على الحدود الإسرائيلية-اللبنانية بلدة المطلة تخشى على مستقبلها
على الحدود الإسرائيلية-اللبنانية بلدة المطلة تخشى على مستقبلها
إيزابيل كيرشنر- نيويورك تايمز
Friday, 25-Oct-2024 00:59

مهجورة ومحظورة على المدنيِّين، تُعدّ المطلة، رمزاً للصهيونية الرائدة المبكرة، نصف مدمّرة بسبب صواريخ «حزب الله» وقذائفه.

كانت المطلّة، المنتجع الجبلي الإسرائيلي الخلاّب ذات مرّة، تطلّ على مناظر بانورامية إلى لبنان. اليوم، باتت البلدة محظورة على المدنيِّين. تعرّضت إلى قصف متواصل من «حزب الله»، ما جعل كل منزل تقريباً متضرّراً أو تحوّل إلى أنقاض. خلال السنة الأخيرة من القتال، كانت البلدة واحدة من أكثر الأماكن تضرّراً في إسرائيل.
تأسّست المطلّة قبل أكثر من قرن، وتُعتبر رمزاً تاريخياً للصهيونية. هذه البلدة الحدودية الريفية هي أبعد نقطة شمالاً في إسرائيل، وتشبه إصبعاً ممتداً إلى لبنان الذي يحيط بها من ثلاث جهات. تمّ إجلاء نحو 2500 من سكانها رسمياً منذ عام، وذلك للمرّة الأولى منذ تأسيس دولة إسرائيل في عام 1948. الآن، وعلى الرغم من أنّ القوات البرية الإسرائيلية تطارد مقاتلي «حزب الله» في جنوب لبنان، إلّا أنّ مستقبل المطلّة لا يزال مجهولاً.
وفقاً لعمدة البلدة، ديفيد أزولاي، فإنّ 30% من الذين تمّ إجلاؤهم لا يَنوون العودة بغضّ النظر عن نتيجة الحرب. ويشير إلى أنّ الذين غادروا إلى الأبد يشمل العديد من العائلات التي لديها أطفال صغار.
وأوضح أزولاي: «نسمّيها جيباً، محاطة شمالاً وشرقاً وغرباً بلبنان»، مضيفاً أنّ ما يصل إلى 90% من المنازل مكشوفة، في خط رؤية مباشر من القرى اللبنانية عبر الحدود. إحداها، كفركلا، تبعُد أقل من نصف ميل.
وأضاف: «هناك أحياء حتى نحن لا ندخلها»، مشيراً إلى حوالى 20 فرداً من فريق الاستجابة المسلّحة المدني في المطلّة الذين بقوا لحماية البلدة، إلى جانب عدد قليل من عمال المجلس الأساسيّين وتدفق من الجنود.
في أحد أيام الأسبوع الأخيرة في منتصف تشرين الأول، بعد أقل من أسبوعَين من بدء إسرائيل غزوها لجنوب لبنان، سمحت القوات الإسرائيلية لمجموعة صغيرة من الصحافيِّين بالدخول إلى المطلّة، داخل ما تمّ إعلانه منطقة عسكرية مغلقة، لإلقاء نظرة نادرة على الأضرار والتحدّيات التي تواجه البلدة. رافق المسؤولون العسكريون المجموعة في معظم الأوقات، لكن لم تُفرض سوى قيود قليلة.
أثناء صعود الطريق المتعرّج إلى المطلّة من مدينة كريات شمونة المهجورة إلى حَدّ كبير، حذّر أزولاي من ربط أحزمة الأمان للسماح بالخروج السريع في حال حدوث هجوم صاروخي. كانت بندقيته الهجومية ملقاة على مقعد الراكب.
خاضت إسرائيل و«حزب الله»، الجماعة الشيعية اللبنانية المدجّجة بالسلاح والمدعومة من إيران، حرباً في عام 2006، تلتها حوالى 17 عاماً من الهدوء المتوتّر على طول الحدود. لكنّ سكان المجتمعات الحدودية الإسرائيلية يقولون إنّهم عاشوا منذ فترة طويلة بشعور من القلق. كانوا يَرون أشخاصاً يشتبهون في أنّهم من عناصر «حزب الله» يقتربون من السياج الحدودي ويراقبونهم. ولأعوام، كانوا يشكّون من أصوات غريبة للحفر في الليل.
في عام 2018، أعلنت القوات الإسرائيلية أنّها كشفت أنفاقاً عدة تابعة لـ«حزب الله» تمرّ تحت الحدود، بما في ذلك نفق على الأقل يصل إلى المطلّة من قرية كفركلا.
تجلّى الخوف من الاجتياح بشكل مرعب في 7 تشرين الأول العام الماضي، مع الهجوم الذي قادته «حماس» ضدّ جنوب إسرائيل، والذي تقول السلطات الإسرائيلية إنّه أسفر عن مقتل حوالى 1200 شخص، وأشعل فتيل الحرب في غزة. منذ ذلك الحين، قُتل أكثر من 42 ألف شخص في غزة، وفقاً لمسؤولين صحيِّين هناك.
في 8 تشرين الأول من العام الماضي، تضامناً مع «حماس»، بدأ «حزب الله» بإطلاق النار على مواقع إسرائيلية، ثم على المجتمعات، ما أشعل تبادلاً للصواريخ والقذائف عبر الحدود، وتسبّب في نزوح عشرات الآلاف من المدنيِّين على جانبَي الحدود.
بعد كسر المعادلة، شنّت إسرائيل هجوماً ضدّ «حزب الله» الشهر الماضي، حيث فجّرت مئات «البيجرات» التابعة لعناصر الجماعة قبل قتل قائدها حسن نصر الله وعدد من كبار القادة، ثم أرسلت قوات برية في 30 أيلول.
أهداف الحرب الإسرائيلية المعلنة في لبنان هي إضعاف البنية التحتية العسكرية لـ«حزب الله»، خصوصاً في المنطقة المحاذية للحدود، حتى يتمكن 60 ألفاً من الذين تمّ إجلاؤهم من شمال إسرائيل من العودة بأمان إلى منازلهم.
لا يمكن التنبّؤ بمدة استمرار ذلك، سواء من خلال القتال أو الديبلوماسية. منذ الغزو البري، حلّت الصواريخ وقذائف الهاون والطائرات المسيّرة التي أُطلقت من خطوط «حزب الله» الجديدة شمالاً إلى حدّ كبير، محل وابل الصواريخ المضادة للدبابات التي كانت تُطلق على المطلّة من القرى اللبنانية القريبة. وتوفّر المسافة الإضافية بضع ثوانٍ إضافية للإنذار المبكر والمزيد من الاعتراضات، بحسب العمدة، لكنّ أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية ليست محكمة.
خلال أقل من ساعتَين من الزيارة، انطلقت صفارات الإنذار مرّتَين في المطلة، ما دفع الجميع للهرب إلى الملاجئ. وفقاً للجيش، أطلق «حزب الله» ما لا يقل عن 16 قذيفة باتجاه المناطق الجبلية الشمالية لإسرائيل خلال تلك الفترة، وسقطت اثنتان من القذائف الفاشلة في لبنان.
لا تزال بقايا جزء من صاروخ أُطلق هذا الشهر عالقة في الجدار الخارجي المدمّر لأحد المنازل، الذي كان قد تعرّض سابقاً إلى هجوم بصواريخ مضادة للدبابات قبل ثلاثة وأربعة أشهر. وذكر أزولاي أنّ صاروخاً آخر قد اخترق سقف منزل آخر قبل أربعة أيام من الزيارة، تاركاً فتحة كبيرة في سقف المطبخ.
كانت شوارع البلدة مهجورة. محطة الحافلات الصفراء وصناديق إعادة التدوير البرتقالية كانت تذكّر بالحياة القديمة هناك.
عند سؤاله عمّا سيستغرقه الأمر لإعادة بعض السكان إلى منازلهم، أجاب أزولاي: «إزالة تهديد الصواريخ المضادة للدبابات، تحييد جميع الأنفاق في المنطقة، وإزالة جميع مخاطر التسلّل».
بدأت المطلّة الحديثة في عام 1896، عندما انتقلت حوالى 60 عائلة إلى أرض اشتراها البارون إدموند جيمس دي روتشيلد، وهو صهيوني قوي، من مالك أراضٍ لبناني، وأزاحوا مزارعي الدروز الذين كانوا يسكنونها سابقاً. في البداية، كانت البلدة تُعتبر جزءاً من لبنان. في عشرينات القرن الماضي، ضُمّت المطلّة إلى حدود الانتداب البريطاني على فلسطين، ولاحقاً إلى إسرائيل، على الرغم من أنّ جزءاً من أراضيها الزراعية ظل في لبنان.
لقد جعلها موقعها جسراً وأيضاً هدفاً. حتى قبل الغزو الإسرائيلي السابق للبنان في عام 1982، وأثناء احتلاله اللاحق الذي استمرّ 18 عاماً لجنوب لبنان، كانت المطلّة نقطة العبور الرئيسية في «السياج الجيد»، وهو الحدود المحاذية التي سُمح للبنانيّين بعبورها يومياً لتلقّي الرعاية الطبية أو العمل في إسرائيل. تأسّس «حزب الله» في الثمانينات بمساعدة من إيران لمحاربة ذلك الاحتلال، الذي انتهى في عام 2000.
ليئور بيز، عضو فريق الاستجابة المدنية، هو مزارع من الجيل الثالث في المطلّة. وصل جده من روسيا في عام 1924 وأصبح قائداً محلياً للنطرين، وهي قوة شرطة شبه عسكرية يهودية أنشأتها السلطات البريطانية في الثلاثينات لحماية المستوطنات اليهودية، بحسب بيز. وأضاف أنّ جده كان يحتفظ بمخبأ للأسلحة في المنزل لصالح الهاغاناه، المنظمة الصهيونية السرّية قبل قيام الدولة.
تدير عائلة بيز مركزاً للتراث ونزلاً في البلدة. مرتبطاً بشكل عميق بالأرض، أوضح إنّ المطلة قبل الحرب كانت مجتمعاً حميماً «يعرف فيه الجميع بعضهم البعض».
تعيش والدته منذ عام في فندق في طبريا، على بُعد ساعة بالسيارة جنوباً. ويخدم أقارب آخرون في وحدات قتالية في غزة ولبنان. وأضاف: «أخيراً، نشعر بالتغيير»، معبّراً عن شعور بالارتياح الذي يشعر به العديد من سكان شمال إسرائيل تجاه العمل العسكري ضدّ «حزب الله».
وكغيره من السكان هناك، أعرب عن أمله في أن تكون إسرائيل «قوية بما يكفي لفرض الواقع الجديد عبر الحدود»، أي إزالة التهديدات الفورية من «حزب الله» حتى بعد انتهاء الحرب.
في «غرفة حرب» صغيرة في مبنى المجلس المتواضع في المطلّة، يراقب الموظفون باستمرار الشاشات بحثاً عن أي نشاط عدائي في القرى اللبنانية عبر الحدود، ويبلغون الجيش عند رصد أي تحرّكات مشبوهة.
أظهرت لقطات فيديو عُرضت في «غرفة الحرب» 4 صواريخ مضادة للدبابات يتمّ إطلاقها خلال دقيقة واحدة من إحدى القرى، وكلّها أصابت منزلاً مهجوراً في المطلّة. تخترق الصواريخ المضادة للدبابات الجدار الخارجي، ثم تنفجر في الداخل.
المنازل التي قال العمدة إنّها تعرّضت إلى صواريخ «فلق»، الإيرانية الصنع، قد تجرّدت أسقفها حتى أصبحت كالهياكل العظمية، وتسبّبت الانفجارات في إلحاق الضرر بحوالى 15 منزلاً آخر قريباً.
خلال جولة في البلدة، أخذ العمدة الصحافيِّين إلى أحد المنازل، الذي تحوّل جزئياً إلى أنقاض، والذي كان يملكه جامع للآلات الموسيقية القديمة. بدت بعض الآلات، بما في ذلك الأرغن، سليمة؛ في حين دُمِّرت أخرى.
في حديقة منزل آخر مدمّر، كانت أشجار نحيفة مصطفة تحمل ثمار الرمان الحمراء الناضجة. وفي الفناء المجاور، كانت البرتقالات السوداء معلقة على أغصان محترقة.
قال أزولاي إنّ منزله تعرّض إلى بعض الأضرار، لكنّه يقيم الآن في مبنى المجلس المحمي. وأثناء حديثه، ارتفع صوت صفارات الإنذار وملأ الأجواء. بعد لحظات، وبينما كان جالساً في ممر منزل نصف مدمّر، تردّد دوي صاروخ معترض في السماء فوقه.

theme::common.loader_icon