صرّحت الأمم المتحدة أنّ «استهداف العمليات الصحية والإغاثية يتوسّع» في لبنان. وكشفت المستشفيات أنّها أُجبرت على الإغلاق أو تواجه صعوبة في مواصلة العمل.
كانت الساعة 12:54 بعد منتصف الليل، ولم يَنم إيلي هاشم منذ أيام عندما اتصلت به رئيسة التمريض في مستشفاه ببيروت في حالة من الذعر.
أعلنت القوات العسكرية الإسرائيلية أنّها ستبدأ في قصف «منشآت حزب الله» في المنطقة، وأمرت المستشفى بالإخلاء. كان هناك عشرات الموظفين والمرضى لا يزالون في الداخل، من بينهم أطفال خدّج مَوصولون بأجهزة حاضنة، بحسب هاشم.
«كان لدينا 20 دقيقة فقط»، أضاف وهو يَصف الأحداث التي جرت هذا الشهر في مستشفى القديسة تيريزا في ضواحي بيروت، حيث يعمل كمدير.
وقعت الضربة الجوية على بُعد 80 ياردة فقط من المستشفى، وتسبّبت بأضرار جسيمة، إذ انهارت الأسقف وغمرت المياه أجزاء من المنشأة الصحية، على الرغم من أنّ أحداً لم يُصب بأذى، بحسب ما أفاد هاشم.
في اليوم التالي، خوفاً من نفاد حظهم، أمر هاشم بإغلاق المستشفى المسيحي، وأقرّ «الموظفون مصدومون».
يقع مستشفى القديسة تيريزا بالقرب من الضاحية، وهي منطقة مكتظة بالسكان المدنيِّين وتجاور بيروت، حيث يتمتع «حزب الله» بنفوذ، وقد تعرّضت هذه المنطقة إلى قصف جوي إسرائيلي مكثّف. ويُعَدّ المستشفى واحداً من 9 مستشفيات على الأقل في لبنان أُغلِقت أو أصبحت غير فعّالة جزئياً، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.
وصرّحت الأمم المتحدة أنّ بعض المستشفيات أُغلِقت بعدما تعرّضت إلى أضرار جراء الهجمات. أمّا الأخرى، فتُركت بعدما هرب الموظفون خشيةً على سلامتهم. وتشير المستشفيات التي لا تزال تعمل، إلى أنّها سرعان ما بدأت تفتقر إلى الأسرّة بعدما جُلِبَ إليها مرضى من منشآت أخرى.
في الشهر الماضي، شنّت إسرائيل هجوماً كبيراً على لبنان، مستهدفةً قادة «حزب الله»، الجماعة الشيعية المسلّحة والسياسية، ودمّرت جزءاً كبيراً من ترسانتها. وقد أجبر القصف ما يقرب من مليون شخص على مغادرة منازلهم.
بدأ «حزب الله» بإطلاق صواريخ على مواقع إسرائيلية دعماً للهجوم الذي قادته «حماس» في 7 تشرين الأول 2023. وقد تبادل «حزب الله» والجيش الإسرائيلي الضربات خلال العام الماضي، ما أدّى إلى تهجير مجتمعات على جانبَي الحدود.
ويؤكّد مسؤولو الأمم المتحدة، أنّ الضربات الجوية الإسرائيلية واسعة النطاق «عشوائية»، وأنّ تصاعد الهجمات قد أغرق النظام الصحي اللبناني المرهق بالفعل. وقُتِل أكثر من 2300 شخص وجُرح أكثر من 10,000 في لبنان منذ بداية الصراع قبل عام، وكانت الغالبية العظمى من الضحايا، خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، وفقاً لوزارة الصحة اللبنانية.
واتهمت القوات العسكرية الإسرائيلية «حزب الله» بدمج نفسه في البنية التحتية المدنية، بما في ذلك المستشفيات. ونفى المسؤولون اللبنانيّون هذا الادّعاء، كما نفى «حزب الله» أنّه يعمل في مواقع مدنية.
وأدّت الضربات الإسرائيلية التي قتلت قائد «حزب الله» حسن نصر الله، بالإضافة إلى الضربات الأخرى التي أسفرت عن مقتل قادة آخرين لـ«حزب الله»، إلى تكثيف الهجمات على الضاحية.
ومنذ أن اشتدّ الصراع مع «حزب الله» قبل ثلاثة أسابيع، ذكرت منظمة الصحة العالمية أنّها سجّلت 16 هجوماً على القطاع الصحي اللبناني، فقُتِل 65 عاملاً. وأعلن مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أنّ المستشفيات والعيادات وسيارات الإسعاف تعرّضت جميعها إلى القصف وسط الحرب.
وأشار هاشم، مدير مستشفى القديسة تيريزا، إلى أنّه «نحتاج إلى ضمانات بأنّ موظفيّ بأمان ومرضاي بأمان. لا أريد إغلاق المستشفى. المجتمع بحاجة إلينا».
وأكّد أنّ الموظفين عملوا على مدار الساعة لعدة أيام لإصلاح الأضرار التي لحقت بالمستشفى في وقت مبكر من هذا الشهر. وأضاف أنّ إصلاح الأضرار كان عبئاً مالياً كبيراً على المستشفى الخاص، لأنّه لم يتلقَّ سوى القليل من التمويل من الحكومة اللبنانية المثقلة بالأعباء.
مع ذلك، بحلول ظهر يوم الأحد الماضي، كانوا مستعدّين لإعادة فتح المستشفى. ثم، ومن دون أي تحذير، سقطت ضربة جوية إسرائيلية أخرى بالقرب من المستشفى - ممّا تسبّب بإلحاق أضرار جديدة بها، بحسب هاشم، مضيفاً «عدتُ إلى النقطة الصفر».
أدان وزير الصحة اللبناني، فراس الأبيض، الضربات الإسرائيلية على المنشآت الصحية، واعتبر في مقابلة أنّ «هذا ليس شيئاً يحدث كفعل من الطبيعة. المدنيّون ليسوا فقط مستهدفين، بل يُمنعون من تلقّي المساعدة».
وكشف منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في لبنان، عمران ريزا، هذا الشهر، أنّ «استهداف العمليات الصحية والإغاثية يتوسّع»، واصفاً تلك الهجمات بأنّها «انتهاكات جسيمة» للقانون الإنساني الدولي.
وأعلن الجيش الإسرائيلي يوم الخميس، أنّه «يضرب فقط على أساس الضرورة العسكرية». وأضاف الجيش، من دون تقديم أدلة، أنّ «حزب الله زاد من استغلاله لمركبات الإنقاذ الطارئة» مثل سيارات الإسعاف لنقل المقاتلين وأعضاء آخرين في الأيام الأخيرة، ممّا يجعلها، من وجهة نظر إسرائيل، أهدافاً مشروعة. وقد نفى المسؤولون اللبنانيّون ومديرو المستشفيات هذه المزاعم.
وتضرّرت المستشفيات في جنوب لبنان، حيث يُجري الجيش الإسرائيلي غزواً برياً، بشكل خاص. وأغلِقت ثلاث مستشفيات رئيسية على الأقل في المنطقة، كانت تخدم سابقاً الآلاف من الناس، بسبب الأضرار أو هروب الطواقم.
وقد نُقل العديد من المرضى إلى مستشفى رفيق الحريري الجامعي، وهو أكبر مستشفى عام في البلاد، ويقع في ضواحي الضاحية، ولم يُستهدف حتى الآن بشكل مباشر.
لأسابيع، كانت المنطقة المحيطة به تتعرّض إلى القصف الجوي الإسرائيلي، ما أدّى إلى تفريغ الشوارع التي كانت تعجّ بالحياة سابقاً، وتحويل المباني السكنية بأكملها إلى أنقاض، إذ كان الجيش الإسرائيلي يستهدف «حزب الله». لكنّ المرافق الصحية التي تقع في المنتصف تتساءل عمّا إذا كانت ستصبح قريباً هدفاً أيضاً.
ويشير الدكتور جهاد سعاده، مدير مستشفى رفيق الحريري، إلى «إنّنا نتوقع الأسوأ»، مضيفاً أنّ الموظفين مرهقون، وينام البعض في المستشفى. بينما يخشى آخرون الذهاب إلى العمل - خوفاً من التعرّض إلى الغارات الجوية خلال تنقلاتهم أو من احتمال تعرّض عائلاتهم للقتل أو الإصابة بينما هم بعيدون من المنزل.
يحتوي المستشفى على 550 سريراً، لكنّه يقترب بسرعة من طاقته الاستيعابية مع تدفّق المرضى من المرافق الصحية الأخرى. فيؤكّد سعاده أنّ «كل شيء له حدوده. إذا استمر الوضع، فسيكون ممتلئاً».
عمل الدكتور سعاده في الحروب من قِبل. وبدأ مسيرته الطبية في عام 1982، في العام الذي غزت فيه إسرائيل لبنان. ويشير إلى أنّ الضغط الذي يعاني منه النظام الصحي اللبناني اليوم يشبه كثيراً عام 2006، عندما خاضت إسرائيل و«حزب الله» صراعاً كبيراً - قُتل فيه أكثر من 1000 شخص في لبنان، معظمهم من المدنيِّين. وعدد القتلى في الأسابيع الأخيرة تجاوز بالفعل هذا الرقم، فاعتبر أنّ «الشوارع ليست آمنة».