رئيس الإتحاد الدولي لرجال وسيدات الأعمال اللبنانيين MIDEL وعميد كلية إدارة الأعمال في جامعة القديس يوسف USJ
يُحاول البعض مقارنة الحرب العدوانية على لبنان في العام 2006، والحرب الجارية في العام 2024، فيما هناك اختلاف هائل بين هاتَين الحربَين، اللتَين لا تتشابهان، لا بالشكل ولا بالضمون، ولا بالتقنيات، وخصوصاً أنّ لبنان 2024 لا يُشبه لبنان 2006، فيما الإقتصاد اللبناني 2024 لا يُشبه إقتصاد 2006، واللبنانيّون 2024 لا يُشبهون اللبنانيّين 2006.
لبنان في العام 2024 لا يزال يُواجه أكبر أزمة مالية ونقدية في تاريخ العالم منذ العام 2019، ولم يُبلسم جروحه بعد جرّاء إنفجار 4 آب 2020، أمّا في العام 2006 فكان لبنان يتمتع بإنماء واستثمارات وحركة سياحية تفوق المليون ونصف المليون سائح، ويستقطب الرياديِّين والمستثمرين من العالم.
في الشق الإقتصادي، لبنان في العام 2006 كان يتمتع بناتج محلي يفوق الـ50 مليار دولار، وصولاً إلى نحو 55 ملياراً في العام 2018، فيما اقتصادنا المحلي انخفض إلى نحو 18 ملياراً في العام 2023. ونتوقع إنخفاضاً إلى نحو 13 ملياراً إذا ما استمرّت الحرب. هذا يعني أنّ اقتصادنا قد تدهور وبلدنا افتقر.
على الصعيد المالي والنقدي، في العام 2006، كانت تُقدّر الودائع في المصارف التجارية بنحو 200 مليار دولار، أمّا اليوم فالودائع لا تتخطّى الـ5 مليارات دولار، وقد هُدر وسُرق القرش الأبيض المدّخر لليوم الأسود.
بالإضافة إلى ذلك، لم يَعُد لدينا قطاع مصرفي في العام 2024، لا بل تحوّلت المصارف إلى ما يُسمّى «زومبي بنك»، ليس لها حتى القدرة لتُقرض أي مبلغ، سواء للمواطنين أو للشركات.
أمّا على صعيد الضحايا والجرحى، فهنا أيضاً، المقارنة مستحيلة، ففي العام 2006، دفع لبنان ثمناً 1200 شهيد، و4 آلاف جريح، في 33 يوماً من العدوان الإسرائيلي. أمّا في العام 2024 حتى الآن، فتخطّينا الـ3 آلاف شهيد، و12 ألف جريح، ولا تزال الحرب مستمرة من دون أفق.
الجدير بالذكر، أنّ قسماً كبيراً من هؤلاء الجرحى باتوا معوّقين، وسيحتاجون ليس فقط إلى الإعانة بل إلى المساعدة الإجتماعية لتأمين حاجات العيش، لأنّهم لن يستطيعوا مزاولة أعمالهم.
أمّا في جانب النازحين، ففي العام 2006، قُدّر عددهم بـ700 ألف شخص. أمّا في العام 2024، فتخطينا المليون و400 ألف نازح، مع صعوبة جداً بالعودة إلى أراضيهم وقراهم التي دُمّرت بالكامل.
أمّا حول خسائر البنى التحتية، ففي العام 2006 قُدّرت هذه الخسائر التابعة لمؤسسات الدولة بـ3 مليارات دولار. أما اليوم حتى اللحظة فقد تخطّينا الـ12 ملياراً من خسائر البنى التحتية.
بالنسبة إلى القطاع الصناعي، في العام 2006 بلغت خسائره نحو 200 مليون دولار، فيما هذه الخسائر في العام 2024 فقد تعدّت الملياري دولار، أي 10 أضعاف خسائر العام 2006. بالإضافة إلى ذلك، ازدادت كلفة الإنتاج والتأمين والنقل، وخسر هذا القطاع ثقة زبائنه الدوليِّين.
على الصعيد الزراعي، في العام 2006 قُدّرت خسائر هذا القطاع بنحو 500 مليون دولار. أمّا اليوم حتى الساعة فقد تعاظمت هذه الخسائر بنحو 2,5 مليار دولار، أي 5 أضعاف العدوان القديم.
إنّ التكنولوجيا والذكاء الإصطناعي والأسلحة المستعملة اليوم لا تُشبه أسلحة العام 2006، فالغارات تدمّر بالكامل مباني ومجمّعات وقرى في بضع ثوانٍ، ونحن متّجهون إلى دمار شامل، وخصوصاً في أرضنا الخصبة الجنوب والبقاع.
في المحصّلة، نعيد ونشدّد على أنّ حرب 2024 لا تُشبه 2006، إذ لم يتغيّر فقط لبنان واللبنانيّون، ولم يتغيّر العالم والرؤية فحسب، بل لا شك في أنّ ما نعيشه اليوم هي استراتيجية متفق عليها إقليمياً ودولياً.
بكل موضوعية وشفافية، لقد خسرنا مقوّمات المواجهة والصمود، وخصوصاً مقوّمات إعادة الإعمار. كل يوم يمرّ سيحتاج إلى أكثر من سنة لإعادة الإعمار، وكلّنا ندرك تماماً أنّه ليس لدينا القدرة المالية، وخصوصاً أنّنا خسرنا الثقة والعنفوان والمرونة لإعادة الإعمار، من دون أسس ثابتة.
الحل الوحيد، يَكمن بالمفاوضات الديبلوماسية لبناء سلام مستدام لأولادنا وأحفادنا على المدى الطويل. إنّنا على مفترق طرق، إمّا تتكامل هذه الحرب المدمّرة من دون أفق، ولا فرصة للصمود، وإمّا الاتفاق على رؤية موحّدة باستقلالية الأرض والأبناء والفكر لإعادة البناء للمرّة الأخيرة، وفق رؤية موحّدة وأسس ثابتة.