخاب الرئيس اشارة إلى أنّ هناك جدّية وهناك رغبة للخروج من هذه الجلسة برئيس للبنان». واعتبر أنّ «على القوى اللبنانية ان تتحرك سريعًا والّا ترهن قرارها إلى اي متغيّرات. والسفيرة الاميركية اكّدت مرارًا انّ الادارة الاميركية ملتزمة بانتخاب رئيس في أسرع وقت».
الخليفي في بيروت؟
على صعيد آخر، تردّدت معلومات غير رسمية عن احتمال وصول وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية الوزير محمد الخليفي إلى بيروت اليوم حيث من المقرر ان تكون له لقاءات مع كل من الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي، إضافة إلى قائد الجيش، كذلك سيجري مشاورات مع عدد من الكتل النيابية، وخصوصاً مع نواب المعارضة.
لكن مصادر ديبلوماسية عربية ولبنانية نفت عبر «الجمهورية» علمها بأي ترتيبات ديبلوماسية تتعلق بمثل هذه الزيارة. ولكنها تداركت وأشارت في الوقت عينه الى انّه لم يسبق للمسؤول القطري ان أحاط الإعلام بتحركاته على الساحة اللبنانية، وهو لم يسبق أن التقى علناً بأي من المسؤولين في ظل الرعاية القطرية للوضع في لبنان من جوانب مختلفة، ولا سيما بما ارتبط به اسم بملف الاستحقاق الرئاسي ودعم قطر لمرشح توافقي لرئاسة الجمهورية. كما بالنسبة إلى دعم الجيش والمؤسسات العسكرية والأمنية بمساعدات عينية ولا سيما منها النفطية منها كما النقدية.
جلسة لم تنضج
في هذه الأثناء، اشار عضو كتلة «الجمهورية القوية» النائب جورج عدوان في حديث إلى قناة «الجديد»، الى أنّ «اللبنانيين يريدون دولة بلا سلاح تنطلق من سيطرتها وتأمين الأمن والمحاسبة ومكافحة الفساد»، لافتاً إلى أننا «في حاجة إلى رئيس يضرب إيده على الطاولة ويعطي أوامر لتطبيق القرارات الدولية، ونتواصل مع الجميع أننا دخلنا مرحلة مختلفة». ورأى أنّ «كثيرين يعتقدون أنّهم يستطيعون الاستمرار كما في عام 2006، لكن هذا لم يعد قائماً»، وقال: «دون أدنى شك ممارسة قائد الجيش العماد جوزف عون داخل الجيش كانت جيدة لكن السياسة شيء آخر. ولن ننتقل الآن إلى الأسماء الرئاسية». وأضاف: «إذا لم تنضج جلسة 9 كانون الثاني يجب أن تنضج بعدها في أقرب وقت. لكن تأخيرها لأسبوعين لن يكون جيداً». ورأى أنّ «رئيس مجلس النواب نبيه برّي أمامه خيار مهمّ والسؤال هل سيختار رئيساً قوياً؟». واوضح أنّ «جلسة 9 كانون لم تنضج بعد لأسباب داخلية وخارجية ولكنها لم تسقط حتى الآن».
رئيس الحكومة اليونانية
من جهة ثانية، وفي خطوة مهمّة وصفت بأنّها مرتبطة بالوضع المستجد في لبنان والمنطقة بعد سقوط النظام في سوريا، يزور لبنان اليوم رئيس الحكومة اليونانية كيرياكوس ميتسو تاكيس في زيارة رسمية ليوم واحد، بعدما أُرجئت قبل ايام نتيجة تزامنها والتطور السوري بسقوط النظام وخروج الرئيس السوري بشار الاسد من سوريا الى موسكو الأحد الماضي.
وقالت مصادر ديبلوماسية لـ«الجمهورية»، انّ المسؤول اليوناني سيلتقي كلاً من رئيس مجلس النواب نبيه بري ونظيره نجيب ميقاتي، وهو يحمل مشروعاً معدّلاً نتيجة الجديد الطارئ ويتعلق بتزخيم عودة النازحين السوريين من دول شرق المتوسط وشماله إلى بلادهم بعد سيطرة المعارضة على السلطة، وأنّه من الضروري أن يناقش في التحضيرات التي باشرها لبنان في هذه المرحلة بعدما كان مصدراً لهجرة النازحين السوريين غير الشرعية إلى قبرص واليونان، بعد الترتيبات التي أقرّها الاتحاد الأوروبي مع تركيا، وللتذكير بالتفاهمات التي نالها لبنان من هبة المليار يورو التي حصل عليها أخيراً لقاء الترتيبات الخاصة بهم. اما وقد بات من الممكن عودتهم إلى بلادهم فلا يجب التردّد في تنظيم هذه العودة لتكون آمنة وطوعية.
الموقف الإسرائيلي
إلى ذلك، وفي ظل استمرار الخروقات الاسرائيلية لوقف اطلاق النار براً وجواً، أشار رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلى «أنني تحدثت مع الرئيس الاميركي المنتخب دونالد ترامب بشأن حاجة إسرائيل لإتمام الانتصار والجهود المبذولة لتحرير الاسرى»، لافتاً الى أننا «نواصل العمل بلا كلل لإعادة الاسرى إلى بيوتهم. وكلما تحدثنا عن ذلك أقل كان ذلك أفضل». وقال: «لا نية لدينا في مواجهة سوريا، وسنحدّد سياستنا بناءً على الواقع في الميدان»، وذلك بعد سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد.
ولفت إلى أنّ «سوريا على مدار عشرات السنوات كانت عدواً نشطاً تجاه إسرائيل»، مضيفاً: «قمنا خلال الأيام الماضية بتدمير قدرات بناها نظام الأسد على مدار سنوات»، و»ضربنا مسارات تهريب السلاح إلى «حزب الله» عبر سوريا».
وإلى ذلك اشار العضو السابق في مجلس الحرب بيني غانتس إلى «أننا على حافة الانتقال من حرب واجهنا فيها أعداء إسرائيل إلى حرب أهلية».
واشار الجيش الإسرائيلي امس إلى أنّه «بعد مرور عشرة أسابيع على حرب لبنان وبعد نحو ثلاثة أسابيع من وقف إطلاق النار، صادر أكثر من 10000 قطعة سلاح تابعة لحزب الله في عدد كبير من المناطق المختلفة بجنوب لبنان». وأضاف: «عملت الفرقة 91 في الجيش الإسرائيلي في أكثر من 10 مناطق مختلفة، بينما عملت الفرقة 98 في 6 مناطق على الأقل على رغم من أنّه ربما كان هناك أيضًا بعض التداخل بين الفرقتين». وأوضح أنّه «وصلت قوات الفرقة 91 إلى نهر الليطاني وأجزاء من السلوقي في جنوب لبنان». واشار الى أنّه «من المناطق التي عملت فيها الفرقة 98 هي الخيام، العديسة، رب الثلاثين، مرجعيون، الطيبة والخيام».
بالإضافة إلى ذلك، زعمت الفرقة 91 الإسرائيلية أنّها دمرت 1000 موقع لحزب الله، بينما ادّعت الفرقة 98 أنّها دمّرت أكثر من 300 موقع.
عمليات إسرائيلية في العراق؟
وفي الوقت الذي تنصّب الانظار على الوضع الجديد في سوريا، عبّرت مصادر ديبلوماسية مطلعة عن مخاوفها مما يدبّر للمنطقة في وقت قريب. ولفتت عبر «الجمهورية» الى «انّ الوضع لم يستقر في المنطقة على رغم من حلّ النظام السوري السابق وانسحاب القوات الايرانية وتلك التابعة لـ«حزب الله» منها. وأنّ ما يثير القلق انّ التحضيرات الاسرائيلية لمواصلة العمليات العسكرية لن تقف عند حدود الأراضي السورية قريباً، وانّ التوجيهات أُعطيت لتحديد الأهداف التي يمكن توجيه الضربات الأولى لها في العراق. وعليه فإنّه وإن كان التحذير الاميركي والغربي لاسرائيل واضحاً لجهة استثناء المنشآت النفطية العراقية من اي ضربة قد تُوجّه إلى قدرات فصائل عراقية موالية لايران، والتي تضع مراكز وقياديي «النجباء» و«حزب الله» العراقي في اولى بنود اللائحة المعروضة للبحث».
«يو إس إس هاري ترومان»
وفي ظل الترتيبات العاجلة التي اتخذتها الحكومة العراقية لمنع أي من هذه الاحتمالات، توقفت المراجع الديبلوماسية امام الإعلان الصادر عن القيادة المركزية للجيش الأميركي (سنتكوم) مساء امس، عن وصول حاملة الطائرات «يو إس إس هاري ترومان»، إلى الشرق الأوسط. وهي ستكون في تصرف «القيادة المركزية الأميركية».
ولفتت المراجع إلى الحاجة لاستكمال تنفيذ الاتفاق المعلن عنه في جنوب لبنان قبل تطبيق ما قال به على الساحة اللبنانية كافة. ورداً على ما قيل من انّ نشر هذه المجموعة بهدف «ضمان الاستقرار والأمن الإقليميين»، ربطت المراجع هذا الاجراء بما يمكن ان تنتهي اليه أي ضربة اسرائيلية توسع من نطاق العمليات في اتجاه العراق بعد سوريا.
الموقف الإيراني
وعلى صعيد الموقف الايراني أشار القائد العام لقوّات الحرس الثّوري الإيراني اللّواء حسين سلامي، إلى أنّ «القوى الأجنبيّة الّتي تشعل النّيران في سوريا، كأنّها ذئاب جائعة، قد انقضّت على غزال وحيد في الصّحراء، وكلّ واحدة تقطع جزءًا من جسده. هؤلاء الصّهاينة من الجنوب، وآخرون من الشّمال، وآخرون من الشّرق، وفي الوسط. النّاس تائهون، يواجهون مستقبلاً غامضًا».
وأكّد في خطاب، أنّ «هذا درس مرير نتعلّمه، ولكن يجب أن نأخذ هذه العبرة الكبيرة جنبًا إلى جنب مع العِبر الكبرى الّتي تركتها مرحلة الدّفاع المقدّس»، لافتًا إلى أنّ «الجميع رأوا أنّه عندما كنّا موجودين هناك، كان الشّعب السّوري يعيش عيشةً كرامةً، لأننّا كنّا نسعى لكرامتهم. لم نذهب إلى سوريا لضمّ جزء من أرضها إلى أرضنا، ولم نذهب لنجعلها ساحةً لبحث عن مصالحنا الطّموحة، بل ذهبنا لكي لا يتمّ تدمير كرامة المسلمين».
وشدّد سلامي على أنّ «سوريا بفضل الله ستتحرّر على يد شبابها الغيارى والمجاهدين، وسيدفع الصّهاينة ثمنًا باهظًا، وسيُدفنون في تلك الأرض، لكن هذا يتطلّب وقتًا طويلًا، صمودًا عظيمًا، عزيمةً عاليةً، وإرادة وإيمانًا عظيمَين. وهذا ما يوجد لدى الشّباب المجاهدين في عالم الإسلام، فهناك الغيرة، وهناك الدّافع، وهناك الإيمان».