إلتقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس بوالد زوج تيفاني ترامب، وكتب رسائل ودّية للرئيس المنتخب، الذي يُعتبر داعماً قوياً لإسرائيل.
التقى عباس بوالد زوج تيفاني، وكتب رسالة إلى ترامب يُدين فيها محاولة اغتيال ضدّه. وسارع إلى تهنئته على فوزه في الانتخابات الرئاسية.
تُشكّل هذه الخطوات من قِبل محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، جزءاً من استراتيجية واسعة لإعادة تأهيل علاقته المتوترة سابقاً مع ترامب، إذ يحاول الفلسطينيّون التكيّف مع رئيس جديد أبدى دعمه القوي لإسرائيل في ولايته الأولى.
حتى حركة «حماس»، الجماعة المسلحة التي قادت هجوم 7 تشرين الأول 2023 على إسرائيل ممّا أشعل حرباً على غزة وخصم السلطة الفلسطينية اللدود، اعتمدت نبرةً أكثر حذراً تجاه ترامب. بعض الفلسطينيين في غزة، الذين تحمّلوا قصفاً إسرائيلياً مدمّراً، أعربوا عن أملهم في أن يتمكّن ترامب من إنهاء الحرب، في حين أبدى آخرون شكوكهم.
في فترة رئاسته، نفّذ ترامب سياسات أغضبت السلطة الفلسطينية، التي تتمتع بحكم ذاتي محدود في أجزاء من الضفة الغربية تحت الاحتلال الإسرائيلي. فقد اعترف بالقدس كعاصمة لإسرائيل، قطع المساعدات عن وكالة الأمم المتحدة التي تدعم اللاجئين الفلسطينيِّين، قدّم خطة سلام تُفضّل إسرائيل وساعد في إبرام اتفاقات بين إسرائيل ودول عربية تجاوزت طموحات الفلسطينيِّين في تحقيق الاستقلال.
غضِبَ عباس وحظّر على كبار المسؤولين الفلسطينيِّين التواصل مع شخصيات في إدارة ترامب. لكنّ ترامب دعا علناً إلى وقف الحرب في غزة. ويبدو أنّ عباس يسعى إلى تغيير مساره على أمل التأثير على مواقف الرئيس المنتخب تجاه الصراع ومحادثات وقف إطلاق النار.
كان عباس - ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو - من بين الأوائل الذين هنّأوا ترامب على فوزه في الانتخابات. وفي رسالته، أوضح عباس أنّ المسؤولين الفلسطينيِّين «يتطلّعون للتعاون معكم لتحقيق السلام والأمن والازدهار لمنطقتنا»، وفقاً لنسخة حصلت عليها صحيفة «نيويورك تايمز».
يوم الجمعة، تحدّث عباس إلى ترامب عبر الهاتف، وناقشا إمكانية اللقاء قريباً، وفقاً لما ذكره زياد أبو عمرو، مسؤول فلسطيني بارز مقرّب من عباس.
لكنّ جهود عباس للتواصل مع ترامب بدأت قبل الانتخابات بوقت طويل. فقد ساعد والد زوج تيفاني ترامب، مسعد بولس، وهو رجل أعمال لبناني-أميركي يعمل كموفد غير رسمي لحملة ترامب إلى الناخبين العرب الأميركيِّين، عباس في التواصل مع ترامب في الأشهر الأخيرة، كما فعل بشارة بحبح، داعم فلسطيني-أميركي لترامب، وفقاً لأشخاص شاركوا في هذا الجهد.
في أيلول، التقى عباس ببولس على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. بينما وصف المسؤولون الفلسطينيّون الاجتماع كجزء من جهود التواصل مع ترامب، أوحى بولس لـ»التايمز» أنّه كان «شخصياً بحتاً» ولم يُبلغ ترامب عن الاجتماع قبل أو بعد.
وكشف أبو عمرو الذي حضر الاجتماع، أنّ بولس نقل رغبة ترامب في إنهاء الحروب في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في قطاع غزة.
ولم تردّ كارولين ليفيت، المتحدّثة باسم ترامب، على الأسئلة حول الاجتماع. لكن عندما سُئلت عن دور بولس في تشرين الأول، أوضحت أنّ الحملة ممتنة لجهوده «الفعّالة جداً في التواصل» مع الأميركيِّين العرب.
بالإضافة إلى ذلك، أكّد بولس وبحبح أنّهما ساعدا في تسهيل إرسال رسالة من عباس إلى ترامب في تموز، تُدين محاولة اغتيال ضدّه، ونشرها ترامب على منصته «تروث سوشيال».
في الرسالة، تمنّى عباس لترامب «القوة والأمان»، واصفاً محاولات الاغتيال بأنّها «أعمال حقيرة». وردّ ترامب بأنّ رسالة عباس كانت «لطيفة جداً. سيكون كل شيء على ما يرام».
وأكّد أبو عمرو: «نحن نريد الحفاظ على علاقة عمل جيدة، لأنّ لا أحد يمكنه تجاهل الدور الذي يمكن أن تلعبه الولايات المتحدة في حل النزاع».
حتى في ظل إدارة بايدن، واجه عباس مجموعة من التحدّيات، بما في ذلك مطالب دولية بإصلاحات للسلطة الفلسطينية يمكن أن تساعدها في لعب دور في قطاع غزة. ومع عدم وجود نهاية تلوح في الأفق للحرب، اتخذت حكومة نتنياهو - الأكثر تطرّفاً في تاريخ إسرائيل - مواقف عدائية بشكل متكرّر تجاه السلطة. ودعت إدارة بايدن إلى إقامة دولة فلسطينية، وهو ما رفضه نتنياهو.
في اجتماع أيلول مع بولس، أكّد عباس أنّه مستعد لصنع السلام مع إسرائيل على أساس حلّ الدولتَين، وأعرب عن استعداده لاستضافة مراقبين دوليِّين في دولة فلسطينية مستقبلية لضمان أمن إسرائيل، بحسب بحبح.
وأضاف بحبح، أنّ الرئيس الفلسطيني شدّد أيضاً على أنّه «لن يكون هناك قتال، ولا توغّلات، ولا هجمات على الإطلاق» من دولة فلسطينية مستقبلية. وأكّد أبو عمرو تصريحات بحبح.
من جانبه، كان عباس قد تعهّد منذ فترة طويلة بمعارضة العنف. وأشار إلى أنّ قوة من حلف الشمال الأطلسي (ناتو)، بقيادة أميركية، يمكنها أن تراقب الدولة الفلسطينية المستقبلية. وعلى رغم من الحملة الديبلوماسية التي يقودها عباس، لم يغِب عن المسؤولين الفلسطينيِّين تاريخ ترامب في دعم إسرائيل.
وأوضح حسام زملط، رئيس البعثة الفلسطينية في بريطانيا الذي كان له دور مماثل في واشنطن مع بداية إدارة ترامب السابقة: «عندما نسمع ترامب يقول إنّه يريد السلام، فإنّنا نأخذ ذلك بجدّية، لكن يجب أن يكون السلام قائماً على الاستقلال وتقرير المصير للفلسطينيِّين. إذا حاول ترامب الضغط علينا، يمكننا أن نقول له: لا».
في حين أنّ جهود التواصل مع ترامب قد تؤتي بنتائج عكسية، إلّا أنّ القيادة الفلسطينية تفتقر إلى الخيارات الأخرى غير محاولة التعامل مع الرئيس المنتخب والحلفاء العرب والأوروبيِّين الذين يمكنهم تعزيز مواقفها معه، بحسب المحلّلين.
ويتساءل إبراهيم دلالشة، مدير مركز الأفق، وهو مركز أبحاث سياسي فلسطيني: «هل لديهم خيار آخر؟ لا أعتقد ذلك من الناحية الموضوعية. هل ينبغي لهم اللجوء إلى الوكالات الدولية؟ لقد جرّبوا ذلك ولم ينجح ولن ينجح. لديهم خيار واحد فقط».
من جانبها، بدت «حماس» التي كانت صريحة في انتقادها لإدارة بايدن، أنّها تحاول ضبط ردّ فعلها بعناية تجاه فوز ترامب، مشيرةً إلى أنّ: «موقفنا من الإدارة الأميركية الجديدة سيتحدّد بناءً على مواقفها وسياستها العملية تجاه الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة».
وقد تحمّل الفلسطينيّون في غزة وطأة الهجوم الإسرائيلي، وأعرب بعضهم عن أملهم في أن يتمكّن ترامب من إنهاء الحرب في غزة. ويأمل مهنّد الفرا، الذي كان يملك متجراً لقطع غِيار السيارات ويعيش الآن في خان يونس وسط غزة مع عائلته: «أن يتدخّل ترامب كمنقذ لإعادة بعض النظام إلى الفوضى الناجمة عن الصراعات المستمرة التي تشمل إيران ووكلاءها وإسرائيل. آمل أن يجلب انتخابه تغييراً إيجابياً لهذه المدينة التي مزّقتها الحرب».
لكنّ آخرين كانوا أكثر تشاؤماً، إذ يعتقد مهنّد شعث، ناشط شاب ومجتمعي في غزة، أنّه «لطالما وقفت الولايات المتحدة إلى جانب دولة الاحتلال، لذلك أشك في أنّ الأمور ستتغيّر كثيراً، خصوصاً إذا استمرّ ترامب في دفع خططه القديمة».