مع تحدّي الأسد تتضاءل احتمالات قطع علاقات سوريا بإيران
مع تحدّي الأسد تتضاءل احتمالات قطع علاقات سوريا بإيران
إيريكا سولومون، رونين بيرجمان، وآدم راسغون- نيويورك تايمز
Thursday, 05-Dec-2024 06:29

بينما كانت إسرائيل تقصف سوريا، أفاد مسؤولون بأنّ الولايات المتحدة ودول الخليج كانوا يعملون على إضعاف تحالف رئيسها مع طهران. إلّا أنّ التقدّم المفاجئ للمتمرّدين خفّف من تلك الآمال.

على مدى أشهر، تعرّضت سوريا إلى ضربات إسرائيلية متزايدة، وفي الكواليس، كانت الولايات المتحدة ودول الخليج تحاول استمالتها ديبلوماسياً. كانت تلك مقاربة سرّية ذات شقَّين تهدف إلى الضغط على الرئيس بشار الأسد للتخلّي عن أهم تحالف إقليمي له مع «حزب الله» وإيران.

كانت هذه المحاولات تجاه الأسد نتيجة ما اعتبرته إسرائيل وحلفاؤها فرصة نادرة لكن محفوفة بالمخاطر. ومع شبكة إيران الإقليمية التي كانت تتعرّض إلى التصدّعات بفعل الهجمات الإسرائيلية، كانت هناك آمال في إجبار أهم شريك لإيران على الخروج من التحالف، وفقاً لمسؤولين أميركيّين سابقين، وديبلوماسيَّين أوروبيَّين اثنَين، وأربعة مسؤولين إسرائيليّين تحدّثوا بشرط عدم الكشف عن هويّتهم بسبب حساسية الموضوع.

الآن، قد تكون تلك الطموحات الإقليمية معرّضة إلى الخطر بفعل قوة أصغر كانت مستبعدة لفترة طويلة: المتمرّدون الناهضون من جديد، الذين شنّوا هجوماً مفاجئاً ناجحاً في سوريا، مستغلّين جزئياً الضغوط التي فرضتها إسرائيل على التحالف الذي ساعد الأسد في الحفاظ على السلطة خلال أكثر من عقد من الانتفاضة والحرب الأهلية.

خلال أيام قليلة، استولى المتمرّدون على معظم مدينة حلب الكبرى، وهدّدوا قبضة الأسد على شمال غرب البلاد.

على رغم من ضعف شركائه التقليديّين، يتوقع خبراء وديبلوماسيّون إقليميّون أنّ الأسد سيكون الآن أقل مَيلاً للتخلّي عن إيران وحلفائها، الذين يظلّون أفضل خيار له في الكفاح مرّة أخرى من أجل بقاء نظامه.

تحتل سوريا موقعاً مركزياً في صراعات القوى الإقليمية اليوم بسبب الممر البري الحيَوي الذي توفّره لإيران وصولاً إلى «حزب الله»، أهم حلفائها الإقليميّين في لبنان. ويُعتبر قطع هذا الطريق الحيَوي للأسلحة والإمدادات والأفراد أمراً حاسماً لإسرائيل، والدفاع عنه بالقدر عينه من الأهمية لإيران.

كانت إسرائيل، بدعم من الولايات المتحدة، حريصة على استغلال حملتها ضدّ «حماس» بعد هجمات 7 تشرين الأول 2023.

بعد أن قتلت إسرائيل قادة رئيسيّين من «حزب الله» و»حماس» واستنزفت مخزون أسلحتهما، ظهرت مؤشرات على أنّ نهج إسرائيل كان ناجحاً. فقد خفّفت إيران من خطابها العدائي تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل، وأرسلت إشارات بأنّها تريد تقليل المواجهات.

كما أنّ روسيا، الحليف الأساسي الآخر للأسد، كانت مشغولة بأوكرانيا، ممّا شجّع إسرائيل وحلفاءها الإقليميّين على الضغط على موسكو والأسد لإعادة النظر في تحالفهما.

لكنّ الهجوم على حلب حفّز إيران وروسيا على إصدار تعهّدات جديدة لمساعدة الأسد، ما يشير إلى أنّ التحالف سيتحدّى محاولات تفكيكه.

التعليق على جهود الضغط الديبلوماسي

أوضح أندرو تابلر، الزميل البارز في معهد واشنطن والمسؤول السابق في البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية، أنّ الجهود الإقليمية الطويلة الأمد التي تهدف إلى إجبار الأسد تدريجاً على التحوّل، تبدو الآن غير مرجّحة من دون أن يُظهر استعداداً لـ»القطع التام مع إيران. كيف يمكنه أن يفعل ذلك في ظل الظروف الحالية؟ إيران أصبحت الآن أكثر أهمية من أي وقت مضى لبقائه في السلطة».

العمليات الإسرائيلية في سوريا

قبل تقدّم المتمرّدين، صعّدت إسرائيل هجماتها على سوريا على مدى أسابيع، مستهدفةً أماكن من العاصمة إلى مدينة تدمر الصحراوية القديمة، في عمليات أعلنت إنّها استهدفت إيران و»حزب الله» وحلفاءهما.

وشنّ الكوماندوز الإسرائيلي غارات على مواقع عسكرية سرّية، كان الهدف منها، وفقاً لأحد المسؤولين الإسرائيليّين الكبار، إظهار أنّ إسرائيل لن تتسامح مع أي تهريب إضافي للأسلحة من سوريا إلى لبنان.

لكنّ هذا النهج كان يعاني من خلل كبير، وفقاً للمحلّلين. فعلى رغم من عملياتها المكثفة، لم تتمكن إسرائيل من إغلاق خط الإمداد بين إيران و»حزب الله»، الذي يمتد عبر مئات الأميال من الحدود المليئة بالثغرات والأنفاق السرّية وشبكات التهريب والجماعات المسلحة.

وأوضح هايد هايد، الزميل في تشاتام هاوس في لندن والمتخصص في الشأن السوري: «لا يمكنهم هزيمة الإيرانيّين في سوريا بمجرّد شنّ غارات جوية. يمكن للإسرائيليّين أن يلحقوا أضراراً. يمكنهم تقليل التدفّقات. يمكنهم جعل الأمور أكثر صعوبة. لكن لا يمكنهم إيقافها تماماً، وهم يعلمون ذلك».

المساعي الديبلوماسية الخليجية

لهذا السبب، كانت الحملة العسكرية الإسرائيلية مدعومة بجهود ديبلوماسية، توسطت فيها واشنطن وقادة عرب خليجيّون حريصون أيضاً على تقويض النفوذ الإيراني في المنطقة. وشارك ثمانية ديبلوماسيّين ومسؤولين غربيّين وإقليميّين حاليّين وسابقين تفاصيل بشأن مقترحات مختلفة قُدّمت إلى سوريا.

ركّز الوسطاء على وعود بالمساعدات الاقتصادية من الخليج، وسحب مئات الجنود الأميركيّين المنتشرين في شمال شرق سوريا منذ عام 2014.

كما طُرحت خطط لرفع أو تقليص العقوبات الأميركية الشديدة على النظام السوري، على رغم من أنّ إلغاء بعض العقوبات يتطلّب تصويتاً في الكونغرس الأميركي، وقد فشلت محاولات سابقة لإقناع أعضاء مجلس الشيوخ بالتخلّي عن التشريعات الثنائية في هذا الشأن.

وأوضح مالك العبد، مؤسس شركة استشارات Conflict Media Solutions والوسيط طويل الأمد في سوريا: «قدّموا عروضاً للأسد: حليفك إيران يضعف، لذا دعنا نتدخّل. لكنّ دفع الأسد للقيام بذلك سيتطلّب تحوّلاً أكثر دراماتيكية في ميزان القوى».

التحدّيات الداخلية والتدخّلات الخارجية

يُحذّر الديبلوماسيّون والخبراء من أنّ استمرار القصف الإسرائيلي في محاولة لإبعاد الأسد عن إيران، في وقت يواجه فيه تمرّداً متجدّداً، يُنذر بتصعيد العنف الذي قد يؤدّي إلى فوضى تتجاوز سوريا.

الآن، سوريا منقسمة إقليمياً بين الأسد والمسلّحين الإسلاميّين والمجموعات الكردية المدعومة أميركياً والمتمرّدين المدعومين تركياً. زعزعة هذا التوازن الهش قد تشجّع جماعات أخرى على مهاجمة مناطق خاضعة إلى سيطرة الأسد، ما قد يؤدّي إلى إحياء الحرب الأهلية ونزوح جديد للاجئين أو عودة ظهور الجماعات الجهادية، على غرار صعود تنظيم الدولة الإسلامية عام 2014.

استمرار الفوضى الإقليمية وتعقيد الحسابات الدولية

تحتاج إسرائيل إلى حكومة مركزية قوية في سوريا لتنفيذ خطتها للضغط على الأسد وقطع طرق الإمداد من إيران إلى لبنان، وفقاً لما ذكره اثنان من المسؤولين الإسرائيليّين.

مع ذلك، وعلى رغم من استمرار الجهود التي تبذلها إسرائيل والولايات المتحدة، فإنّ فُرَص نجاح هذه الخطة تبدو قد تضاءلت أكثر من أي وقت مضى، وفقاً لما أشار إليه المسؤولون.

كما كانت إسرائيل تضغط للحصول على دعم من موسكو، التي تُعتبَر ربما الحليف العسكري الأكثر أهمية للأسد. ويُعدّ الأسد بدوره ضرورياً لروسيا لأنّه يوفر لها منفذاً بحرياً على الساحل السوري يمكنها من تشغيل ميناء المياه الدافئة.

أشارت موسكو إلى استعدادها للحَدّ من النفوذ الإيراني، وفقاً لديبلوماسيَّين أوروبيَّين، من خلال زيادة الدوريات في جنوب سوريا قرب الحدود الإسرائيلية، بدعوى منع الجماعات المدعومة من إيران من العمل هناك. لكنّ معظم الخبراء الإقليميّين رأوا في ذلك جهداً غير مثمر: فالقوات الموالية لإيران ما زالت تعمل على طول الحدود الجنوبية لسوريا.

تتمتع العلاقة بين روسيا وإيران بتعقيد خاص، إذ تتنافسان على الموارد في سوريا، لكنّ روسيا تعتمد أيضاً على إيران لتكنولوجيا الطائرات المسيّرة منخفضة التكلفة في حربها في أوكرانيا، وللدعم العسكري في العمليات التي تهدف إلى دعم الأسد. ومع تجدّد ضغط المتمرّدين على الأسد، يصبح هذا الدور أكثر أهمية.

ويؤكّد مالك العبد أنّ «روسيا تدرك أنّه من دون وجود قوات إيرانية على الأرض، سيتعيّن عليها توفير تلك القوات بنفسها».

التشابك المالي والعسكري مع إيران

يعتمد الأسد على إيران و»حزب الله» ليس فقط عسكرياً، بل مالياً أيضاً. فالنفط الذي توفّره إيران لسوريا، في تحدٍّ للعقوبات الدولية، لا يدعم فقط الاقتصاد الرسمي، بل يغذّي أيضاً شبكات السوق السوداء التي يستفيد منها العديد من شخصيات النظام، وفقاً للخبراء الإقليميّين.

كما أنّ العديد من القادة العسكريّين والميليشيات الموالية للأسد منخرطون بعمق في إنتاج عقار الكبتاغون، وهو تجارة مخدّرات مزدهرة تُسهّلها شبكات مرتبطة بـ»حزب الله» والجماعات المدعومة من إيران.

وأشار ديبلوماسيّون إلى أنّ هذه الشبكات السرّية وغير القانونية تجعل من الصعب على الدول العربية الخليجية إغراء حكومة الأسد بالمساعدات أو أموال إعادة الإعمار.

حتى لو أراد الأسد محاولة فَكّ ارتباطه بهذه الشبكات الأمنية وشبكات المحسوبية، فقد يكون غير قادر على ذلك. ويرى إميل هوكاييم، مدير شؤون الأمن الإقليمي في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية: «ربما لا يعرف الأسد جيداً مَن في دائرته الأولى والثانية يَقع في جيوب إيران أو الروس. هذا أحد الجوانب التي لا نفهمها تماماً: مدى القوة الإكراهية التي تمتلكها إيران داخل هذه الهياكل. إيران لا تزال متجذّرة في الكثير من الوكالات الأمنية والميليشيات، ويمكنها تهديد النظام من الداخل».

الطريق المسدود أمام التحوّلات السياسية

في ظل الظروف الحالية، يبدو أنّ أي تغيير جوهري في تحالفات الأسد الإقليمية يظل مستبعداً. فما زالت إيران تمتلك نفوذاً عسكرياً واقتصادياً وأمنياً عميقاً في سوريا، بالإضافة إلى روابطها مع الحلفاء المحليّين مثل «حزب الله». وعلى رغم من الضغوط الإسرائيلية والخليجية والدولية، يظل الأسد رهيناً لهذه التحالفات لضمان بقائه.

مع تصاعد التوترات على الأرض والضغوط الإقليمية، فإنّ مستقبل سوريا يبدو أكثر تعقيداً، إذ يبقى الأسد عالقاً بين الحاجة إلى الدعم الإيراني ومطالب اللاعبين الدوليّين بالتغيير.

theme::common.loader_icon