في حفل توزيع جوائز الكرة الذهبية لعام 2024، برزت العديد من المفاجآت والدراما، فتُوّج الإسباني رودري، لاعب ارتكاز مانشستر سيتي الإنكليزي، بالجائزة، ممّا جعله يتصدّر عناوين الصحف.
جاء هذا الانتصار في وقت كان البرازيلي فينيسيوس جونيور، جناح ريال مدريد، بطل إسبانيا وأوروبا، يُعتبر المرشح الأوفر حظاً لنيل الجائزة بعد أدائه الاستثنائي في الموسم الماضي.
غياب ميسي ورونالدو
على الرغم من التألّق الكبير الذي قدّمه الأرجنتيني ليونيل ميسي، مهاجم إنتر ميامي الأميركي وحامل الكرة الذهبية 8 مرّات (رقم قياسي)، في العام الماضي، كان غيابه عن قائمة المرشحين المفاجأة الكبرى. وعُرف ميسي بتاريخه الزاخر بالجوائز، لكنّه لم يُدرَج هذه المّرة في قائمة الأفضل، ممّا أثار تساؤلات حول مستقبله في المنافسات الفردية.
بدوره، غاب البرتغالي كريستيانو رونالدو، مهاجم النصر السعودي، عن الترشح أيضاً، إذ فَقَد مركزه في القمة بعد انتقاله إلى الدوري السعودي. هذا الغياب يعكس تغييراً في المشهد الكروي العالمي، فبدأت تتشكّل أسماء جديدة في سماء اللعبة، معظمها من الوجوه الشابة وفي منتصف العشرينات من العمر.
رودري: نجم الدفاع
رودري، الذي يُعتبَر واحداً من أبرز لاعبي خط الوسط الدفاعي في العالم، حقّق إنجازات ملحوظة مع مانشستر سيتي، حامل لقب الدوري الإنكليزي الممتاز في المواسم الأربعة الماضية.
خلال الموسم الماضي، كان له دور محوري في فوز فريقه بلقب الدوري، إذ لعب 34 مباراة وساهم بشكل كبير في تعزيز الاستقرار الدفاعي للفريق. وسجّل رودري 6 أهداف وصنع 5 تمريرات حاسمة، ممّا يجعله أحد أفضل لاعبي خط الوسط في أوروبا. أرقام رودري تُظهِر قوّته في الدفاع وكذلك في الهجوم، فكانت نسبة دقّته في التمريرات تتجاوز 90%، ممّا يُبرز قدرته على الحفاظ على الكرة وتحقيق الانتقال السريع من الدفاع إلى الهجوم.
بالإضافة إلى ذلك، فإنّ تحرّكاته الذكية على أرض الملعب وتغطية المساحات أسهمت في تعزيز قوة فريقه، ما جعله يستحق الجائزة بجدارة.
فينيسيوس: تألّق غير مسبوق
في الجانب الآخر، كان فينيسيوس جونيور هو المرشح الأبرز للجائزة بعد أدائه المذهل مع ريال مدريد. على مدار الموسم، سجّل فينيسيوس 24 هدفاً في جميع المسابقات، بما في ذلك أهداف حاسمة في الأدوار الإقصائية ونهائي دوري أبطال أوروبا. كما ساهم بـ 15 تمريرة حاسمة، ممّا يجعله أحد أكثر اللاعبين تأثيراً في الدوري الإسباني.
أرقام فينيسيوس تعكس تأثيره الكبير على الفريق. وكانت نسبة مراوغاته الناجحة عالية، فتجاوزت 50% في العديد من المباريات، ممّا يدل إلى مهاراته الفردية وقدرته على خلق الفرص لزملائه.
في النهائيات، كان له دور بارز في تحديد مسار المباراة، إذ تمكن من التألّق تحت الضغط، ممّا جعله محبوباً بين جماهير ريال مدريد.
دراما غياب فينيسيوس عن التتويج
على الرغم من الإنجازات الفردية والجماعية التي حققها، لم يتمكن فينيسيوس من نيل الجائزة، ممّا أثار غضب الجماهير والنقاد على حَدٍّ سواء. فاعتبرت جماهير ريال مدريد أنّ غيابه عن الجائزة كان غير عادل بالنظر إلى الأداء الذي قدّمه.
بالإضافة إلى ذلك، كان قرار النادي بعدم حضور الحفل في باريس يعكس عدم رضاهم عن الطريقة التي تمّ بها التعامل مع ترشيحات اللاعبين.
حضر الحفل ممثلون عن النادي، لكنّ غياب بعض الأسماء الكبيرة، وأبرزهم المدرب الإيطالي كارلو أنشيلوتي، صانع الألعاب الإنكليزي جود بيلينغهام، المهاجم الفرنسي كيليان مبابي، الحارس البديل الأوكراني أندري لونين، الظهير الأيمن والقائد داني كارفخال، جعل الحدث أقل بريقاً.
وعلى الرغم من تصدّره للمراكز الأولى في الترشيحات، فإنّ عدم تقدير فينيسيوس بشكل مناسب كان محط انتقادات واسعة من وسائل الإعلام. وقرار عدم حضور النادي كان بمثابة رسالة قوية إلى المنظّمين، ويعكس مدى استيائهم من الطريقة التي تمّ بها توزيع الجوائز.
علماً أنّ بعض النقاد كانوا يشيرون إلى أنّه وجب تتويج أحد لاعبي ريال مدريد بالكرة الذهبية، فمثلاً كان الترشيح الأبرز للقائد كارفاخال الفائز بلقبَي الدوري ودوري الأبطال بالإضافة إلى كأس أمم أوروبا مع المنتخب الإسباني، فيما لم يحقق مواطنه رودري لقب دوري الأبطال. كما أنّ الترشيحات كانت تصوّب نحو بيلينغهام، لكن تقهقر مستواه مطلع هذا الموسم جعل استبعاده أمراً متوقعاً.
أرقام مقارنة: رودري ضدّ فينيسيوس
عند مقارنة أداء رودري وفينيسيوس، نجد أنّ كلا اللاعبين قدّما مستويات عالية، لكن من زوايا مختلفة. رودري، كلاعب وسط دفاعي، كان له دور محوري في تحقيق التوازن داخل الفريق. أرقامه تشير إلى كونه لاعباً محورياً في بناء الهجمات وكسرها، إذ ساعد فريقه في الحفاظ على نظافة الشباك في 15 مباراة.
من ناحية أخرى، يُعتبر فينيسيوس لاعباً هجومياً بحتاً، فيتمحوَر أداؤه حول تسجيل الأهداف وصناعتها. ولديه قدرة استثنائية على خلق الفرص وتسجيل الأهداف في المواقف الحرجة، ممّا يجعله عنصراً أساسياً في استراتيجيات المدرب الذي يعتمد على الهجمات المرتدة وسرعة جناحَيه البرازيليَّين.
التأثير على اللعبة
تُجسِّد قصة رودري وفينيسيوس التغيّرات الكبيرة التي تحدث في عالم كرة القدم. فبينما كانت الجوائز تُمنح تقليدياً للأسماء الكبيرة، يظهر اليوم جيل جديد من اللاعبين قادرين على منافسة الأساطير.
كما أنّ التألق المستمر لفينيسيوس ولجيل جديد من اللاعبين مثل رودري، يشير إلى تحوّل في معايير التقييم، فيُعطى الاعتبار للأداء الجماعي وليس فقط للأسماء اللامعة.
حتى وأنّ التتويجات لطالما كانت تصبّ في أيدي المهاجمين، فكان تتويج لاعب ارتكاز دفاعي بالجائزة بمثابة صدمة، إذ إنّ اسمَي الإسبانيَّين أندريس إنييستا وتشافي هيرنانديز لم يستطعا التتويج بها، نتيجة هيمنة ميسي ورونالدو عليها.
إنجازات المدربين
حفل الكرة الذهبية لم يكن فقط مناسبة لتكريم اللاعبين، بل كان أيضاً احتفالاً بالمدربين. فتوّج أنشيلوتي بجائزة أفضل مدرب لعام 2024، لكنّ ممثلاً عنه استلمها، وهو ما يعكس إنجازاته الكبيرة مع ريال مدريد.
لقد تمكن من تحقيق توازن مثالي بين الخبرة والشباب في فريقه، ممّا ساعده على الفوز بلقبَي الدوري ودوري الأبطال.
كما شهدنا فوز إيمّا هايز بجائزة أفضل مدربة للسيدات، ممّا يؤكّد على أهمية الدور الذي تلعبه النساء في الرياضة.
من الواضح أنّ الكرة الذهبية لعام 2024 كانت محط اهتمام كبير، مع وجود أسماء جديدة تتصدّر العناوين.
سيبقى رودري وفينيسيوس في الذاكرة كمنافسَين على جائزة «جدلية» في الموسم الماضي، إذ قدّما أداءً استثنائياً يتجاوز الأرقام.