«لماذا نحن؟»: موجة من الحزن في لبنان
«لماذا نحن؟»: موجة من الحزن في لبنان
كريستينا غولدباوم وهويدة سعد-نيويورك تايمز
Saturday, 05-Oct-2024 06:21

تدفّق المُشيِّعون إلى المقبرة في مدينة صيدا الساحلية في جنوب لبنان. النساء تشبّثن بأذرع بعضهنّ بينما كُنّ يشاهدن وصول التوابيت: واحد، ثم آخر، وآخر، وآخر، حتى دُفِن 13 جميعاً في الأرض.

كان القتلى من بين ما لا يقلّ عن 45 شخصاً قُتلوا في غارة جوية إسرائيلية على مبنى سكني يوم الأحد. كانت واحدة من أعنف الضربات الفردية في القصف الإسرائيلي على لبنان، الذي يُعَدّ واحداً من أشرس الحملات الجوية في الحروب المعاصرة، التي يقول المسؤولون الإسرائيليّون إنّها استهدفت أعضاء «حزب الله» والمنشآت العسكرية.
العديد من الذين قُتلوا في الغارة كانوا قد فرّوا من أجزاء أخرى من جنوب لبنان خلال الأسبوع الماضي، بعد أوامر الإخلاء الإسرائيلية، ولجأوا إلى منازل أقاربهم في صيدا، وفقاً لأقاربهم وجيرانهم.
نرمين جرادي، 20 عاماً، التي كانت تُخطِّط لزفافها، كانت في الطابق الأرضي عندما ماتت. ماجد ومالك حنّش، شقيقان 12 و13 عاماً.
كان محمد حنّش، 18 عاماً من النبطية، قلقاً بشأن ما إذا كانت الحرب ستُعطِّل خططه لدراسة الهندسة في الجامعة العام المقبل.
«لماذا نحن؟ لماذا دائماً نحن؟» صرخت ناريمان الصاوي، 58 عاماً، وهي تمشي داخل المقبرة. فقدت الصاوي ابنها وحفيدتها في الغارة.
انتُشِلت جثتَيهما من الموقع في اليوم السابق. كانت الحفيدة مُحتَضَنة بين ذراعَي والدها.
«الحرب تزداد قسوة؛ إنّها تسير من سيئ إلى أسوأ»، قالت الصاوي وهي تكافح لإخفاء دموعها. «نحن نهرب من هنا إلى هناك، لكن لم يَعُد هناك منطقة آمنة بعد الآن. لدينا الله فقط يحمينا».
يوم الثلاثاء، كان عُمّال الإنقاذ لا يزالون يحفرون في القليل المتبقّي من المبنى السكني. «بلطف، بلطف!» صاح أحد العُمّال وسط اهتزازات وأنّات الحفار. مشيراً إلى التوقف عن الحفر، لبسَ الرجل زوجاً من القفازات الجراحية الزرقاء. ألقى بعيداً قطعاً حادّة من الكتل الخرسانية حتى ظهر إطار ناعم لجسد. «إنّها امرأة»، قال أحد العمّال القريبين.
كان العمّال يعلمون أنّهم لن يعثروا على أحد على قَيد الحياة بعد يومَين من الضربة. كانت تلك الآمال قد تلاشت ببطء مع مرور الساعات بعد الانفجار وتلاشي الأصوات القادمة من تحت الأنقاض، ثم الصمت.
محمد أحمد جرادي، 30 عاماً، وصل إلى الموقع بعد أقل من ساعة من الهجوم. شاهد مقاطع فيديو للمبنى في مجموعات «واتساب» في الحَي وتعرّف عليه: كانت تعيش فيه عمّته وعمّه وأبناء عمّته في الطابق الأرضي.
عندما وصل السيد جرادي إلى الموقع يوم الأحد، قال إنّه كان يسمع صراخ عمّته طلباً للمساعدة. كان عمّه أيضاً يصرخ، قائلاً إنّ بطنه مغطى بالدم. لكن بحلول الوقت الذي تمّ سحبهما فيه من تحت الأنقاض، كان كلاهما قد مات.
«استغرق الأمر أكثر من يوم لإخراجهما»، قال جرادي. «هذا هو لبنان»، أضاف باستسلام.
في الجوار، كان المتطوّعون يلتقطون بقايا الحياة المتناثرة عبر أكوام الغبار وألواح الخرسانة: وسادة عنابية اللون. قطعة من مرتبة إسفنجية. قدر طبخ من الألومنيوم المعوج. حذاء رياضي واحد.
كل قطعة منها كانت تذكيراً مؤلماً بأنّ هذه المنازل كانت في يوم من الأيام مأهولة بالناس. هذا الشعور بالحزن كان مشتركاً بين مئات الأشخاص الذين تجمّعوا لحضور الجنازة يوم الثلاثاء.
أميرة حنّش، 35 عاماً، كانت تُمسِك بذراع والدتها البالغة من العمر 65 عاماً، أثناء خروجهما من المسجد الذي أقيمت فيه الصلاة. «هل أنتِ بخير؟ هل أنتِ على ما يرام؟» سألت بلطف. كانت عينا والدتها محمرّتَين من البكاء. فقدت ثلاثة من أبناء إخوتها وأخواتها.

theme::common.loader_icon