وأعربت مراجع رسمية لبنانية عبر «الجمهورية» عن خشيتها من أن تعمد إسرائيل إلى استغلال انشغال الإدارة الأميركية بالانتخابات الرئاسية، وإلى الاستفادة من الجمود السياسي الحاصل وانقطاع آليات التفاوض في هذه المرحلة، لكي تطلق يدها في عمليات القتل والتدمير والتهجير على نطاق واسع، وبنحو مضاعف في لبنان، من الجنوب إلى الضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع فمناطق أخرى، سعياً منها إلى محاولة إجباره على الرضوخ لشروطها التي تُعتبر تعجيزية، لما تشكّله من خرق فاضح للسيادة ومهانة للكرامة الوطنية.
وما يفاقم المخاوف، وفق المراجع، هو تهديد بعض المسؤولين الإسرائيليين بتفجير حرب صاعقة مع إيران وتوريط الولايات المتحدة فيها وابتزازها، في لحظة انشغال الإدارة الديموقراطية بتأمين الدعم اللازم في صناديق الاقتراع. ويمكن أن يؤدي اندلاع هذه الحرب الطاحنة بين إسرائيل وإيران إلى رفع مستوى السخونة بمقدار كبير جداً وبالغ الخطورة في لبنان، لأنّه سيكون إحدى ساحتها الأساسية.
حركة ديبلوماسية
وتزامناً مع التحركات التي قرّر لبنان القيام بها بعدما توسعت مساحة الاعتداءات الإسرائيلية في في اتجاه البترون عبر الإنزال البحري الذي نفّذته قبل يومين وانتهى بخطف قبطان تقول إسرائيل إنّه «من العناصر السرّية للقوة البحرية» للحزب. وفي موازاة الشكوى التي سترفعها بعثة لبنان لدى الامم المتحدة في نيويورك بناءً لتوجيهات من وزير الخارجية بعد التشاور مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وجّهت الأمانة العامة لمجلس الوزراء دعوة إلى مجموعة سفراء الدول الخمس ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي، إلى لقاء يُعقد اليوم في السرايا لإبلاغهم القراءة اللبنانية للعدوان ومخاطره ليس على سلامة وأمن لبنان فحسب، إنما على الأمنين الإقليمي والدولي.
وكشفت مراجع ديبلوماسية لـ«الجمهورية»، انّ السفراء الخمسة تجاوبوا مع الدعوة وسيشاركون جميعاً في الاجتماع، ذلك انّ لهم أكثر من رسالة يريدون تكرارها أمام المسؤولين اللبنانيين تعبّر عن المخاوف من حجم العمليات العسكرية، وانّ احتمال توسع الحرب لم يعد وهماً كما نُقل عن أحدهم، وانّ تبادل الهجمات بين تل أبيب وطهران من إحدى تجلّياتها. ولفت آخرون إلى انّهم حذّروا مراراً من مجرى الأحداث، عندما شدّدوا امام جميع المسؤولين اللبنانيين على مختلف المستويات، على أهمية الفصل بين لبنان وغزة، وقد ذهبت أمنياتهم أدراج الرياح بالنسبة اليهم، وقد فوّتوا مجموعة من الفرص الذهبية التي كان يمكن ان تُستغل بطريقة فضلى.
واكّدت هذه المراجع، انّ الالتزام بالقرارات الدولية في لبنان تحول مصيدة للمجتمع الدولي، وأنّ الرهان على قدرته على تطبيق هذه القرارات ولا سيما منها القرار 1701 بكل مندرجاته لم تكن حصيلته واضحة ومقنعة. وانّ النقاش الدائر في الداخل لا يُعوّل عليه خارج أطار كونه من المناكفات الداخلية. فالمجتمع الدولي يريد أن يرى الخطوات الضرورية ولو نُفّذت في مواقيتها لما كان التشدّد اليوم قائماً في شأنها.
ميقاتي يجدّد التزامات لبنان
وعشية هذه الخطوة الديبلوماسية التي أعقبت عودة ميقاتي من جولة أممية واوروبية، تحدث إلى صحيفة «واشنطن بوست» مؤكًداً أولوية حكومته لجهة «التنفيذ الكامل للقرار 1701». واضاف: «ندعم مقترح الموفد الأميركي آموس هوكشتاين بما في ذلك نشر قوات لبنانية في الجنوب ووجود آلية مراقبة». وعن الاستحقاق الرئاسي، قال: «ما زلنا منقسمين في شأن من سيتولّى الرئاسة».
الحديث مع الشيعة
وكان ميقاتي زار مساء أمس الرئيس السابق للحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، الذي قال بعد اللقاء، إنّ «الدولة وحدها تحمينا بدعم وتعزيز الجيش، وهذا لا يحصل بمعجزة، فلدينا جيش جيّد وفاعل وقوى أمنية جيّدة، لماذا سيكون لدينا هوس حول الحرب الأهلية؟». وأضاف: «فليتفضّل المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين ويجيب رئيسي مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي حول مسألة وقف إطلاق النار، ويجب على الولايات المتحدة فرض وقف إطلاق النار، وأنا لست مفوضاً في هذا الأمر بل أراقب، وتربطني صداقة بالرئيسين بري وميقاتي. كما أنّ «اللقاء الديموقراطي» ورئيسه لديهما علاقات مع جميع الأطياف اللبنانية». وقال: «يجب الحديث مع الشيعة وهم جزء من لبنان، وليس لديّ أي تواصل مع الإيرانيين، ليس لأني لا أرغب فهذه ليست وظيفتي والمسألة تعود الى الحكومة اللبنانية والرئيسين بري وميقاتي».
وختم جنبلاط: «لنبدأ بوقف إطلاق النار ونبدأ بتنفيذ القرارات الدولية، ويرجى ألّا نطرح أبدًا مسألة أنظمة سياسية جديدة لأنّها ستأخذنا إلى المجهول، فلنبدأ بإستكمال تطبيق الطائف».
منشأة «عماد 5»
وفي هذه الأثناء، نشر الإعلام الحربي في «المقاومة الإسلامية»، وفي سياق «معركة أولي البأس»، مقطع فيديو، تضمن مشاهد من منشأة «عماد 5»، تحت عنوان «لن نترك الساح ... لن نُسقِط السلاح». وظهر في الفيديو رجال من المقاومة داخل نفق وهم بسلاحهم على أهبة الاستعداد ومنهم على دراجات نارية.
كما تضمن الفيديو تسجيلاً صوتياً للأمين العام لـ«حزب الله» الشهيد السيد حسن نصرالله: «نحن هنا لا يمكن ان نضعف ولا يمكن ان نخاف ولا يمكن ان نستسلم. نحن هنا لن نترك الساح، لن نُسقط السلاح».
وقالت اوساط حليفة لـ«حزب الله» لـ«الجمهورية»، انّ فيديو منشأة «عماد 5» انطوى في محتواه وتوقيته على رسائل عدة، من أهمها انّ القدرات الصاروخية للمقاومة ولا سيما منها النوعية، لا تزال في خير، وانّ بعضها لم يُستخدم بعد، وانّ تقديرات العدو حول تدمير معظمها هي تقديرات خاطئة، وانّ البنى التحتية للمقاومة لا تزال سليمة على رغم من عنف الغارات الاسرائيلية.
ولفتت الاوساط نفسها إلى «انّ حزب الله أراد إفهام العدو الاسرائيلي بأنّه مستعد لخوض حرب طويلة الأمد ويتصرّف على هذا الأساس، وبالتالي فهو قادر على الصمود اكثر بكثير مما يظن العدو وصولاً إلى توريطه في حرب استنزاف مكلفة وتوجيه ضربات مؤلمة له اذا واصل المكابرة». ولفتت إلى «انّ مجريات الفيديو تبين انّ تصويره تمّ بعد استشهاد السيد حسن نصرالله، مع ما يحمله ذلك من دلالات على أنّ الحزب تجاوز مفاعيل الاغتيال وانّه في جهوزيته الكاملة للاستمرار في مواجهة العدوان، وليس في وارد الخضوع إلى الشروط او الضغوط الإسرائيلية لوقف اطلاق النار، بل يتكل على الميدان وحده لإلزام العدو بإنهاء الحرب وفق قواعد تحترم سيادة لبنان وحقوقه».
الموقف الإسرائيلي
في غضون ذلك، اشار رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو من الحدود اللبنانية، إلى انّ «مع أو من دون اتفاق، فإنّ مفتاح استعادة السلام والأمن في الشمال، ومفتاح إعادة سكاننا في الشمال إلى ديارهم في أمان، هو أولاً وقبل كل شيء دفع «حزب الله» إلى ما وراء نهر الليطاني، وثانياً استهداف أي محاولة لمعاودة التسلح، وثالثاً الردّ بحزم على أي إجراء يُتخذ ضدّنا». ولفت إلى أنّه «سنضرب أي محاولة لإعادة تسلّح «حزب الله» وسنقطع أنبوب الأوكسيجين الخاص به من إيران عبر سوريا».
وأشار مكتب نتنياهو، إلى أنّه «زار الحدود اللبنانية اليوم (أمس) وهي ثاني زيارة له للحدود في أقل من شهر». وأوضح الجيش الإسرائيلي أنّ الزيارة «جاءت في الوقت الذي تمّ إطلاق أكثر من 100 قذيفة من لبنان.
وأفادت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أنّ نتنياهو ألغى زيارة كانت مقرّرة إلى مستعمرة المطلة امس بعد انفجار مسيّرة قبل 20 دقيقة من وصوله.
ونقلت صحيفة «فايننشال تايمز» عن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت تأكيده أنّ «الهجوم البري على لبنان سيستمر ما دامت هناك حاجة إليه».
ونقلت القناة 12 الإسرائيلية عن مسؤول انّ «من المتوقع التوصل إلى اتفاق سياسي مع لبنان خلال أسبوعين».
رسالة أميركية لإيران
وعلى صعيد الموقف الاميركي، اعلنت هيئة البث الإسرائيلية، عن أنّ «الخطوط الجوية الأميركية تلغي جميع رحلاتها إلى إسرائيل حتى نهاية صيف عام 2025».
فيما أعلنت القيادة الوسطى الأميركية، فجر امس، وصول قاذفات استراتيجية من طراز «بي-52» إلى منطقة الشرق الأوسط. وقالت في منشور على حسابها الرسمي في «إكس»: «وصلت قاذفات القنابل الاستراتيجية B-52 Stratofortress من جناح القنابل الخامس بقاعدة مينوت الجوية إلى منطقة مسؤولية القيادة الوسطى».
وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت الجمعة الماضي نشر قدرات عسكرية جديدة في الشرق الأوسط ستصل «خلال الأشهر المقبلة»، في خطوة تأتي «دفاعاً عن إسرائيل» وتحذيراً لإيران، وفق بيان أصدره البنتاغون.
ونقل موقع «أكسيوس» عن مسؤول أميركي ومسؤول إسرائيلي سابق مطلع على التفاصيل، انّ إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن حذّرت في رسالة وجّهتها إلى طهران من مغبة الإقدام على الردّ على الهجوم الاسرائيلي الاخير. مؤكّدة أنّها «لن تكون قادرة على كبح جماح الإسرائيليين».
وقال المسؤول الأميركي «إنّ الرسالة نُقلت مباشرة إلى الإيرانيين، وهو أمر لافت للنظر، لأنّ مثل هذه الاتصالات المباشرة نادراً ما يتمّ الكشف عنها». وأضاف: «أخبرنا الإيرانيين: لن نكون قادرين على صدّ إسرائيل، ولن نكون قادرين على التأكّد من أنّ الهجوم المقبل سيكون محسوباً ومستهدفاً مثل الهجوم السابق»، فيما أوضح المسؤول الإسرائيلي أنّ الرسالة نُقلت من واشنطن إلى طهران عبر السويسريين.
ورفض البيت الأبيض التعليق، كما لم تعلّق البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة على الأمر على الفور.
الموقف الإيراني
وفي المقابل، اعلن الرئيس الايراني مسعود بزشكيان أنّ وقفاً محتملاً لإطلاق النار في قطاع غزة ولبنان «قد يؤثر في شدّة» الردّ على الهجمات الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت مواقع عسكرية إيرانية.
ونقلت وكالة «إرنا» الايرانية للأنباء عن بزشكيان قوله «إذا أعاد الإسرائيليون النظر في سلوكهم، وقبلوا وقفاً لإطلاق النار وتوقفوا عن قتل المظلومين والأبرياء، قد يكون لهذا تأثير في شدّة هجومنا ونوعه».
في هذه الأثناء أشار نائب قائد الحرس الثوري الإيراني، إلى انّ «عملية الوعد الصادق الثالثة ستُنفّذ قطعاً، ولكن لا يمكن الحديث عن تفاصيلها».
وفي وقت سابق، قال قائد الحرس اللواء حسين سلامي: «نحذّر واشنطن والكيان الصهيوني من أنّ المقاومة الإسلامية ستوجّه رداً قاسياً لجبهة الشر»، معتبراً انّ «المقاومة في المنطقة لديها اليد العليا». واكّد أنّ «ايران والمقاومة ستتجهزان بكل ما هو ضروري لمواجهة العدو».