الأزمة الإيرانية أشعلت نقاشاً جديداً حول انسحاب ترامب من الاتفاق النووي
الأزمة الإيرانية أشعلت نقاشاً جديداً حول انسحاب ترامب من الاتفاق النووي
مايكل كراولي- نيويورك تايمز
Wednesday, 09-Oct-2024 05:38

وصف الرئيس دونالد ج. ترامب الاتفاق بأنّه «أسوأ صفقة في التاريخ». لكنّ المنتقدين للانسحاب يقولون إنّ ذلك دفع إيران إلى تسريع برنامجها النووي.

 

مع استعداد إسرائيل للردّ على الهجوم الصاروخي الباليستي الذي شنّته إيران الأسبوع الماضي، يشعر مسؤولو إدارة بايدن بالقلق أكثر من أي وقت مضى من أنّ الولايات المتحدة قد تُجَرّ إلى حرب شاملة بين البلدَين.

تُعتبر هذه اللحظة واحدة من أكثر اللحظات المتفجّرة بين إيران والولايات المتحدة منذ الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979. وقد فتحت نقاشاً حول ما إذا كانت الأزمة ستكون أقل اشتعالاً لو لم تتحوّل السياسة الأميركية تجاه إيران من التعاون الحذر إلى المواجهة الغاضبة قبل سنوات عدة.

 

حدث هذا التحوّل في أيار 2018، عندما انسحب الرئيس دونالد ج. ترامب فجأةً من الاتفاق النووي الإيراني، وهو اتفاق توصّلت إليه إدارة باراك أوباما قبل ثلاث سنوات في محاولة لاحتواء برنامج إيران النووي.

 

كان ترامب قد وصفه بأنّه «أسوأ صفقة في التاريخ». لكنّ منتقدي انسحابه يقولون إنّ الانسحاب شجّع المتشدّدين الإيرانيِّين ودفع إيران إلى تسريع برنامجها النووي. وقد أثار تقدّم إيران قلق بعض المسؤولين الإسرائيليِّين الذين يجادلون بأنّ جَيشهم يجب أن يستغل اللحظة الحالية لإعاقة البرنامج عبر ضرب المنشآت النووية في البلاد.

 

يقدّر المسؤولون الأميركيّون أنّ إيران قد تكون على بُعد أسابيع من امتلاك ما يكفي من المواد النووية المحلية لصنع قنبلة نووية، على الرغم من أنّهم يعتقدون أنّ بناء جهاز قابل للاستخدام قد يستغرق 6 أشهر أو أكثر.

 

ويعتقد بنجامين ج. رودس، نائب مستشار الأمن القومي في إدارة أوباما، والذي لعب دوراً كبيراً في الترويج للاتفاق: «أنّه من الواضح أنّ قرار الانسحاب من الاتفاق النووي، الذي كانت إيران تلتزم به، أزال القيود عن برنامج إيران النووي وأزال أي حافز لإيران للتحرّك في أي اتجاه سوى التوجّه نحو موقف أكثر تصادمية وتشدّداً».

 

وأشار رودس، إلى أنّ حماس تتحمّل المسؤولية الرئيسة عن الأزمة الحالية في الشرق الأوسط، لأنّها شنّت هجمات 7 أكتوبر على إسرائيل. لكنّه أضاف أنّ مسار العلاقات الأميركية- الإيرانية بعد فشل الاتفاق النووي، يعني «أنّ إيران ليس لديها أي فرصة للدبلوماسية مع الولايات المتحدة. وهذا يتركك بلا بديل سوى الصراع».

 

وأشار إلى أنّ الولايات المتحدة حاولت دون نجاح إحياء الاتفاق، لكنّه انتقد إدارة بايدن لعدم دفعها بشكل أقوى وأسرع.

 

ويرى مسؤول غربي شارك في المفاوضات، أنّه لو دُمِجَت إيران بنجاح في الاقتصاد العالمي خلال العقد الماضي، لربما حاولت منع حماس، التي تدعمها، من مهاجمة إسرائيل. وفي حال فشل ذلك، ربما كان القادة الإيرانيّون قد فعلوا المزيد لخفض التوتّرات مع إسرائيل في الأشهر الأخيرة، وفقاً لما قاله المسؤول.

 

لكنّ العديد من المحافظين لا يعتذرون عن خروج ترامب من الاتفاق، الذي يجادلون بأنّه كان مضلّلاً منذ البداية، وأنّه قدّم لإيران ضخاً نقدياً لتمويل الإرهاب الإقليمي، وأنّ قيوده الموقتة سمحت لإيران بالمراوغة لكسب الوقت. وأشاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي قدّم حججاً مماثلة، بقرار ترامب الانسحاب ووصفه بأنّه «خطوة تاريخية».

 

هذا الأسبوع، أشار بعض المحافظين أيضاً إلى أنّ الاتفاق لم يتضمّن قيوداً جوهرية على تطوير إيران للصواريخ من النوع الذي أُطلق على إسرائيل الأسبوع الماضي.

 

وكتب المحلّل القانوني المحافظ آندرو مكارثي في مجلة «ناشونال ريفيو» الأسبوع الماضي، أنّ الرئيس باراك أوباما ونائبه آنذاك جو بايدن صمّما الاتفاق «علماً أنّ إيران كانت تعزّز تطوير الصواريخ الباليستية»، لكنّهما، في تركيزهما على النشاط النووي لطهران، لم يمنعاه. وقال إنّ إيران استمرّت في تقديم تلك الصواريخ إلى مجموعاتها الوكيلة، بما في ذلك «حزب الله» في لبنان وآخرين في اليمن، العراق وسوريا.

 

وجادل مسؤولو أوباما بأنّهم حصلوا على أفضل اتفاق ممكن، وأنّ إيران لم تكن لتوافق على فرض قيود على كل من البرنامج النووي والصاروخي. كما أنّ استراتيجية ترامب المتمثلة في «الضغط الأقصى» القائم على العقوبات ضدّ إيران لم تنجح في إيقاف برنامجها الصاروخي.

 

وأوضح أوباما، أنّ هدفه كان العثور على بديل للصراع. في ذلك الوقت، حذّر القادة الإسرائيليّون – بمَن فيهم نتنياهو، الذي كان يشغل منصب رئيس الوزراء في ولاية سابقة – من أنّ بلادهم قد تشنّ غارات جوية لتدمير المنشآت النووية الإيرانية.

 

في عام 2013، ردّ أوباما على انتخاب إيران رئيساً معتدلاً، حسن روحاني، بإطلاق محادثات مع طهران لفرض قيود على برنامجها النووي. وفي المقابل، تحصل إيران على تخفيف من العقوبات الأميركية والأوروبية الصارمة على اقتصادها.

 

لم يكن الاتفاق أبداً يُقصد به أن يكون حلاً شاملاً. أكّد أوباما أنّ هدفه كان تقييد أبحاث وتطوير إيران النووية لتأخير قدرتها على بناء قنبلة نووية لعقد على الأقل، وليس أكثر من ذلك.

لكن بالنسبة إلى كثيرين من مؤيّدي الاتفاق، فإنّه قدّم شيئاً أكثر إثارة: إمكانية أن تبدأ إيران والغرب في تجاوز عقود من العداء للتعايش السلمي وربما حتى العمل معاً.

 

أعرب البعض، بمن فيهم كبير المفاوضين الأميركيّين للاتفاق، وزير الخارجية جون كيري، عن أملهم في أن يعزّز الاتفاق المعتدلين السياسيِّين في طهران وأن يُحرّر إيران من خلال فتح اقتصادها أمام استثمارات وتأثير غربي أكبر. وكان التفكير أنّ الراديكاليِّين الإسلاميّين الذين وصلوا إلى السلطة في ثورة 1979 سيُطاح بهم ليس بالقوة العسكرية، بل من خلال وضع جهاز iPhone في يَد كل إيراني.

 

لكنّ الجمهوريِّين في واشنطن أصرّوا على أنّ الاتفاق يجب أن يكون أشَدّ قسوة، وأنّه لا يمكن الوثوق بإيران للامتثال.

 

في أيار 2018، أعلن ترامب أنّ الولايات المتحدة لن تلتزم بعد الآن بالاتفاق، متجاهلاً نصيحة العديد من كبار مسؤولي الأمن القومي لديه، وحقيقة أنّ المراقبين الدوليِّين وجدوا أنّ إيران كانت تلتزم بشروطه. ثم فرضَ سيلاً من العقوبات الاقتصادية الجديدة على إيران.

 

أغضب قرار ترامب القادة الإيرانيِّين، بمن فيهم المحافظون الذين قالوا إنّه أثبت صحة تحذيراتهم الطويلة الأمد من أنّ الولايات المتحدة وحلفاءها غير مَوثوقين.

 

بدأت إيران في تسريع برنامجها النووي، وزيادة مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب، والاقتراب بثبات من إمكانات تصنيع قنبلة. وفي انتخاباتها الرئاسية التالية، انتخبت إبراهيم رئيسي، وهو خليفة أكثر تصادمية لروحاني. كما واصلت دعم مجموعات وكيلة لها في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

 

على الرغم من أنّ إدارة ترامب أصرّت على أنّ إيران استخدمت مليارات الدولارات من الأصول التي أفرج عنها الاتفاق النووي للاستثمار في تلك المجموعات، فإنّ سياسة ترامب لم يكن لها تأثير ملحوظ على دعم إيران لوكلائها أيضاً.

 

واعترف المسؤول الغربي الذي شارك في المفاوضات النووية في عهد أوباما، بأنّ إيران ربما كانت ستوجّه المزيد من الأموال إلى مجموعات وكيلة لها وبرنامجها الصاروخي لو ظَلّ ترامب ملتزماً بالاتفاق، لكنّه أضاف أنّه من المستحيل القول بثقة كيف يمكن أن تكون الأمور مختلفة اليوم.

 

ما لا يمكن إنكاره، بحسب المسؤول، هو أنّ برنامج إيران النووي تقدّم، وأنّ وكلاءها أصبحوا أقوى في السنوات التي أعقبت خرق ترامب للاتفاق.

ويردّ المحافظون بأنّ بايدن يتحمّل الكثير من اللوم على ذلك، لفشله في فرض القيود على مبيعات النفط الإيراني التي فرضها ترامب، لا سيما للصين. وقد ارتفعت تلك المبيعات خلال فترة ولاية بايدن، ممّا أغنى حكومة إيران.

 

لكن قاوَم مسؤولو إدارة بايدن الدعوات لتضييق الخناق على التجارة في السوق السوداء - جزئياً للحفاظ على تعاون إيراني محدود في مسائل مثل تبادل السجناء واحتواء نشاطها النووي بشكل غير رسمي، كما يقول المحلّلون.

 

إنّ اتخاذ إجراء من شأنه أيضاً أن يعني فحص المستوردين الصينيِّين، في وقت يسعى فيه بايدن إلى استقرار العلاقات مع بكين.

 

وتشير سوزان مالوني، نائبة رئيس مؤسسة بروكينغز وخبيرة في الشؤون الإيرانية، إلى أنّها كانت مشكّكة في أنّ بقاء الاتفاق النووي كان سيجعل الأزمة الحالية في الشرق الأوسط أكثر قابلية للإدارة. وتضيف مالوني، أنّ انسحاب ترامب من الاتفاق «كان له تداعيات كارثية على احتواء الطموحات النووية لإيران، لكن لم يكن له تأثير يُذكر على أنشطة طهران الإقليمية أو نهجها تجاه إسرائيل والشرق الأوسط الأوسع».

 

وأضافت، أنّ المدافعين المتحمّسين عن الاتفاق أخطأوا عندما «علّقوا عليه طموحات أوسع»، معتبرةً أنّ الافتراض كان أنّ إيران «ستجد فوائد التعاون مع الغرب جذابة بما يكفي لتتخلّى عن إثارتها للمشاكل الخارجية، وأنّ المزيد من الاندماج في الاقتصاد الدولي سيعزّز نفوذ السياسيِّين الليبراليِّين» لكنّه «كان دائماً وهماً».

 

ومهما كانت نهاية مواجهة إيران مع إسرائيل محتّمة، فمن المحتمل أنّ النقاش حول الاتفاق النووي لن ينتهي. ففي الأسابيع الأخيرة، أشار الرئيس الإيراني الجديد، مسعود بزشكيان، وهو معتدل نسبياً على غرار روحاني، إلى انفتاحه على استئناف المفاوضات لإعادة إحياء الاتفاق.

theme::common.loader_icon