تستمر فصائل المتمرّدين في شمال سوريا في التقدّم، فبعد سيطرتها على محافظتَي حلب وإدلب، دخلت حماة بعد انسحاب قوات النظام منها، وباتت على مشارف مدينة حمص في الشمال، وسط قصف جوّي روسي.
بعد التقدّم في حماة ودخول فصائل «هيئة تحرير الشام» إلى كثير من النقاط الرئيسة فيها، ستحاول السيطرة على المحافظة كلّها، قبل التقدّم إلى حمص المحاذية بريفها إلى الحدود اللبنانية من البقاع (الهرمل)، ممّا سيرسم خريطة جديدة لسوريا، إذ ستنفصل مناطق الوسط التي تُسَيطر عليها قوات النظام عن الساحل الغربي حيث تقع اللاذقية وطرطوس، وتتمركز فيهما القوات الروسية الموالية للأسد.
وتضمّ قوات «هيئة تحرير الشام» المتمرّدة بعض فصائل المعارضة السابقة، إلى جانب بعد التنظيمات الإسلامية المتشدّدة المدعومة من تركيا أو التي تدّعي الانشقاق عن تنظيم «القاعدة» الإرهابي.
ويرأس أبو محمد الجولاني الهيئة المتمرّدة، وهو الذي أسّس تنظيم «جبهة النصرة» الإرهابي الذي اختطف وتنظيم «داعش» الإرهابي جنوداً لبنانيّين وهزمهم الجيش اللبناني في معركة «فجر الجرود».
ويسوّق الجولاني نفسه كإسلامي ديبلوماسي غير معادٍ للغرب من خلال زعمه محاربة «داعش» وانشقاقه عن القاعدة، لكن مع الحفاظ على مبادئ إرساء «حكم الشريعة الإسلامية» في سوريا.
ومن ضمن تلك الفصائل المتشدّدة تبرز «كتائب نور الدين زنكي»، وهي جماعة إسلامية متشدّدة تأسّست عام 2011 وتلقّت دعماً تركياً سخياً، فسيطرت على حلب بين عامَي 2014 و2015. بالإضافة إلى «حركة أحرار الشام» الأصولية المتشدّدة التي تدّعي الاستقلالية عن تنظيم «القاعدة» وعن «الجيش السوري الحرّ» المعارض. علماً أنّها تهدف إلى بناء «دولة إسلامية، السيادة فيها لشرع الله وحده» بعيداً من الشعارات الوطنية والثورة السورية.
أمّا من بين الفصائل المعارضة السابقة، فتنضوي «هيئة تحرير الشام» على «الجبهة الوطنية للتحرير» التي تشكّلت من 11 فصيلاً تابعاً لـ«الجيش الحر» السابق المعارض في إدلب، ويُقدَّر عديدها بنحو 30 ألف مسلّح، بالإضافة إلى وجود «الجيش الوطني السوري» الذي شكّلته تركيا وسلّحته ودرّبته، وسيطرت من خلاله على ريف إدلب الشمالي. علماً أنّه يتبنّى خطاباً شبه معتدل مع التركيز على الأجندة التركية التوسّعية في شمال سوريا. فيما أنّ «جيش العزة» الضعيف عديداً، لكن الأكثر تدريباً، يتوقع أن يكون له دور أساسي في حماة، بما أنّه يضمّ المنشقّين عن الجيش السوري الحكومي.
مخاوف وترقّب لبناني
تترقّب الأوساط العسكرية اللبنانية بحذر شديد تقدّم الفصائل المتطرّفة في شمال سوريا، إذ تُعدّ مدينة حمص آخر المعاقل التابعة للحكومة السورية قبل وصول المتطرّفين إلى الحدود اللبنانية.
وتشير مصادر أمنية لبنانية لـ»الجمهورية» إلى أنّ الجيش على أتمّ الاستعداد لدرء أي خطر على الحدود اللبنانية ومنع تسلّل أي جهاديّين أو إرهابيّين لإشغال الشارع اللبناني بخطر الإرهاب مرّة جديدة أو حتى من خلال إيقاظ خلايا نائمة خصوصاً في شمال لبنان (طرابلس وعكار).
وتؤكّد المصادر الأمنية التي رفضت الكشف عن هويّتها، أنّ الجيش سيعزّز من انتشاره على الحدود الشمالية والبقاعية لمنع تكرار عمليات التسلّل إلى الجرود في الهرمل أو في عكار (منطقة وادي خالد-القبيات).
وما هي إلّا ساعات حتى أعلن الجيش اللبناني في بيانٍ رسمي عن تعزيز قوّاته في عكار، تزامناً مع التراجع السريع لقوات النظام السوري ووصول الفصائل المدعومة من تركيا إلى مشارف حمص.
كما يشدّد الجيش، بحسب المعلومات، على تطبيق مذكّرات التوقيف الصادرة بحق مطلوبين في مختلف المناطق اللبنانية حفاظاً على الأمن، وآخرها كان في منطقة الفوّار في قضاء زغرتا، حيث تمّ توقيف أكثر من 30 شخصاً إثر اشتباكات حاولت منع الجيش من توقيف مطلوبَين.
ويرفض المصدر الأمني التعليق على الإجراءات التي اتخذها أو يَنوي الجيش اتخاذها لتطبيق وقف تهريب السلاح في الشمال وعكار، خصوصاً عبر مرفأ طرابلس ومنطقة الميناء، حيث سبق توقيف أكثر من شحنة أسلحة قادمة من تركيا خلال هذا العام.
وتُعدّ تركيا المصدر الرئيسي لتهريب السلاح إلى مناطق الشمال في لبنان، وتتنوّع الأسلحة من مسدّسات تركية إلى بنادق حربية وقاذفات RPG، مع ذخائرها.
تزامناً مع تقدّم فصائل «هيئة تحرير الشام» في جنوب غرب سوريا، وتحديداً في القنيطرة، يعمل الجيش على تعزيز انتشاره في راشيا وعلى الحدود، للحؤول دون أي عمليات تسلّل، على رغم من أنّ الفصائل لم تعلن عن أي نيّة مباشرة للتوجّه إلى لبنان، وأنّ عملياتها هي فقط «لإسقاط النظام» في دمشق.