اشتعلت جبهة الجنوب، حيث خاض رجال المقاومة مواجهات شرسة مع الجيش الاسرائيلي الذي يكرّر محاولاته لاجتياح اراضي المنطقة الحدودية، ومرتكباً مزيداً من الاعتداءات على قوة حفظ السلام الدولية (اليونيفيل)، ومواصلاً قصفه التدميري البري والجوي للمناطق الجنوبية. فيما ردّ «حزب الله» مساء أمس بغارة مسيّرات على قاعة بنيامينا التابعة للواء «غولاني» موقعاً فيها عشرات القتلى والجرحى من جنوده. فيما ارتفعت الأصوات المحلية والاقليمية والدولية المندّدة بالتعرّض الإسرائيلي لقوات «اليونيفيل»، الذي سيفرض نفسه على جلسة مجلس الأمن الدولي المقرّرة اليوم، خصوصاً بعد طلب رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو من الأمين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريش سحب هذه القوات، الامر الذي اعتبره لبنان «فصلاً جديداً من العدوان عليه وعلى الشرعية الدولية».
كشفت هيئة البث الإسرائيلية، أنّ المستوى السياسي أصدر تعليمات للجيش بوقف الغارات على بيروت عقب اتصال نتنياهو والرئيس الأميركي جو بايدن.
لكن مسؤولاً إسرائيلياً سارع لاحقاً الى الردّ على هيئة البث بالقول إنّ «لا صحة لصدور تعليمات من المستوى السياسي بوقف الغارات على ضاحية بيروت»، مضيفاً: «نحافظ على حرّية العمل في كل لبنان وفق أهدافنا».
في المقابل، أشار الإعلام الإسرائيلي إلى انّ الجيش الاسرائيلي قد يجدّد الضربات على بيروت بعد حادث استهداف «حزب الله» لقاعدة بنيامينا جنوبي حيفا.
وفي السياق، تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية ليلاً عن «إصابة نحو 100 جندي إسرائيلي في معارك لبنان وانفجار بنيامينا جنوبي حيفا اليوم».
بدورها أفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي، نقلاً عن مصدر عسكري، أنّ «هجوم بنيامينا (في حيفا) وقع بمسيّرة أطلقها «حزب الله»، وهو الأكثر دموية منذ بدء الحرب». وأكّدت الإذاعة أنّ «منظومات الدفاع الجوي فشلت في رصد الطائرة المسيّرة».
وسبق الهجوم على حيفا هجوم مزدوج بالمسيّرات والصواريخ على أهداف إسرائيلية في الشمال، وفق الإعلام الإسرائيلي.
وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» انّ «وزير الدفاع الإسرائيلي يؤاف غالانت أجرى امس تقييماً أمنياً مع الوزراء بشأن سير المعارك في الجبهة الشمالية».
وقال غالانت، إنّه «حتى بعد انسحاب الجيش من مناطق في جنوب لبنان لن نسمح لحزب الله بالعودة».
«حزب الله»
وأعلن «حزب الله»، في بيان، أنّه «دعماً لشعبنا الفلسطيني الصامد في قطاع غزة وإسناداً لمقاومته الباسلة والشريفة، ودفاعاً عن لبنان وشعبه، وفي إطار سلسلة عمليات خيبر وردًا على الاعتداءات الصهيونية وخصوصًا على أحياء النويري والبسطة في العاصمة بيروت وباقي المناطق اللبنانية، وردًا على المجازر التي يرتكبها العدو الصهيوني وبنداء «لبيك يا نصرالله»، نفّذت المقاومة الإسلامية مساء يوم الأحد 13-10-2024، عملية إطلاق سرب من المسيّرات الإنقضاضية على معسكر تدريب للواء غولاني في بنيامينا جنوب حيفا». وشدّد على أنّ «المقاومة الإسلامية ستبقى حاضرة وجاهزة للدفاع عن بلدنا وشعبنا الأبي والمظلوم، ولن تتوانى عن القيام بواجبها في ردع العدو. والله على كل شيء قدير».
تحذير نتنياهو لغوتيريش
وفي تطور خطير عشية جلسة مجلس الامن، وجّه رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو رسالة إلى الامين العام للامم المتحدة قال فيها: «إنّ رفض إجلاء قوات «اليونيفيل» موقتاً سيحولها رهائن لدى «حزب الله»، وإنّ إسرائيل ستبذل كل جهد ممكن لمنع سقوط خسائر في صفوفها، وستفعل ما في وسعها للفوز بالحرب. وأعبّر عن أسفي لأي ضرر لحق بقوات حفظ السلام».
ميقاتي يردّ
رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي وصل الى الاردن للقاء الملك عبدالله الثاني اليوم، ردّ ببيان على موقف نتنياهو قال فيه: «انّ التحذير الذي وجّهه نتنياهو الى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش للمطالبة بإبعاد قوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان، يمثل فصلاً جديداً من نهج العدو بعدم الامتثال للشرعية الدولية وقراراتها ذات الصلة. وهذا التصريح برسم المجتمع الدولي والامم المتحدة، ويجب ان يكون حافزاً جديداً لاتخاذ الموقف المناسب، بعدما انقلب نتنياهو على النداء الفرنسي ـ الاميركي المدعوم من دول اجنبية وعربية لوقف اطلاق النار». وأكّد «انّ لبنان الذي يدين موقف نتنياهو والعدوان الاسرائيلي على «اليونيفيل»، يجدّد تمسكه بالشرعية الدولية وبالقرار 1701 وبدور قوات الامم المتحدة في الجنوب وتعاونها الايجابي مع الجيش، ويطالب المجتمع الدولي بموقف حازم يوقف العدوان الاسرائيلي على لبنان والشرعية الدولية ايضاً».
مجلس الأمن
وفي هذه الأثناء تتجّه الانظار اليوم الى نيويورك حيث سينعقد مجلس الامن الدولي لمناقشة التقرير الخاص بالإحاطة النصف سنوية المنتظمة حول تنفيذ القرار 1559 الذي تبنّاه المجلس في أيلول 2004 في موعده السنوي مع حلول شهر تشرين الاول. وهو القرار الذي كان صدر عقب التمديد للرئيس اميل لحود، ودعا إلى «الاحترام الصارم لسيادة لبنان وسلامة أراضيه ووحدته واستقلاله السياسي تحت «السلطة الوحيدة والحصرية» للحكومة اللبنانية». كما دعا «القوات الأجنبية إلى الانسحاب من لبنان وحل ونزع سلاح جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية». كما أعرب عن «دعم مجلس الأمن لتوسيع سيطرة الحكومة اللبنانية على كامل أراضي لبنان».
وقالت مصادر ديبلوماسية لـ»الجمهورية»، انّ التقرير المنتظر ان تطرحه اليوم وكيلة الأمين العام للشؤون السياسية وبناء السلام روزماري ديكارلو، سيركّز خصوصاً على الاعتداءات التي طاولت قوات (اليونيفيل) وصدور مواقف دولية ترفض التعرّض لها، وهو أمر تشترك فيه كل الدول المشاركة في القوة والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، ومن غير المرجح ان تخطو هذه الدول في اتجاه الموقف الاميركي من الدعوة الى العمل على تطبيق القرار 1559، بما في ذلك فرنسا التي كانت الشريك الأساسي للولايات المتحدة في العمل على استصدار هذا القرار في 2004، والذي ادّى الى انسحاب الجيش السوري من لبنان في 26 نيسان 2005 بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط منه.
وتوقّعت مصادر ديبلوماسية لبنانية عبر «الجمهورية»، ان يعلو صوت ممثلي فرنسا وايطاليا واسبانيا في الجلسة، رفضاً لمجموعة اعتداءات الجيش الاسرائيلي على مواقع قوات «اليونيفيل»، بعدما رفضت هذه القوات إخلاءها بناءً على طلب إسرائيل. واشارت المصادر عينها الى نوعية الاعتداءات المباشرة، ومنها اقتحام آليات اسرائيلية لموقع لها وقصفه بقنابل دخانية تسببت بحالات إعياء لدى اكثر من 15 جندياً في موقع قريب من بوابة راميا على الحدود الجنوبية لجهة مستوطنة زرعيت.
حراك إقليمي ودولي
وعلى صعيد الحراك الاقليمي والدولي الهادف الى وقف النار وتجنيب المنطقة حرباً شاملة قد يتسبب بها الردّ الاسرائيلي المنتظر على إيران، افادت وكالة «إرنا» الرسمية الايرانية انّ الرئيس الايراني مسعود بزشكيان بحث مع نظيره الفرنسي ايمانويل ماكرون، خلال اتصال هاتفي بينهما امس، في «الآليات الكفيلة بوقف المواجهات وإرساء وقف اطلاق النار بين «حزب الله» والكيان الصهيوني». وعرضا لآخر التطورات الاقليمية وخصوصاً التصعيد في الجنوب اللبناني».
وقال بزشكيان إنّ ايران «ترحّب وتدعم اي اقتراح يهدف الى التهدئة والسلام والاستقرار في المنطقة»؛ داعياً ماكرون الى «بذل الجهود بمشاركة سائر القادة الاوروبيين لإرغام الكيان الصهيوني على التوقف عن جرائم الإبادة الجماعية وعدم ارتكاب مزيد من المجازر في غزة ولبنان». معتبراً «انّ المواقف الاخيرة للحكومة الفرنسية في إدانة إجراءات الكيان الصهيوني داخل لبنان، ووقف تزويده السلاح، ايجابية».
الى ذلك، أکّد رئیس البرلمان الايراني محمد باقر قالیباف، الذي زار لبنان امس الاول، انّه أكّد للمسؤولين اللبنانيين «أنّ إيران ستدعم أی اتفاق یوافق عليه لبنان بشعبه وحکومته ومقاومته».
وحذّر قاليباف في كلمته خلال اجتماع رؤساء برلمانات الدول الإسلامية أمس، علی هامش اجتماع الاتحاد البرلماني الدولي في جنيف، من أنّ «منطقتنا على وشك الانفجار، ولا يمكن توقّع سقوط آلاف الأطنان من القنابل والذخيرة على الأبرياء، وسيبقى كل شيء هادئاً؛ لقد عرّضت إسرائيل الاستقرار الجيو- سياسي والتوازن الاستراتيجي في المنطقة للخطر الشديد وتجاوزت حدودها». وقال: «نحن نسعى إلى وقف إطلاق النار في غزة ولبنان، ونعتقد أنّ الأميركيين وبعض الدول الغربية يستطيعون إجبار الکیان الصهیوني علی وقف إطلاق النار إذا أرادوا ذلك».
الموقف العراقي
في غضون ذلك، اكّد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لدى استقباله وزير الخارجية الايراني عباس عراقجي «أنّ بغداد تبذل كل ما في وسعها لوقف إطلاق النار بشأن غزة ولبنان». وأوضح أنّ «الأولويات التي تعمل عليها الحكومة الحالية، في ما يتعلق بأوضاع المنطقة، تتمثل في وقف العدوان الصهيوني على غزّة ولبنان، ومنع الكيان الغاصب من توسعة ساحة النزاع». وذكر انّ «العراق يبذل كل ما في وسعه لوقف إطلاق النار، بالتعاون مع الشركاء والأصدقاء الدوليين، وخصوصاً دول الاتحاد الأوروبي».
الاستحقاق الرئاسي
وعلى صعيد الاستحقاق الرئاسي وما حوله، أكّدت مصادر سياسية ناشطة على الخطوط الداخلية والخارجية لـ«الجمهورية»، انّ «هناك ضرورة ملحّة لانتخاب رئيس توافقي للجمهورية في هذه اللحظة المصيرية التي ينبغي أن تدفع الجميع، بمخاطرها وتحدّياتها، الى أن يتحسسوا بالمسؤولية»، معتبرةً «انّ الظروف باتت مؤاتية لإنجاز هذا الاستحقاق».
وأشارت المصادر الى انّه «لا يجب اعتبار العدوان الاسرائيلي على لبنان عائقاً امام انتخاب الرئيس، بل هو سبب إضافي للتعجيل في إتمام هذه العملية الدستورية وملء الشغور في قصر بعبدا بشخصية قادرة على حشد أكبر تأييد محلي وخارجي لها، حتى تستطيع مواجهة تحدّيات المرحلة المقبلة».
ودعت المصادر قوى المعارضة الى «ملاقاة المرونة اللافتة التي ابداها اخيراً الرئيس نبيه بري، معتبرةً انّ هناك اسماء عدة يمكن أن تكون موضع توافق واسع».
بحجم التحدّي
وكشفت مصادر ديبلوماسية لـ«الجمهورية»، أنّ الحكومة والمرجعيات الرسمية اللبنانية تلقّت مراجعات دولية، في الأيام القليلة الماضية، تطالبها بأن تبدي مزيداً من الجرأة والسرعة في تعاطيها مع ملف الحرب وفي اتصالاتها مع القوى المعنية، لأنّ المرحلة استثنائية والوقت ضاغط جداً ويستلزم اتخاذ خطوات بحجم التحدّي، وهو لا يتحمل البطء والتردد».
وحذّرت هذه المصادر من «أنّ إسرائيل تكرّر اليوم في الجنوب اللبناني سيناريو غزة القاضي بتحويله أرضاً محروقة. وهي لذلك تقوم باستهدافها المتعمد والمزدوج للجيش اللبناني وقوات «اليونيفيل» التي تتعرّض لضغوط هائلة لكي تخرج من منطقة عملها في جنوب الليطاني. والهدف هو تدمير هذه المنطقة والسيطرة عليها».
ورأت المصادر «أنّ على لبنان الرسمي أن يطلق مبادرات استثنائية، وفي أقرب ما يمكن، استباقاً لاندلاع المواجهة المحتملة بين إسرائيل وإيران، لأنّ البلد سيكون أحد مسارح هذه المواجهة، وسيتكبّد بنتيجتها أثماناً لا يستطيع تحمّلها».