بعد سقوط حُكم الأسد وسيطرة فصائل المعارضة على الحُكم في سوريا، كان هناك تخوّف من أن تدخل سوريا في حرب أهلية طاحنة نتيجة الأحقاد والعداءات المتراكمة، وأن تُستباح الأرواح طلباً للثأر.
لكن وعلى رغم من بعض الحوادث الأمنية المتفلّتة، تحاول الفصائل المعارضة تقديم صورة مغايرة وضبط الأمور. لم ننتظر ذلك منهم، وفوجئنا بأنّها طمأنت الجميع إلى أنّ أهداف المرحلة المقبلة هي بناء دولة لجميع السوريّين، ولم تمارس أعمالاً إنتقامية، إذ أصدرت القيادة العامة للفصائل المسلّحة السورية سلسلة قرارات جديدة تتعلّق بعقوبة «تصفية الحسابات» والثأر وأوقات حظر التجوال في محافظات سورية عدة وغيرها.
وأكّدت أنّ «أي تهديد أو محاولة لتصفية الحسابات بين المواطنين سيُعاقَب عليها بالحبس لمدة سنة كاملة»، مشدّدةً على ضرورة التكاتف والابتعاد عن أي خلافات تعرقل بناء سوريا الجديدة». كما تعهّدت بإجراء انتخابات ديموقراطية تُترجِم إرادة الشعب السوري.
وهنا، لنتذكر نيلسون مانديلا الذي رفض الانتقام بعد خروجه من السجن الذي أمضى فيه 27 عاماً، وجاء في كلمته الشهيرة: «لننسَ الماضي ونبدأ من اليوم»، ومَدّ يدَيه إلى مَن اضطهده واضطهد شعبه، معتبراً أنّ الأولوية هي بناء وازدهار البلد. ومَوقفه ذلك جعل من جنوب إفريقيا بلداً مستقراً، موفّراً على البلاد مآسيَ كثيرة كانت لو حصلت دمّرت الجميع.
خطوة المعارضة السورية بنبذ الثأر تستحق الثناء والبناء عليها للحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وتضمَن تعاون جميع الأطراف السورية لتحويل سوريا إلى دولة ديموقراطية منفتحة، ذات اقتصاد مزدهر، فالبلد يملك الكثير من المقدّرات التي تؤهله إلى أن يكون من بين الاقتصادات القوية.
ونتمنّى أن يستمر هذا النهج المنفتح لتجنّب الوقوع في اقتتالات طائفية تجلب الخراب على الجميع.
أمّا بعد! ألا يجب أن نتعلّم في لبنان القليل من خطوة فصائل المعارضة السورية ومن مقولة مانديلا، في ما خَصّ نبذ الأحقاد والانفتاح على الآخر، وفتح صفحة جديدة.
فمَن يراقب الساحة الداخلية اليوم، يرى أنّنا لم نتمكن من تخطّي الماضي، وما زلنا ندور في حلقة تخوين الآخر وتسجيل نقاط، وما زلنا ننتظر أي تغيّر إقليمي أو خسارة مِحوَر، لنتشفّى ببعضنا البعض ونسجّل انتصارات على بعضنا البعض.
فلنتعلّم مِمَّن يُريد اليوم فتح صفحة جديدة على رغم من سنوات دموية مليئة بالفظائع والكثير من العداوات، فأين نحن من ذلك؟
لقد فشلنا حتى الآن في التوافق على أبسط الأمور، ولم نخرج من الأحقاد الطائفية ولم نُسقط المتاريس! ألَم يَحن الوقت بعد كل ما مَرّ فيه الشعب اللبناني من تجارب مريرة أن نمُدّ أيدينا نحو بعضنا البعض ونُنقذ بلدنا من تغيّرات إقليمية كثيرة، ونجعل الأولوية سلامة لبنان واقتصاده ومصلحة أبنائه؟ عسى أن نتعلّم من التاريخ ومن تجاربنا المريرة الكثيرة.
ولفتنا بيان أصدرته القيادة العامة للفصائل المسلّحة السورية، عن الأنباء المتداولة بشأن وجود سجون مخفية أو تحت الأرض في سوريا، ووصفت هذه الأخبار بأنّها «زائفة».
وأضافت القيادة في بيانها: «نرجو عدم الإنجرار وراء الأخبار الزائفة التي تتحدّث عن وجود سجون تحت الأرض أو سجون مخفية، لأنّ الشفافية هي منهجنا، ونعمل على طَي صفحة الماضي لبناء مستقبل أفضل».
رائعة عبارة «أنّ الشفافية هي منهجنا»، ونشجّع على اعتمادها في كل مفاصل بناء الدولة السورية الحديثة. فنحن نعمل منذ سنوات لتتحوّل الشفافية إلى منهج الدولة اللبنانية، على أمل أن تتحقق في القريب العاجل، لننقل اقتصادنا من التعتير إلى الإزدهار.