فيما كان لبنان ينتظر اجتماع مجلس الأمن الدولي آملاً في خروجه بقرار يوقف إطلاق النار ويلجم العدوان الاسرائيلي، تواصل القصف الجوي مستهدفاً مدناً وبلدات وقرى جنوباً وبقاعاً، وقد طاول ليلاً محلتي النويري والبسطة في عمق بيروت التي تعجّ بالنازحين من مختلف مناطق الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت، موقعاً 18 شهيداً و92 جريحاً حسب معلومات اولية، وتبين انّ المستهدف بهاتين الغارتين كان مسؤول الارتباط والتنسيق في «حزب الله» وفيق صفا ولكنه نجا، حسب ما اكّد مسؤولون في الحزب لعدد من الوسائل الإعلامية.
وقال مصدر أمني لـ«الجمهورية»، انّ «لبنان سيدخل في مرحلة أشدّ سوداوية ، خصوصاً انّ عدونا لا يزال الآن في مرحلة تسجيل النقاط من دون تحقيق الأهداف، وإنجازاته التي يتغّنى بها هي القتل والاغتيال والدمار، ولم يحقق شيئاً من أهدافه المعلنة، وبالتالي سيستشرس اكثر لأجل الادّعاء انّه حقق الأهداف، وبالنسبة إليه لم تعد حربه جنوباً وشمالاً إنما انتقلت إلى النصف في تل ابيب، وهذا سيعقّد الأمور اكثر، وطالما انّ الصواريخ تتساقط طالما انّ الحسم سيبتعد، والخوف الأكبر هو إذا دخلنا مرحلة الفوضى مثل ما حصل في سوريا عام 2015، فسيكون هذا الأمر خطيراً جداً».
ورأى المصدر، انّ «حزب الله أعاد شيئاً من التوازن من خلال تماسك الجبهة على الجنوب، ولكن ليس إلى مستوى اجبار الطرفين على وقف الحرب، لأنّ نتنياهو لم يقبل بهذا الأمر، بعدما اعتقد انّه قضى على قوة الحزب، ولذا فإنّ المسار معقّد وصعب، بحسب المصدر، اقله حتى نهاية السنة وسنكون أمام مفاجآت كثيرة».
وقد صارح مرجع رسمي أحد زواره امس، بأن ليست هناك بعد بشائر جدّية لوقف إطلاق النار قريباً، «من دون أن يمنع ذلك من مواصلة المساعي وبذل أقصى الجهود الممكنة على كل الخطوط الديبلوماسية لمحاولة إنهاء العدوان الاسرائيلي في أقرب وقت ممكن على قاعدة تطبيق القرار 1701 بنحو متوازن من الجانبين اللبناني والاسرائيلي معاً».
ولاحظ المرجع، وفق ما نُقل عنه، انّه يبدو وكأنّ الغرب واميركا أعطيا رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو فرصة لا تزال سارية المفعول للسعي الى تحقيق أهدافه من الحرب التي يشنها على لبنان.
وعلى خط موازٍ للمساعي الأميركية، يراهن الفرنسيون على تتويج مساعيهم الديبلوماسية بالمؤتمر المقّرر عقده من أجل لبنان في باريس، في 24 الجاري، ويضمّ ممثلين عن اللجنة الخماسية والدول والجهات المانحة.
وقالت مصادر مواكبة لـ«الجمهورية»، إنّ جوهر التفكير الفرنسي هو إقناع لبنان بالموافقة على التطبيق الكامل للقرار 1701، ما ينتزع الذريعة من يد إسرائيل لمواصلة الحرب. ولكن، واقعياً، لم يتحقق من هذا الطرح، حتى الآن، سوى خطوة أولية هي إعلان «حزب الله» موافقته على وقف النار، بمعزل عن مسار الحرب في غزة.
ويعتبر الفرنسيون أنّ هذه الخطوة متقدمة، لكنها ليست كافية لإقناع الإسرائيليين بوقف الحرب. ووفق المصادر، فإنّ باريس ترى أنّ وقف الحرب يمكن أن يخلق مناخاً مناسباً لانطلاق المسار السياسي للحل في لبنان، لكن هذا الموقف يصطدم بموقف واشنطن التي تميل إلى مراعاة الطرح الإسرائيلي، أي الضغط على «حزب الله» حتى انتزاع اعترافه بالقرارات الدولية، أي الـ1701 والقرارات الأخرى ذات الصلة، قبل أي وقف للحرب.
وتخشى المصادر أن يؤدي هذا التباين إلى تطيير المؤتمر الذي تدعو إليه فرنسا، والذي من أجله كانت زيارة وزير خارجيتها جان نويل بارو لبيروت، أو إلى إفشاله في حال الانعقاد.
بري وميقاتي
ومجمل هذه التطورات عرضها رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي في لقائهما امس. وقال ميقاتي امام زواره «إنّ الاتصالات الديبلوماسية تكثفت في الساعات الماضية قبيل انعقاد جلسة مجلس الامن الدولي، بهدف السعي مجدداً الى وقف اطلاق النار، وبالتالي القيام بمزيد من الضغط لوقف العدوان الاسرائيلي على لبنان». واضاف: «هناك اتصالات تجري بين الولايات المتحدة وفرنسا، التي طلبت انعقاد مجلس الامن، بهدف إحياء الاعلان الخاص بوقف اطلاق النار لفترة محدّدة، لكي يصار الى استئناف البحث في الحلول السياسية». وقال: «لقد عبّرنا مجدداً خلال الاتصالات الديبلوماسية عن استعدادنا لتطبيق القرار 1701 شرط التزام اسرائيل بكل مندرجاته. كذلك شدّدنا على أولوية وقف العدوان الاسرائيلي الذي يتسبّب بسقوط اعداد كبيرة من الشهداء والجرحى، ولا يوفّر المدنيين وعناصر الاسعاف والاغاثة، وهذا امر يخالف كل القوانين والشرائع الدولية».
شروط اسرائيلية
في غضون ذلك، نسبت صحيفة «وول ستريت جورنال» الى مسؤولين أميركيين وعرب قولهم، إنّ إدارة الرئيس جو بايدن «تدفع نحو استخدام هجوم إسرائيل على «حزب الله» كفرصة لإنهاء هيمنة الجماعة المسلحة التي استمرت لفترة طويلة من خلال انتخاب رئيس لبناني جديد». وأكّدت أنّ «إدارة بايدن تسعى الى تشكيل حكومة لبنانية خالية من نفوذ «حزب الله» عقب الضربات الإسرائيلية».
وذكرت الصحيفة، انّ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن اتصل بزعماء قطر ومصر والمملكة العربية السعودية في الأيام الأخيرة لطلب دعم انتخاب رئيس لبناني جديد.
وأشارت، انّ المبعوث الأميركي الخاص إلى لبنان آموس هوكشتاين قال للمسؤولين العرب «إنّ إضعاف «حزب الله» بسبب الهجمات الإسرائيلية يجب أن يُنظر إليه على أنّه فرصة لكسر الجمود السياسي».
وإلى ذلك، نقل موقع «والا» العبري عن مصادر إسرائيليّة، أنّ رئيس «الموساد» ديدي بارنيع، سلّم رسالةً مهمّةً إلى رئيس وكالة المخابرات المركزيّة بيل بيرنز، تضمّنت شروطًا لوقف الحرب على لبنان. وأوضحت أنّ إسرائيل اشترطت لأيّ اتفاق مستقبلي لوقف إطلاق النّار مع «حزب الله» في لبنان، اتفاق تبادل للأسرى مع حركة «حماس» في قطاع غزة.
الموقف الإيراني
وفي غضون ذلك، قالت أوساط ديبلوماسية إيرانية لـ«الجمهورية»، انّ طهران تبذل جهوداً ديبلوماسية وسياسية مكثفة لوقف العدوان على لبنان.
ورأت الأوساط أنّ «لا أفق لنهاية العدوان الاسرائيلي على لبنان في المدى المنظور، في ظل استمرار الضوء الأخضر الأميركي لحكومة الاحتلال في المضي بعدوانها على لبنان وغزة، لمحاولة فرض ما يسمّى مشروع «الشرق الأوسط الجديد» الذي تحدث عنه نتنياهو، لكن المؤكّد هو أنّ المقاومة ستصمد وتواجه العدوان في كافة الميادين، ولن تسمح للعدو بتحقيق أهداف العدوان ولا بفرض الشروط الإسرائيلية الأميركية، ولن نكون أمام مشهد 1982 بل سنكون أمام مشهد انتصار جديد يفوق أهمية انتصار تموز 2006».
«اليونيفيل»
وفي ظل استمرار تصدّي رجال المقاومة لمحاولات الاسرائيلية لتخطّي الحدود الجنوبية، اعلنت قوات «اليونيفيل» في بيان عن تعرّض مقرّها العام في الناقورة والمواقع المجاورة للقصف بنحو متكّرر، وانّ جنديين ايطاليين منها أصيبا بجروح صباح امس، بعدما أطلقت دبابة ميركافا اسرائيلية النار في اتجاه برج مراقبة في المقر.
واعتبر وزير الدفاع الإيطالي غويدو كروسيتو، أنّ «ما قامت به اسرائيل تجاه الكتيبة الإيطالية جريمة حرب»، وقال في مؤتمر صحافي: «نريد ايضاحاً حول الموضوع، فقد كان هناك اعتداء صريح تمثل بإطلاق النار على الكتيبة الإيطالية وعلى كاميرات الأمان». وأضاف: «ليس لديّ معلومات كافية عن الحادث وانتظر الردّ الاسرائيلي. نحن هناك لتطبيق قرارات الامم المتحدة وخصوصاً الـ 1701، مع 40 دولة اخرى».
وقال رداً على سؤال عن سلاح «حزب الله»: «لبنان يمرّ بأزمة تلو الأخرى، والجيش اللبناني الذي نعمل معه لتطبيق قرارات الامم المتحدة يعاني ايضاً من الازمة التي قلّصت قدراته». وكان روسيتو استدعى في وقت سابق السفير الإسرائيلي في روما لـ «الاحتجاج بشدّة» على إطلاق النار على القوات الدولية.
وأفاد الوزير الإيطالي، بحسب بيان، أنّه «في وقت باكر هذا الصباح، تواصلت مع وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت للاحتجاج وتذكيره بشكل صارم بأنّ ما يحدث قرب القواعد الإيطالية لليونيفيل في جنوب لبنان هو أمر غير مقبول بالنسبة إليّ وبالنسبة للحكومة الإيطالية».
وأعلنت وزارة الجيوش الفرنسية، أنّ «فرنسا وإيطاليا ستطلبان اجتماعاً للدول الأوروبية المساهمة في قوة الأمم المتحدة بعد تعرّض قوات اليونيفيل لإطلاق نار في جنوب لبنان»، من جانب الجيش الإسرائيلي. فيما قالت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان: «ننتظر إيضاحات من السلطات الإسرائيلية»، مشدّدة على أنّ «حماية جنود قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام هي واجب على كل الأطراف في نزاع». ودانت الخارجية «أيّ تعدٍّ على سلامة قوة اليونيفيل».