تجري السلطات الإسرائيلية تحقيقاً مع مدني عمل العام الماضي في مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ويُشتبه في حصوله على وثائق سرية وتسريبها بشكل غير قانوني لوسائل الإعلام.
ساعدت الوثائق في دعم مبرّرات نتنياهو لفرض شروط جديدة صارمة على اتفاق وقف إطلاق النار مع حماس خلال الصيف، في ظل ضغط شعبي مكثف لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليِّين وإنهاء القتال في غزة.
بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، فإنّ محكمة إسرائيلية رفعت جزئياً أمر حظر النشر للكشف عن إيليعازر فيلدشتاين، الذي وُظّف العام الماضي للعمل كمتحدّث باسم مكتب نتنياهو، باعتباره مشتبهاً به في القضية. كما أنّ 3 مشتبهين آخرين في القضية هم من أعضاء المؤسسة العسكرية والأمنية، بحسب المحكمة، ولم يُكشف عن أسمائهم علناً.
تدور التحقيقات حول نشر وتلاعب بمعلومات استخباراتية حقيقية ومزعومة في وسائل الإعلام في الخارج، وفقاً لتقارير إعلامية إسرائيلية وتصريح لمسؤول إسرائيلي لم يُصرّح له بمناقشة معلومات حساسة، بما في ذلك هذه القضية.
ونشرت صحيفة "Jewish Chronicle" في لندن - ثم سحبت لاحقاً - تقريراً يزعم أنّ "حماس" كانت تخطّط لتهريب رهائن إسرائيليِّين من غزة إلى مصر. كما سُرِّبت وثيقة سرية لصحيفة "بيلد" الألمانية تزعم أنّ "حماس" كانت تحاول التلاعب بالرأي العام الإسرائيلي وتعمل على إطالة المفاوضات.
في الأول من أيلول، أعلنت القوات الإسرائيلية أنّ 6 رهائن إسرائيليِّين عُثِر عليهم موتى في نفق في غزة بعد أن قُتلوا برصاص محتجزيهم، ممّا أدّى إلى موجة من الاحتجاجات الجماهيرية والغضب والحزن على مستوى البلاد. وما زال حوالي 100 شخص أسرى لدى "حماس" منذ 7 تشرين الأول 2023 في غزة. وأعلنت السلطات الإسرائيلية أنّ ما لا يقل عن ثلثهم لقوا حتفهم.
في الثاني من أيلول، خلال مؤتمر صحافي متلفز، عرض نتنياهو حججه لصفقة وقف إطلاق النار مع "حماس": يجب أن تحافظ إسرائيل على وجود دائم في ممر فيلادلفيا، وهو شريط من الأرض على طول حدود غزة مع مصر. أكّد نتنياهو إنّه من دون هذا الوجود، يمكن لـ"حماس" تهريب الرهائن عبر الحدود إلى صحراء سيناء المصرية، ومن هناك إلى إيران أو اليمن حيث يمكن أن يختفوا للأبد.
كما عرض وثيقة مكتوبة بخط اليد باللغة العربية زعم إنّها من عمل أعضاء رفيعي المستوى في حماس، ووُجدت في كانون الثاني من قِبل جنود إسرائيليِّين في موقع قيادة تحت الأرض في غزة.
تضمّنت الوثيقة تعليمات لزيادة الضغط النفسي على إسرائيل من خلال إصدار مقاطع فيديو وصور للرهائن وزرع الشكوك حول الرواية الإسرائيلية بأنّ العملية البرية في غزة ستساعد في إطلاق سراح الرهائن.
متى حدثت التسريبات؟
في الخامس من أيلول، بعد وقت قصير من المؤتمر الصحافي لنتنياهو، نشرت صحيفة "Jewish Chronicle"، وهي صحيفة بريطانية مجتمعية، تقريراً أعدّه صحفاي حرّ يُدعى إيلون بيري كشف فيه أنّه حصل على معلومات استخباراتية إسرائيلية تظهر أنّ زعيم "حماس" يحيى السنوار كان يستعد للفرار من غزة عبر ممر فيلادلفيا إلى إيران، مع أخذ رهائن إسرائيليّين معه.
واستشهد التقرير بمعلومات استخباراتية من مسؤول رفيع في "حماس" خضع إلى التحقيق في إسرائيل ومن وثائق تم الاستيلاء عليها في اليوم الذي عثر فيه على جثث الرهائن الستة.
عند سؤاله عن التقرير في صحيفة "Jewish Chronicle"، نفى دانيال هاغاري، المتحدث الرئيسي للجيش الإسرائيلي، علمه بوجود أي خطة أو معلومات استخباراتية من هذا النوع عن السنوار.
لاحقًا، أزالت صحيفة "Jewish Chronicle" هذا التقرير وتقريرَين آخرَين كتبهما بيري من موقعها على الإنترنت وأنهت علاقتها به. ألقى هذا الحادث بظلاله على الصحيفة التي تعود إلى 180 عاماً ولم يُعرف مالكوها بوضوح.
في السادس من أيلول، بعد يوم من نشر المقال في "Jewish Chronicle"، نشرت "بيلد" مقالاً يستند إلى وثيقة لـ"حماس" توضّح خطتها للحرب النفسية ضدّ إسرائيل في قضية الرهائن، مدّعيةً أنّ "حماس" ليست في عجلة من أمرها للتوصّل إلى اتفاق أو إنهاء الحرب. كانت بعض الرسائل مشابهة للنقاط التي ذكرها نتنياهو في مؤتمره الصحافي.
أصدر الجيش الإسرائيلي بياناً يوم الإثنين أوضح فيه إنّه يبدو أنّ الوثيقة المذكورة في مقال "بيلد" عُثر عليها منذ حوالي 5 أشهر وكتبها ضباط متوسطو الرتبة في حماس، وليس السنوار. وأضاف الجيش أنّ الوثيقة تضمّنت معلومات مشابهة لتلك الموجودة في وثائق سابقة.
ويعتقد النقاد إنّ كشف المعلومات الاستخباراتية المزعومة بدا وكأنّه جزء من حملة تضليل يقودها نتنياهو أو مؤيّدوه بهدف إضعاف حملة إطلاق سراح الرهائن والتأثير في الرأي العام الإسرائيلي لصالح مواقف رئيس الوزراء التفاوضية.
لم يتم استجواب نتنياهو بشأن الادعاءات، ونفى مكتبه تسريب المعلومات. ولا تزال تفاصيل عديدة حول القضية غامضة بسبب أمر حظر النشر.
وفي أولى بياناته حول القضية، أوضح مكتب نتنياهو يوم الجمعة إنّ أحداً من مكتبه لم يتم استجوابه أو احتجازه. وفي يوم السبت، قدّم مكتب رئيس الوزراء نسخة مختلفة، قائلاً إنّ الشخص المشتبه به - الذي كُشف لاحقاً عن أنّه فيلدشتاين - لم يشارك مطلقاً في المناقشات الأمنية ولم يرَ أو يحصل على معلومات سرية.
كما اتهم مكتب نتنياهو السلطات بإجراء تحقيق انتقائي، مشيراً إلى أنّ العديد من التقارير التي تستند إلى معلومات مسرّبة قد نُشرت خلال الحرب من دون أي عواقب. ووصف التحقيق بأنّه "عدواني ومنحاز".
في أول اعتراف رسمي بخرق أمني مشتبه به، رفع قاضي محكمة صلح في وسط إسرائيل يوم الجمعة جزئياً أمر حظر النشر عن القضية. وذكرت المحكمة أنّ عدة أشخاص تم احتجازهم كجزء من تحقيق مشترك بين جهاز الأمن الداخلي "الشاباك"، والشرطة الإسرائيلية، والجيش.
وذكر القاضي مناحيم مزراحي أنّه يشتبه فيهم "بانتهاك أمني بسبب نقل معلومات سرية بشكل غير قانوني"، وكذلك بتعريض معلومات حساسة ومصادر للخطر، والإضرار بفرص تحقيق أهداف الحرب في غزة.