لم يعد السؤال هل سيقصف سلاح الجو اليوم، بل أين سيقصف؟ وماذا يخبئ من مفاجآت في بنك الاغتيالات والاستهدافات العسكرية والمربعات الجغرافية. فلا صوت يعلو فوق صوت الغارات والمدافع والصواريخ، ولا مشهد يتقدّم على صور الدمار الهائل الذي يلحق بالبلدات والقرى الجنوبية والبقاعية ومختلف الأماكن التي يغير عليها العدو بحجج مختلفة...
وإزاء هذا الواقع المأسوي «اصبح الانتظار قدراً وليس خياراً»، بحسب ما قال مصدر سياسي بارز لـ«الجمهورية»، مؤكّداً في المقابل «انّ الاتصالات لا تألو جهداً في طلب تدخّل الأطراف الدولية الفاعلة للضغط على إسرائيل لوقف عدوانها على لبنان مع ارتفاع وتيرة الخوف من أن يمارس نتنياهو حفلة جنون أخرى، ويُدخل الدولة ومؤسساتها وبناها التحتية في أجندة هذا العدوان».
واشار المصدر إلى «انّ الهمّ الأول اليوم هو وقف إطلاق النار. أما الحل السياسي الداخلي وانتخاب الرئيس، ورغم المساعي الحثيثة والمواقف، لا تزال دونه عقبات كثيرة، تبدأ بتعذّر التوافق حول اسم من لائحة الأسماء المتداولة، إضافة إلى العرقلة التي تمارسها المعارضة، والتي تتحدث في العلن عن أنّها تنتظر تعيين الجلسة من دون شرط التوافق المسبق على اسم الرئيس، بينما في الحقيقة هي تستمهل لتستثمر على الميدان نتيجة وعود، إمّا وعدت نفسها بها وامّا التقطت إشارات خارجية حولها». وكشف المصدر، انّ هناك لائحة تتضمن أسماء لا تتعدّى اصابع اليد يجري الحديث عنها في الكواليس، لكنها تشترط تأمين 86 نائباً حضور من دون غياب اي مكون.
لا نتائج
في غضون ذلك، لم تثمر غزارة التحركات والاتصالات الجارية في مختلف الاتجاهات عن اي تقدّم ملموس في اتجاه وقف النار ونسج تسوية تنهي العدوان الإسرائيلي المتواصل فصولاً على لبنان، فكل ما يرشح ما زال يصبّ في خط التشاؤم.
وأبلغت اوساط واسعة الاطلاع الى «الجمهورية»، انّ بعض المسؤولين اللبنانيين تلقّوا من جهات خارجية إشارات سلبية حول المسار المحتمل للوضع في الأيام المقبلة، معتبرة انّ ذلك يعني «انّ اي تفاؤل بالانفراج هو سابق لأوانه».
واشارت هذه الاوساط الى «انّ هناك تعقيدات لا تزال تحول دون إمكان التوصل إلى وقف إطلاق النار قريباً»، لافتةً إلى «انّ رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عازم في هذه المرحلة على التصعيد ضدّ إيران ومواصلة العدوان على لبنان، في محاولة لفرض شروطه وتغيير الواقع اللبناني والإقليمي، وبالتالي فإنّ المخاض الميداني مستمر حتى إشعار آخر، ويبدو انّه هو الذي سيُقرّب احتمالات التهدئة أو يؤخّرها، تبعاً للوقت الذي سيستغرقه نتنياهو حتى يقتنع بالحقائق الموضوعية».
وفي السياق، وعلى رغم من الدعم الأميركي لمطالب لبنان بخفض مستوى العنف ضدّ السكان في بيروت وضاحيتها الجنوبية، فإنّ مصادر مواكبة تحدثت لـ«الجمهورية» عن تجاذب يدور اليوم بين الحكومة اللبنانية من جهة والولايات المتحدة وحلفائها الغربيين من جهة أخرى، على خلفية التسوية التي ستتوقف الحرب على أساسها. فالاتجاه الأميركي والغربي يميل إلى مراعاة الشروط الإسرائيلية لجهة تجاوز القرار 1701، والتشديد على تطبيق القرار 1559 الداعي إلى حل التنظيمات المسلحة غير الشرعية. لكن لبنان الرسمي أطلق مساراً مقابلاً لهذا الاتجاه، قوامه التركيز على الـ1701 بمعزل عن القرارات الأخرى، وإحياء النص المتعلق ببسط سيادة الدولة، الوارد في وثيقة الوفاق الوطني المعروفة بـ«اتفاق الطائف».
لكن أوساطاً ديبلوماسية غربية في بيروت وصفت لـ«الجمهورية» طروحات الجانب الرسمي اللبناني بأنّها لم تعد كافية وتجاوزتها الأحداث، وأنّ الإشارات الواردة من إسرائيل تؤكّد رفضها وقف الحرب إلّا بضمانات يقرّها مجلس الأمن الدولي، تحت الفصل السابع. وتخشى المصادر المواكبة أن ترفع إسرائيل وتيرة الحرب في شكل جنوني، كما يهدّد مسؤولوها، من قبيل التحاور مع لبنان بالنار ومحاولة فرض الخيارات بالقوة.
ضمان أميركي
وفي الوقت الذي ظل رئيس مجلس النواب نبيه بري في متابعة دؤوبة لتطورات الاوضاع وفصول العدوان الاسرائيلي، مجرياً ومتلقياً اتصالات داخلية وخارجية تركّز على وقف هذا العدوان، اكّد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي «أنّ الاتصالات الدولية قائمة للوصول الى وقف اطلاق النار وتعزيز دور الجيش وتطبيق القرار 1701». وشدّد على «أننا نسعى الى تأمين موافقة دولية مسبقة قبل عرض الموضوع على مجلس الامن الدولي، خصوصاً وأنّ معظم الدول متعاطفة مع لبنان». واشار الى «انّ في خلال اتصالاتنا مع الجهات الاميركية الاسبوع الفائت اخدنا نوعاً من الضمان لتخفيف التصعيد ضدّ الضاحية الجنوبية وبيروت، والاميركيون جادون في الضغط على اسرائيل للتوصل الى وقف اطلاق النار». ولفت في حديث لقناة «الجزيرة» الى «انّ الاجراءات المشدّدة المتخذة في المطار هي لتفادي أي ذريعة يستغلها العدو الاسرائيلي». وقال: «انّ الجيش مستعد لتعزيز وجوده في الجنوب بحدود 10 آلاف جندي اضافي، ولكنه يحتاج الى كثير من العتاد، وهذه مسألة اساسية لتنفيذ القرار 1701. اما ربط هذا القرار بقرارات اخرى مثل القرار 1559، فلا لزوم لها او للحديث عنها، لانّها ستتسبب بخلافات اضافية».
قمة روحية
وفي هذه الأجواء، تتجّه الأنظار اليوم إلى بكركي التي ستستضيف عند الساعة الحادية عشرة قبل ظهر اليوم قمة روحية إسلامية ـ مسيحية وصفت بالاستثنائية في ضيافة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ومشاركة جميع رؤساء الطوائف المسيحية والإسلامية.
وعلمت «الجمهورية»، أنّ هناك مشروع بيان أعدّ بالصيغة الأولى يتناول مختلف التطورات على الساحة اللبنانية، ولا سيما ما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي، حيث سيؤيّد المجتمعون الدعوة الى انتخاب رئيس جمهورية توافقي. كذلك سيتناول البيان مواقف تتصل بالعدوان الاسرائيلي على لبنان والقضايا الناجمة عن تردداتها الخطيرة على لبنان واللبنانيين، خصوصاً على مستوى الشهداء نتيجة المجازر المرتكبة على مساحة لبنان، وازمة النازحين التي فاقمت الوضع في ظل النزوح السوري.
الحراك الخارجي
وعلى صعيد الحراك العربي، قال امير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني خلال افتتاحه الدورة الـ53 لمجلس الشورى، انّ «ما تشهده منطقتنا من أحداث وتطورات بالغة الدقة والخطورة، تهدّد أمن واستقرار المنطقة والعالم بأسره».
واكّد انّ «إسرائيل تستغل فرصة تقاعس المجتمع الدولي وتعطيل مؤسساته وإحباط قراراتها لتنفيذ مخططات استيطانية خطيرة في الضفة الغربية، وراحت توسع عدوانها على لبنان»، وتابع: «حذّرنا من التصعيد الخطير للعدوان الإسرائيلي الذي تتسع رقعته يومياً ومن عواقبه على دول الجوار والمنطقة». ودان «العمل العسكري الإسرائيلي في لبنان وتهجير أكثر من مليون لبناني»، متهماً إسرائيل بتوسيع النزاع «لتنفيذ مخططات معدة سلفاً» في الضفة الغربية ولبنان.
«اليونيفيل»
وفي ظل استمرار اسرائيل في الاعتداء على قوات حفظ السلام الدولية العاملة في الجنوب (اليونيفيل) تزور رئيسة وزراء ايطاليا جورجيا ميلوني لبنان بعد غد الجمعة، وتلتقي المسؤولين اللبنانيين الكبار ثم تتوجّه الى الجنوب للقاء قائد قوات «اليونيفيل» وقائد الوحدة الايطالية العاملة ضمنها، وتتفقّد بعض مراكزها على رغم من أجواء التوتر في الجنوب واستهداف مقر قيادة «اليونيفيل» وعدداً من مراكزها في المنطقة.
واعتبرت ميلوني «انّ انسحاب اليونيفيل بناءً على طلب أحادي من إسرائيل سيكون خطأ فادحاً، وسيقوّض صدقية الأمم المتحدة».
ماكرون ونتنياهو
وكان نتنياهو ابلغ الى ماكرون خلال اتصال هاتفي بينهما امس معارضته «وقف إطلاق النار من جانب واحد» مع «حزب الله» في لبنان. وأفاد بيان لمكتبه أنّه قال للرئيس الفرنسي خلال المحادثة الهاتفية «إنّه يعارض وقفاً لإطلاق النار من جانب واحد، لا يؤدي الى تغيير الوضع الأمني في لبنان، ويعيده فقط الى ما كان عليه».
وفي وقت لاحق، اشار مكتب نتنياهو الى «اننا نذكّر رئيس فرنسا أنّ قرار الأمم المتحدة لم يكن هو الذي أسس دولة إسرائيل».
رداً على ايران
والى ذلك، أعلن نتنياهو أنّ إسرائيل ستأخذ في الاعتبار رأي الولايات المتحدة لكنها ستقرّر ردّها على الهجوم الصاروخي الإيراني بناءً على «مصلحتها الوطنية»، وفق ما أفاد مكتبه في بيان امس. وقال: «إننا نستمع إلى آراء الولايات المتحدة لكننا سنتخذ قراراتنا النهائية بناءً على مصلحتنا الوطنية».
فيما نقلت صحيفة «يسرائيل هيوم» عن وزير الدفاع يوآف غالانت قوله: «سنردّ على إيران قريباً وردّنا سيكون مميتاً ودقيقاً». وأوضح أنّه «قبل عام كنا في مرحلة منخفضة جدّاً، اليوم قضينا كلياً على قدرة «حماس» على العمل كمنظمة، والوضع في «حزب الله» سيصبح مشابهاً في نواحٍ عدة»، معتبراً أنّ «تحرّك إيران ضدّنا يعود إلى قطع هذين الذراعين بمقدار كبير جدّاً». وأعلن أنّ إسرائيل تتقدّم في خلق الظروف لإعادة سكان الشمال إلى منازلهم. وهدّد بأنّه «سيكون ردّنا دقيقاً ومؤلماً ومفاجئاً حيال إيران»، مؤكّداً أنّه «ليس لدينا نية للقبول بالإضرار بالسيادة، أو أي محاولة للإضرار بالمواطنين والبنية التحتية الإسرائيلية». وأشار إلى أن «ليس لدينا مصلحة في فتح جبهات إضافية».
في هذه الاثناء اكّد المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية، ديفيد منسر «أنّ الولايات المتحدة تُحول أقوالها بدعم إسرائيل إلى أفعال، من خلال إرسال منظومة الدفاع الجوي «ثاد» إلى تل ابيب.
بدوره، أعلن البنتاغون في بيان، امس عن إرسال منظومة «ثاد» للدفاع الصاروخي إلى إسرائيل. وذكر أنّ مكونات نظام «ثاد» بدأت بالوصول إلى إسرائيل امس، وأنّ النظام سيكون جاهزًا للعمل بكل طاقته في المستقبل القريب. كذلك أكّد وصول فريق متقدّم من أفراد الجيش الأميركي والمكونات الأولية اللازمة لتشغيل بطارية النظام، مع استمرار وصول أفراد عسكريين ومكونات إضافية على مدار الأيام المقبلة.
الموقف الايراني
في الموقف الايراني أشارت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية، الى انّ ايران «ترحّب بأي مقترحات للسلام ومستعدون للعب دور فيها لتحسين الأوضاع في غزة ولبنان»، معتبرة انّ «البشرية شهدت كارثة إنسانية العام الماضي ونعمل للحدّ من المعاناة بفلسطين ولبنان». وقالت: «لم نبدأ يوماً الحرب ضدّ أي دولة، ولدينا القدرة على الدفاع عن أنفسنا بعزيمة عالية»، مؤكّدة «اننا لن نتردّد ولن نتسرّع في الردّ بل سنردّ على أي اعتداء في الوقت والمكان المناسبين».
«حزب الله»
وعلى صعيد موقف «حزب الله»، أشار نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم، إلى أنّ «إسرائيل ومن وراءها يقاتلون ويرتكبون المجازر ونحن في وضع يتطلّب أن نتخذ موقفاً»، موضحاً أنّ «أملنا بالنصر لا حدود له». واضاف أنّ «لبنان يقع ضمن المشروع التوسعي الإسرائيلي». واشار الى أنّ نتنياهو «يريد شرق أوسط جديداً»، وقال: «نحن أمام خطر شرق أوسط جديد على الطريقة الإسرائيلية الأميركية».
وأعاد قاسم التذكير «بأننا طالبنا بوقف إطلاق النار في غزة لوقف إطلاق النار على إسرائيل»، وأوضح أنّ «المشروع الآن في المنطقة مشروع توسعي والمطلوب تحرير فلسطين». وشدّد على أنّ «من يسبّب الضرر للبنان ليس من يدافع عن البشر بل الذي يقتلهم»، مضيفاً «إذا لم نواجه إسرائيل فستصل إلى أهدافها». وقال: «إسرائيل تصنع ما تريد ولا تلتزم بأي قرار دولي»، وأضاف: «نحن أمام وحش هائج، وأبشركم أننا من سنمسك رسنه ونعيده إلى الحظيرة». وكشف «أننا انتقلنا من الإسناد إلى مواجهة حرب إسرائيل على لبنان منذ 17 أيلول مع هجوم البايجر». وأعلن أن «منذ اسبوع قرّرنا تنفيذ معادلة إيلام العدو والصورايخ أصبحت تصل لحيفا وما بعدها كما أرادنا سيدنا حسن نصرالله». وأكّد «أننا نستطيع استهداف أي نقطة في الكيان الإسرائيلي وسنختار النقطة المناسبة»، مشيرا إلى أنّ «الحل بوقف إطلاق النار ولا نتحدث من موقف ضعف. وإذا كان الإسرائيلي لا يريد ذلك فنحن مستمرون. وبعد وقف إطلاق النار بحسب اتفاق غير مباشر يعود المستوطنون إلى الشمال وترسم الخطوات الأخرى».
تحقيق في ايطو
من جهة ثانية، طالبت الأمم المتحدة بتحقيق «مستقل ومعمق» حول الغارة الإسرائيلية التي سقط خلالها 22 شهيداً في بلدة أيطو- قضاء زغرتا، على ما قال الناطق باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان جيرمي بورنس. واعلن مركز عمليات الطوارئ في وزارة الصحة العامة في بيان أنّ «غارات العدو الإسرائيلي يوم أمس على لبنان أسفرت عن 41 شهيداً وإصابة 124 بجروح. وبذلك ترتفع الحصيلة الإجمالية للشهداء منذ بدء العدوان حتى أمس إلى 2350 شهيداً و10906 جرحى.