أشار كل من إسرائيل و»حزب الله» إلى أنّهما يتصادمان داخل الأراضي اللبنانية بشكل أعمق. ومن شأن التصعيد في القتال أن يقوّض الجهود المبذولة للتوصّل إلى وقف لإطلاق النار.
استمر الجيش الإسرائيلي في قصفه المكثّف لمنطقة كانت مكتظة بالسكان سابقاً في ضواحي بيروت، أمس، بعدما أعلن عن معركة قواته البرية مع أهداف جديدة في جنوب لبنان، ممّا يشير إلى توسيع نطاق القتال، وهو ما قد يزيد من تعقيد جهود التوصّل إلى وقف إطلاق النار.
كانت الغارات الجوية على منطقة الضاحية، جنوب بيروت، حيث يُسيطر «حزب الله»، آخر سلسلة من القصف هذا الأسبوع. وأصدر الجيش الإسرائيلي تحذيرات جديدة للإخلاء بعد فجر أمس، وبدأت الصواريخ في الهبوط بعد فترة وجيزة، ممّا دمّر على الأقل أحد المباني السكنية العالية التي حُدِّدت في التحذيرات، وأدّى إلى تصاعد سحابة كثيفة من الغبار في الشوارع المجاورة.
لم ترد تقارير فورية عن إصابات. وكان معظم السكان قد فرّوا من الضاحية قبل أسابيع، عندما بدأ القصف الإسرائيلي. كما كانت هناك مؤشرات إلى أنّ الهجوم البري الإسرائيلي كان يتسع، وأنّ قواته كانت تتصادم مع مقاتلي «حزب الله» بشكل أعمق داخل الأراضي اللبنانية.
وكشف الجيش الإسرائيلي الخميس أنّ قواته الخاصة كانت تنفّذ عمليات برية ضدّ «عدة أهداف جديدة للعدو» في لبنان. وأفاد مسؤول أمني لبناني رفيع، طلب عدم الكشف عن هويته لمناقشة مسائل عسكرية حساسة، بأنّ القوات البرية الإسرائيلية كانت تعمل حول بلدة شمعا، التي تبعُد حوالى 3 أميال عن الحدود.
وأعلن «حزب الله» أيضاً في وقت متأخّر من الليل أنّه هاجم جنوداً إسرائيليّين قرب طير حرفا، وهي بلدة تقع جنوب شمعا وصفها بأنّها جزء من «الخط الدفاعي الثانوي» له، حيث لم تُسجّل اشتباكات سابقاً. وأمس، أعلن الحزب أنّه أطلق صواريخ على الجنود الإسرائيليّين على أطراف بلدة طلوسة، وهي بلدة أخرى لم تُسجّل فيها معارك من قبل.
من شأن توسيع الهجوم الإسرائيلي أن يقوّض الجهود الديبلوماسية الأميركية لاحتواء النزاع. وجدّدت إدارة بايدن دفعها لاحتواء القتال بعد جولات من الديبلوماسية المكّوكية خلال العام الماضي لم تحقق نجاحاً.
على رغم من أنّ قادة الجيش الإسرائيلي كانوا يأملون في البداية في إجراء عملية برية محدودة تركّز فقط على الخط الأول من القرى اللبنانية على طول الحدود الشمالية لإسرائيل، قرّروا توسيع هذا النطاق قليلاً، وفقاً لما لأمير أفيفي، الجنرال الإسرائيلي المتقاعد.
وكشف أفيفي أنّ السبب وراء ذلك هو أنّ المسؤولين العسكريّين الإسرائيليّين أدركوا أنّهم بحاجة إلى القيام بالمزيد لتطهير المنشآت العسكرية التابعة لـ»حزب الله»، وكانوا يعتقدون أنّ الهجوم الأوسع قد يُجبِر الحزب على التوصّل إلى تسوية ديبلوماسية بشروط لصالح إسرائيل.
وأضاف أفيفي: «هناك فهم بأنّه يجب تكثيف الضغط وتطهير منطقة أكبر، وهذا ما يفعلونه». لكن لم يكن هناك أي مؤشر علني على أنّ «حزب الله» أو راعيه، إيران، مستعدان للامتثال لمطالب إسرائيل، التي تشمل انسحاب الحزب من المناطق القريبة من الحدود الإسرائيلية- اللبنانية.
وعلى رغم من أنّ قادة «حزب الله» ومخزونه من الأسلحة قد تعرّضا إلى ضربات قاسية، إلّا أنّه لا يزال يُشكّل تهديداً قوياً، إذ يطلق الصواريخ والطائرات المسيّرة باتجاه إسرائيل يومياً، وقتل 6 جنود إسرائيليّين الأربعاء في جنوب لبنان.
وأعلن المسؤول الإيراني البارز علي لاريجاني، أمس، أنّه التقى مع مسؤولين لبنانيّين في بيروت لمناقشة جهود وقف إطلاق النار، بحسب ما أفادت السفارة الإيرانية في لبنان. فـ»حزب الله» هو أقوى وكلاء إيران الإقليميّين، وأي تسوية ديبلوماسية ستكون مشروطة على الأرجح بموافقة طهران.
وعند سؤاله عن تقارير تفيد بأنّ المسؤولين الأميركيّين قدّموا للحكومة اللبنانية مسودة اتفاق لوقف إطلاق النار، ردّ لاريجاني، مستشار كبير للمرشد الأعلى الإيراني، أنّ زيارته لم تكن تهدف إلى «تقويض» الجهود الديبلوماسية التي تقودها الولايات المتحدة، بحسب وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية، مضيفاً «نريد حل المشكلة».
هذا الشهر، أعلن زعيم «حزب الله»، نعيم قاسم، أنّ الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لاحتواء النزاع مع إسرائيل غير مجدية، وأنّ الطريقة الوحيدة لإنهاء الحرب هي «على أرض المعركة». ومع ذلك، لم يرفض إمكانية التفاوض على شروط مناسبة، مشيراً إلى أنّه يجب على إسرائيل أولاً أن تنهي هجومها، وحذّر «نحن مستعدّون لحرب طويلة».
تزداد تعقيد جهود وقف إطلاق النار بسبب حقيقة أنّه، حتى إذا وافق «حزب الله» على نزع سلاحه في جنوب لبنان، فإنّه من غير الواضح كيفية تنفيذ مثل هذا الاتفاق، ومَن الذي سيتولّى هذه المهمّة. كما دعا قرار الأمم المتحدة، الذي أنهى آخر نزاع كبير بين إسرائيل و»حزب الله» عام 2006، إلى نزع سلاح الحزب على طول الحدود، لكن يُعتبر هذا القرار فاشلاً.
كما أصرّت إسرائيل على أنّ أي اتفاق لوقف إطلاق النار يجب أن يحفظ حقها في مهاجمة «حزب الله» مجدّداً في حال خرق الحزب شروط الهدنة، وهو موقف يعارضه بشدّة كل من الحكومة اللبنانية و»حزب الله».
بدأت إسرائيل حملة عسكرية مكثفة ضدّ «حزب الله» في أيلول، بعد نحو عام من بدء الحزب في إطلاق الصواريخ على إسرائيل تضامناً مع «حماس» في غزة. وأدّى الهجوم الإسرائيلي إلى أزمة إنسانية في لبنان، إذ شرّدت الحملة العسكرية نحو ربع السكان، وتسبّبت في انهيار النظام الصحي في البلاد.
يوم الخميس، أعلنت الولايات المتحدة إنّها تعارض الحملة الجوية الإسرائيلية في الضاحية. وعند سؤاله في مؤتمر صحافي عن الغارات الإسرائيلية الأخيرة، ردّ المتحدث باسم وزارة الخارجية، فيدان باتيل: «لا نريد أن نرى هذه الأنواع من العمليات في بيروت، خصوصاً عندما تتعلق بمناطق ذات كثافة سكانية عالية».