بات الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين ليلته في بيروت، متابعاً بعض النصوص والامور التقنية المتعلقة بمشروع الحل لوقف العدوان الاسرائيلي على لبنان، مع مستشار رئيس المجلس النيابي علي حمدان وآخرين، ومتواصلاً مع تل ابيب التي سينتقل اليها اليوم، لتكون عودته منها او عدمها مؤشراً إلى ما سيكون عليه الموقف الإسرائيلي منه، وبالتالي على مصير الحل نجاحاً او فشلاً. وقد اكّد هوكشتاين انّ محادثاته مع الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي بأنّها «كانت بنّاءة»، مؤكّداً انّ «الحل اصبح قريباً من أيدينا»، و»اننا امام فرصة حقيقية للوصول إلى نهاية للنزاع».
من الواضح انّ لبنان أدّى ما يتوجب عليه لإنجاح مساعي وقف إطلاق النار، عبر تلقفه المقترح الأميركي بمرونة وإيجابية، مع إبداء ملاحظات مشروعة ومبرّرة لضمان آلية تطبيق القرار 1701 بنحو لا يتعارض مع مقتضيات السيادة.
وبهذا السلوك البراغماتي للدولة والمقاومة، نجح المفاوض اللبناني في إعادة الكرة إلى الملعب الإسرائيلي، وفي عدم إعطاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ذريعة لتحميل الطرف الآخر مسؤولية إحباط المسعى الأميركي.
ولعل مجرد مجيء هوكشتاين إلى بيروت كان في حدّ ذاته مؤشراً إلى تسجيل تقدّم على المسار اللبناني من المفاوضات، ثم أتت تصريحاته بعد لقائه الرئيس نبيه بري لتعزز الانطباع بأنّ هناك فرصة لإنهاء الحرب، وبأنّ لبنان لاقى الحراك الأميركي في منتصف الطريق وبادر الى تأمين شروط نجاحه.
من هنا، قالت أوساط مواكِبة للمسار الديبلوماسي لـ«الجمهورية»، انّ مصير الوساطة الأميركية بات الآن رهناً بطبيعة الموقف الاسرائيلي حيال ما تمّ التوصل اليه بين هوكشتاين وبري المفوض من «حزب الله»، مشيرة إلى انّ التعاطي اللبناني المرن مع الورقة المقترحة سيشكّل اختباراً لحقيقة النيات الإسرائيلية، وسيكشف ما إذا كانت تل أبيب مستعدة حقا لإنهاء العدوان.
ولفتت هذه الاوساط إلى «انّ الحذر يبقى ضرورياً في انتظار تبيان فحوى الردّ الاسرائيلي»، مشدّدة على «وجوب الأخذ في الحسبان انّ نتنياهو قد يلجأ إلى المراوغة والمناورة للتملّص من الموافقة على وقف اطلاق النار في هذا التوقيت، تماماً كما فعل في قطاع غزة، حين كان يعمد إلى اللف والدوران كلما كانت جولات التفاوض تقترب من تحقيق نتيجة إيجابية».
واكّدت الاوساط انّ «الميدان يبقى الضمان الوحيد لإقناع قيادة الكيان الإسرائيلي بوقف إطلاق النار ولو بعد حين، إذا كانت ستجهض الفرصة الحالية بسبب تعنتها ومكابرتها».
تأجيل كلمة قاسم
وإلى ذلك، أوحى تأجيل الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم كلمته التي كانت مقرّرة بعد ظهر أمس، بأنّ «الحزب» في صدد جولة مشاورات حساسة حول الطروحات التي خرج بها اجتماع بري وهوكشتاين. وقالت مصادر سياسية لـ«الجمهورية»، إنّ هذه المشاورات ستشمل حتماً الحليف الإيراني الذي يواكب من كثب حركة هوكشتاين وما سينتج منها. وقد أوفد إلى بيروت قبل أيام كبير مستشاري المرشد الايراني علي لاريجاني لمواكبة الحراك السياسي الجاري ميدانياً.
واضافت المصادر، أنّ هوكشتاين تريث في الانتقال سريعاً إلى إسرائيل بعد ظهر أمس، بعد لقاءاته مع بري وميقاتي وقائد الجيش العماد جوزف عون، لأنّه أراد قبل ذلك أن يتبلّغ الموقف الدقيق والنهائي من جانب «الحزب». وعلى الأرجح، هو يأمل أن يحصل عليه لاحقاً في لقاء ثانٍ تردّد أنّ هوكشتاين سيعقده مع فريق عمل رئيس المجلس، كي تأتي الأجوبة التي سيحملها إلى إسرائيل واضحة وثابتة.
وبناءً على هذه الوقائع، رأت المصادر أنّ جولة المفاوضات الحالية التي يقودها هوكشتاين ستكون حاسمة في مسار الحرب الدائرة، فإما أن تتوصل إلى ابتكار صيغة ترضي جميع القوى المعنية وإما أن تدخل الحرب في مراحل أكثر دموية وتدميراً. وفي هذا السياق، تعتبر المصادر أنّ الغارة الإسرائيلية على محلة زقاق البلاط في قلب بيروت أمس الاول كانت من المؤشرات المثيرة للقلق.
وفي السياق، لفتت مصادر اطلعت على تفاصيل ما جرى مع هوكشتاين لـ«الجمهورية» ليل أمس، انّ التشكيك بمهمّته في تل أبيب مردّه إلى أنّه من المحتمل ان يكشف نتنياهو عن شروط جديدة، إن لم يكن مستعداً للتهدئة على الجبهة الجنوبية منعاً لإعطاء أي مكسب للرئيس الاميركي الحالي جو بايدن. لكن ذلك قد يكون صعباً هذه المرّة، إن صح الحديث عن حصول توافق تام بين بايدن وخلفه دونالد ترامب على المخارج التي تريدها واشنطن للوضع في جنوب لبنان لمصلحة جميع الأطراف. وعندها لن يكون هناك داعٍ لانتظار دخول ترامب إلى البيت الابيض للحديث عن التهدئة، فهو قادر على تحقيق الإنجازات قبل دخوله المكتب البيضاوي.
مزايدات إسرائيلية
وفي الإطار عينه، لفتت مراجع ديبلوماسية عبر الـ«الجمهورية» إلى قلق متزايد من موجة مزايدات اسرائيلية بين أعضاء حكومة نتنياهو، الذين يستعدون من اليوم للانتخابات المقبلة منتصف السنة الجديدة، وقد وجدوا في ما يجري في غزة ولبنان مناسبة لتسجيل مواقف مسبقة. ومن مظاهر هذه الحالات المؤذية لعملية السلام في غزة ولبنان، ما نُقل أمس عن وزير الشتات الإسرائيلي عميحاي شيكل الذي يفيض تشدّداً عن رفاقه «أنّ اي اتفاق لإنهاء الحرب على لبنان يجب أن يتضمن إلغاء اتفاق ترسيم الحدود البحرية». مضيفاً: «كما يجب أن يتضمن طرد قوات «اليونيفيل» من جنوب لبنان بعدما ثبت أنّها «فشلت في مهمتها».
وانتهت هذه المصادر إلى القول، انّ وزير الشتات الذي لم يُسمع له صوت من قبل في الحوار داخل الحكومة بين المتشددين والحمائم، يسبق بكثير طروحات وزير الطاقة الذي كان يطالب بإلغاء الاتفاق البحري مع لبنان، قبل ان يُقال له انّ مثل هذا التفاهم يحظى بالرعاية الاميركية، وانّ الوثائق المتبادلة سُجّلت وأودعت لدى دوائر الأمم المتحدة المعنية بالحدود البحرية بين المناطق الاقتصادية الخالصة بين أي دولتين.
ونقلت قناة «الحدث» عن «مصادر ديبلوماسية» قولها إنّ «ما اتفق عليه بري وهوكشتاين «جيد» شرط أن يوافق عليه نتنياهو». واضافت: «بري يقول إنّ الميدان العسكري يُترك لأصحابه». ونقلت عنه قوله: «الميدان السياسي لنا». ولفتت إلى أنّ «هوكشتاين تلقّى إشارات من ترامب تساعده في مهمّته ببيروت وتل أبيب». وختمت: «هذه المحاولة الأخيرة لهوكشتاين في مهمّته بين بيروت وتل أبيب».
الموقف الأميركي
وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية، امس، عن تحقيق تقدّم في جهود التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان، لكنها أكّدت أنّ تحديد موعد الوصول إلى اتفاق لا يزال غير ممكن. وأشارت إلى أنّ الولايات المتحدة ستواصل العمل مع الأطراف المعنية لتحقيق وقف دائم لإطلاق النار في لبنان، مع ضمان عودة السكان على جانبي الحدود. وأكّدت أنّ الاتفاق قابل للتحقيق، لكنه يتطلّب تعاونًا من كلا الجانبين. كما شدّدت على أهمية تطبيق القرار الأممي 1701 بكامله، الذي يهدف إلى الحفاظ على الاستقرار في المنطقة.
«الحل قريب»
وكان هوكشتاين ناقش في لقاءاته مع بري وميقاتي مقترح وقف اطلاق النار، وقال انّ «أمامنا فرصة حقيقية للوصول إلى نهاية النزاع». واكّد بعد اللقاء مع بري الذي دام نحو ساعتين في حضور السفيرة الأميركية ليزا جونسون والمستشار الإعلامي لرئيس المجلس النيابي علي حمدان: «لقد أجريت الآن لقاء مع الرئيس بري، استمرينا في تضييق الفراغات اليوم أيضاً، والإجتماع كان بنّاءً للغاية ومفيداً للغاية، وعدت لأنّه أمامنا فرصة حقيقية للوصول الى نهاية هذا النزاع، وهذه هي لحظة إتخاذ القرارات، وأنا في بيروت لتسهيل إتخاذ هذا القرار. لكن القرار يبقى قرار الأفرقاء، للوصول الى حل لهذا النزاع، والآن أصبح هذا الحل قريباً من أيدينا، والنافذة مفتوحة الآن، وآمل أنّ الأيام القريبة والمقبلة ستصل الى حل».
وختم قائلاً للصحافيين: «لن آخذ أي أسئلة اليوم، لأنني لا أريد أن أقوم بالتفاوض بالعلن، وأنا ممتن للنقاش البنّاء مع الرئيس بري، وأجرينا أيضاً لقاءً بنّاءً مع رئيس مجلس الوزراء ومع غيره، وأنا ملتزم للقيام بكل ما بوسعي للعمل هنا مع الحكومة في لبنان وفي اسرائيل، للوصول الى حل لهذا النزاع وهذه الأزمة، وسأكرّر ما قلته: لقد أجرينا نقاشات مفيدة للغاية لتضييق الفوارق والفراغات الموجودة منذ أسابيع، وسأستمر في القيام بذلك، وأعتذر ولكن لن آخذ أي سؤال».
ميقاتي وأولوية الحكومة
ومن جهته ميقاتي الذي التقى هوكشتاين بعد ظهر امس في دارته، في حضور وزير الخارجية عبدالله بو حبيب والسفيرة الاميركية، جدّد التأكيد «أنّ الأولوية لدى الحكومة هي وقف اطلاق النار والعدوان على لبنان وحفظ السيادة اللبنانية على الاراضي اللبنانية كافة، وكل ما يحقق هذا الهدف له الاولوية». وأشار إلى «انّ الهمّ الأساس لدى الحكومة هو عودة النازحين سريعاً إلى قراهم وبلداتهم ووقف حرب الإبادة الاسرائيلية والتدمير العبثي الحاصل للبلدات اللبنانية». وشدّد على «تطبيق القرارات الدولية الواضحة، وتعزيز سلطة الجيش في الجنوب».
الموقف السعودي
في غضون ذلك، زار سفير المملكة العربية السعودية في لبنان وليد بخاري امس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، ونقل اليه «تحيات المملكة العربية السعودية»، مستذكراً «الزيارة التاريخية لصاحب الغبطة الى المملكة التي كانت مبادرة خير لا تزال نتائجها فاعلة حتى اليوم». ووضعه في «أجواء الجهود التي ما زالت تقوم بها اللجنة الخماسية». وأكّد «وقوف المملكة إلى جانب لبنان وحرصها على استقراره»، مشدّداً على «ضرورة الاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية الذي يُعتبر مدخلاً لكل الحلول». وأشاد بمواقف البطريرك «ودوره على الصعيد الداخلي وسعيه لتحقيق التقارب والوحدة الداخلية»، كذلك بنتائج القمة الروحية التي عُقدت أخيراً في بكركي»، معتبراً إياها «مبادرة مميزة على الصعيد الوطني».
... والموقف الايراني
ومن جهة ثانية، قال المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية الايرانية السيد علي خامنئي في رسالة شفوية على الموقع الرسمي له، إلى «الشعب اللبناني الصامد والمقاوم»: «نحن لسنا منفصلين عنكم. نحن معكم. نحن وأنتم واحد. اننا نتشارك معكم في آلامكم ومعاناتكم وأوجاعكم. نحن نتألم معكم ونشعر بنفس مشاعركم. ألمكم هو ألمنا، ومعاناتكم هي معاناتنا، ونحن لسنا منفصلين عنكم».
وقد وجّه الخامنئي هذه الرسالة رداً على رسالة من ميثم مطيعي الذي كان قد سافر إلى لبنان مع مجموعة من الناشطين في الفرق الجهادية ضمن حملة «إيران متضامنة»، لتوزيع «مساعدات الشعب الإيراني على الشعب اللبناني المقاوم».
في الميدان
وكانت محادثات هوكشتاين تزامنت مع استمرار الهجمات الاسرائيلية البرية والجوية على الجنوب وبعض المناطق، وسُجّلت محاولات تقدّم بري على محاور الخيام وكفرشوبا والناقورة في محاولة لتحقيق تقدّم يمكن استثماره في المفاوضات واستباقاً للموقف الذي ستبلغه تل ابيب للموفد الاميركي عندما سيزورها اليوم. في الوقت الذي قصفت المقاومة مواقع وقواعد عسكرية وجوية في جوار تل ابيب وفي حيفا ومستوطنات في منطقة الجليل.
وفي غضون ذلك اعلنت مديرية التوجيه في قيادة الجيش في بيان مساء امس، انّ «العدو الإسرائيلي استهدف مركزًا للجيش في بلدة الصرفند- الجنوب، ما أدّى إلى استشهاد 3 عسكريين هم: آدم عون، علي حرب، وأيمن رحال.
«حزب الله»
إلى ذلك أعلن «حزب الله» أنّ مقاتليه استهدفوا، بعد ظهر امس، قاعدة غليلوت الاستخباراتية (مقر وحدة الاستخبارات الإسرائيلية العسكرية 8200) والتي تبعد عن الحدود اللبنانية ـ الفلسطينية 110 كلم، في ضواحي مدينة تل أبيب؛ بصلية من الصواريخ النوعية». كذلك أعلن تنفيذ “هجوم جوي بسرب من المُسيّرات الانقضاضيّة على قاعدة بيت ليد (قاعدة عسكريّة تحوي معسكرات تدريب للواءي الناحل والمظليين) تبعد عن الحدود اللبنانية ـ الفلسطينية 90 كلم، شرق مدينة نتانيا، وأصابت أهدافها بدقّة».
واعلنت غرفة العمليات في «المقاومة الاسلامية» في بيان امس، انّ «عدد قتلى العدو الإسرائيلي منذ بدء المرحلة الثانية من العملية البرية في 12 تشرين الثاني 2024، أكثر من 18 قتيلاً و32 جريحًا (من بينهم حالات حرجة)، بالإضافة إلى تدمير 5 دبابات ميركافا وجرافة عسكرية».