ما كاد العدوان الإسرائيلي على لبنان ينتهي بموجب اتفاق وقف إطلاق النار الذي لا يزال في مرحلة «الروداج»، حتى وقع فوراً على حدوده «الزلزال» السوري الذي قد تنتج منه هزّات ارتدادية لاحقة، يُفترض الاحتساب المسبق لها.
رمن البديهي ان يكون لبنان من بين أكثر المعرّضين للتأثر، سلباً ام إيجاباً، بالتحول التاريخي الذي حصل في سوريا مع سقوط نظام الرئيس بشار الأسد وتولّي فصائل المعارضة زمام الأمور، وذلك بحكم دينامية التاريخ والجغرافيا التي تضع الدولتين على فالق جيو ـ سياسي واحد.
وإذا كانت المفاعيل السياسية المحتملة للحدث السوري على مسار الوضع اللبناني ستحتاج إلى بعض الوقت حتى تتضح طبيعتها وأبعادها، فإنّ المفاعيل الأمنية ربما تكون أسرع وأخطر، في ظل خشية البعض من أن تحاول مجموعات متطرفة من المعارضة المسلحة التمدّد نحو مناطق لبنانية حدودية، او ان يؤدي صخب الانقلاب في الواقع السوري إلى إيقاظ بعض «الخلايا النائمة» في لبنان وانتعاشها مجدداً. وتحسباً لأي احتمال من هذا النوع، بادر الجيش اللبناني إلى تعزيز انتشاره على الحدود الشمالية والشرقية مع سوريا، حيث عُلم انّه تمّ إرسال الفوج المجوقل الى أقصى البقاع معززاً براجمات صواريخ، فيما نُقلت وحدات مغاوير البحر، وهي كناية عن قوات خاصة إلى عكار، علماً انّ هناك أربعة أفواج حدودية موجودة في المنطقتين اصلاً ولكن تقرّر دعمها بقوة إضافية لرفع منسوب الاحتياطات الوقائية.
وضمن سياق الأمن الاستباقي، تفيد المعلومات انّ مخابرات الجيش عمدت في الأيام الأخيرة إلى تفعيل المراقبة والمتابعة لمجموعتين مريبتين في منطقتين لبنانيتين، واحدة بقاعية وأخرى شمالية، أنما من دون أن ترصد حتى الآن مؤشراً واضحاً إلى عزمهما على تنفيذ أي عمل ارهابي او تحرّك مخلّ بالأمن.
وتؤكّد مصادر رسمية واسعة الاطلاع لـ«الجمهورية»، انّ الوضع على الحدود وفي الداخل ممسوك، بفعل الإجراءات التي اتخذها الجيش والأجهزة الأمنية. لكن المصادر تلفت إلى أنّ المسؤوليات الملقاة على عاتق المؤسسة العسكرية باتت ثقيلة بحكم تفعيل حضوره على الحدود مع سوريا من جهة وفي الجنوب من جهة أخرى، إلى جانب المهمات الأخرى التي يؤديها في الداخل لتثبيت الاستقرار وحماية السلم الأهلي. وتشير المصادر إلى أنّ المطلوب من قوى الأمن الداخلي والأجهزة الأخرى تزخيم دورها في الداخل لتخفيف الأعباء عن الجيش حتى لا يتعّرض إلى الإنهاك.
وتوضح المصادر، انّ التدابير الاحترازية المتخذة هي ضرورية، بغية إقفال اي ثغرة أمنية ومنع كل محاولة لاستغلال التغييرات في سوريا من أجل إحداث فوضى او توترات في لبنان، الّا انّها استبعدت في الوقت نفسه حصول عمليات إرهابية، كتلك التي نُفّذت خلال المرحلة الأولى من النزاع السوري، في اعتبار أنّ الظروف اختلفت عمّا كانت عليه، ومجموعات المعارضة السورية حققت هدفها المركزي المتمثل في إسقاط النظام السوري، وبالتالي لم يعد هناك من مبرر لافتعال مواجهة جانبية في الساحة اللبنانية.
كذلك تلفت المصادر الرسمية الواسعة الاطلاع، إلى أنّ الرعاة الإقليميين للمعارضة السورية ليست لديهم مصلحة في توتير الوضع اللبناني بل همّهم الآن هو تثبيت السلطة الجديدة في دمشق. وتشدّد المصادر على أنّ نمط الإدارة الداخلية للمرحلة المقبلة وملفاتها سيشكّل عاملاً اساسياً في تحديد وجهة المستقبل، آملة في أن يرتقي سلوك القوى السياسية إلى مستوى التحدّيات التي فرضتها الحرب الإسرائيلية على لبنان من جهة والمتغيّرات الجذرية في الجوار السوري من جهة أخرى.