لماذا لا تستطيع أقوى دول العالم إيقاف حرب في الشرق الأوسط؟
لماذا لا تستطيع أقوى دول العالم إيقاف حرب في الشرق الأوسط؟
روجر كوهين- نيويورك تايمز
Monday, 30-Sep-2024 06:27

تضاءلت قدرة الولايات المتحدة على التأثير في الأحداث في الشرق الأوسط، فيما كانت الدول الكبرى الأخرى مجرد مراقبين إلى حدّ كبير. خلال ما يقرب من عام من الحرب في الشرق الأوسط، أثبتت القوى الكبرى أنّها عاجزة عن إيقاف القتال أو حتى التأثير عليه بشكل كبير، وهو فشل يعكس عالماً مضطرباً يتسمّ بتشتت السلطة، والذي يبدو أنّه سيستمر.

المفاوضات المتقطعة بين إسرائيل و»حماس» لإنهاء القتال في غزة، التي دعت إليها الولايات المتحدة، وصفت مراراً من قبل إدارة بايدن بأنّها على وشك تحقيق اختراق، ولكنها تفشل في كل مرّة. ويُعدّ الجهد الحالي الذي تقوده الدول الغربية لتجنّب حرب شاملة بين إسرائيل و»حزب الله» في لبنان محاولة يائسة لتفادي الكارثة. يبدو أنّ فرص النجاح ضئيلة للغاية بعد اغتيال إسرائيل، يوم الجمعة، لحسن نصرالله، زعيم «حزب الله» منذ زمن طويل.

 

وقال ريتشارد هاس، الرئيس الفخري لمجلس العلاقات الخارجية: «هناك قدرات أكبر في أيدٍ أكثر، في عالم حيث تكون القوى المركزية أضعف بكثير من القوى اللامركزية. الشرق الأوسط هو الدراسة الرئيسية لهذا التشظي الخطير».

 

اغتيال نصرالله، الذي قاد «حزب الله» لأكثر من ثلاثة عقود، وكان الشخص الذي بنى هذه المنظمة الشيعية لتصبح واحدة من أقوى القوات المسلحة غير الحكومية في العالم، يترك فراغاً قد يستغرق «حزب الله» وقتًا طويلاً لملئه. إنّها ضربة كبيرة لإيران، الداعم الرئيسي لـ«حزب الله»، وقد تزعزع استقرار الجمهورية الإسلامية. فيما احتمال اندلاع حرب شاملة في لبنان لا يزال غير واضح.

 

قال جيل كيبيل، الخبير الفرنسي الرائد في الشرق الأوسط، ومؤلف كتاب عن الاضطرابات في العالم منذ 7 تشرين: «كان نصرالله يمثل كل شيء بالنسبة لـ«حزب الله»، وكان الحزب الذراع المتقدّمة لإيران». وأضاف: «الآن الجمهورية الإسلامية ضعفت، وربما بشكل قاتل، ويثير التساؤل، مَن يمكنه حتى إصدار الأوامر لـ«حزب الله» اليوم».

 

لسنوات عديدة، كانت الولايات المتحدة الدولة الوحيدة التي يمكنها ممارسة ضغوط بنّاءة على كل من إسرائيل والدول العربية. فقد نجحت في هندسة اتفاقيات كامب ديفيد عام 1978 التي جلبت السلام بين إسرائيل ومصر، والسلام بين إسرائيل والأردن في عام 1994. قبل أكثر من ثلاثة عقود بقليل، تصافح رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات في حديقة البيت الأبيض باسم السلام، ولكن تلاشت تلك الآمال الهشة تدريجاً.

 

لقد تغيّر العالم وأعداء إسرائيل الرئيسيون منذ ذلك الحين. قدرة أميركا على التأثير في إيران، التي كانت عدوها اللدود لعقود، وعلى وكلاء إيران مثل «حزب الله»، هي هامشية. وباعتبارهم منظمات إرهابية في واشنطن، فإنّ «حماس» و«حزب الله» فعليًا خارج نطاق الدبلوماسية الأميركية.

 

لدى الولايات المتحدة تأثير دائم على إسرائيل، لا سيما في شكل المساعدات العسكرية التي تشمل حزمة بقيمة 15 مليار دولار تمّ توقيعها هذا العام من قبل الرئيس بايدن. ولكن التحالف الحديدي مع إسرائيل، المبني حول اعتبارات استراتيجية وسياسية داخلية، بالإضافة إلى القيم المشتركة بين ديمقراطيتين، يعني أنّ واشنطن على الأرجح لن تهدّد أبداً بقطع — ناهيك عن إيقاف — تدفق الأسلحة.

 

الردّ العسكري الإسرائيلي الساحق في غزة على مذبحة «حماس» ضدّ الإسرائيليين في 7 أكتوبر، واحتجاز حوالى 250 رهينة، لقيا توبيخات خفيفة من السيد بايدن. فقد وصف أفعال إسرائيل بأنّها «مبالغ فيها»، على سبيل المثال. ولكن الدعم الأميركي لحليفتها المحاصرة كان ثابتاً، على الرغم من أنّ عدد الضحايا الفلسطينيين في غزة قد ارتفع إلى عشرات الآلاف، كثير منهم من المدنيين.

 

الولايات المتحدة، تحت أي رئاسة يمكن تصورها، لن تتخلّى عن دولة يهودية أصبح وجودها محل شك متزايد على مدار العام الماضي، من الحرم الجامعي الأميركي إلى شوارع أوروبا التي بدأت قبل أقل من قرن في إبادة الشعب اليهودي.

 

قال السيد هاس: «إذا تغيّرت السياسة الأميركية تجاه إسرائيل، فسيكون ذلك فقط في الهوامش»، على الرغم من التعاطف المتزايد، خصوصاً بين الشباب الأميركيين، مع القضية الفلسطينية.

 

كانت القوى الأخرى مجرد مراقبين إلى حدّ كبير مع انتشار سفك الدماء. الصين، التي تُعتبر مستوردًا رئيسيًا للنفط الإيراني وداعمًا كبيرًا لأي شيء قد يُضعف النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة، والذي نشأ من أنقاض عام 1945، لا تبدي اهتمامًا كبيرًا بتولّي دور صانع السلام.

 

روسيا أيضًا ليس لديها رغبة تُذكر في أن تكون مفيدة، خصوصًا قبيل انتخابات الخامس من تشرين الثاني في الولايات المتحدة. فاعتمادها على إيران في التكنولوجيا الدفاعية والطائرات المسيّرة في حربها المستعصية في أوكرانيا يجعلها، مثل الصين، لا تقلّ حماسًا عن أي تراجع أميركي، أو أي فرصة لإغراق أميركا في مستنقع الشرق الأوسط.

 

استنادًا إلى سلوكه السابق، من المرجح أن يُنظر في موسكو إلى عودة الرئيس السابق دونالد ج. ترامب إلى البيت الأبيض على أنّها عودة لزعيم قد يكون مرنًا تجاه الرئيس فلاديمير بوتين.

 

بين القوى الإقليمية، لا توجد دولة قوية بما يكفي أو ملتزمة بالقضية الفلسطينية لمواجهة إسرائيل عسكريًا. في النهاية، إيران حذرة لأنّها تدرك أنّ كلفة الحرب الشاملة قد تكون نهاية الجمهورية الإسلامية؛ مصر تخشى من تدفق هائل للاجئين الفلسطينيين؛ والسعودية تسعى إلى دولة فلسطينية، لكنها لن تضحّي بأرواح السعوديين من أجل هذه القضية.

 

في ما يتعلق بقطر، فقد قامت بتمويل «حماس» بمئات الملايين من الدولارات سنويًا، حيث تمّ استخدام جزء منها في بناء شبكة معقّدة من الأنفاق، يصل عمق بعضها إلى 250 قدمًا، حيث تمّ احتجاز الرهائن الإسرائيليين. واستفادت من تواطؤ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي رأى في «حماس» وسيلة فعّالة لتقويض السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وبالتالي تقليل أي فرصة للسلام.

 

كانت الكارثة في 7 أكتوبر أيضًا نتيجة للتلاعب الساخر من قبل القادة العرب والإسرائيليين بالقضية الفلسطينية في السعي نحو إقامة دولة. وبعد عام على ذلك، لا أحد يعرف كيفية إعادة تجميع الأجزاء الممزقة.

 

لذلك، في حجهم السنوي، الذي يجري الآن، يتوجّه قادة العالم إلى اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث شُل مجلس الأمن بسبب استخدام الفيتو الروسي على أي قرارات تتعلق بأوكرانيا، واستخدام الفيتو الأميركي على أي قرارات تتعلق بإسرائيل.

 

يستمع القادة إلى السيد بايدن وهو يصور العالم، مرّة أخرى، على أنّه في «نقطة تحول» بين الاستبداد المتزايد والديمقراطيات المتعثرة. كما يستمعون إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، وهو يستنكر «العقاب الجماعي» الذي يُفرض على الشعب الفلسطيني، وهو تعبير أثار غضب إسرائيل، كردّ فعل على «الأعمال الإرهابية البشعة التي ارتكبتها «حماس» قبل عام تقريبًا».

 

لكن كلمات غوتيريش، مثل كلمات بايدن، تبدو وكأنّها تتردّد في الفراغ الاستراتيجي لنظام عالمي قائم على الطلب، معلّق بين انتهاء الهيمنة الغربية وتراجع البدائل لها. لا توجد وسائل للضغط على «حماس» أو «حزب الله» أو إسرائيل في آن واحد - كما أنّ الدبلوماسية الفعّالة تتطلب وجود تأثير على الأطراف الثلاثة - وهذا غير متاح.

 

هذا التفكّك دون إعادة بناء حال دون اتخاذ إجراءات فعّالة لوقف الحرب بين إسرائيل وغزة. لا يوجد توافق عالمي حول الحاجة إلى السلام أو حتى وقف إطلاق النار. في الماضي، كانت الحرب في الشرق الأوسط تؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط وانهيار الأسواق، مما يجبر العالم على الانتباه. الآن، يقول إيتامار رابينوفيتش، السفير الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة: «الموقف هو، ‹حسنًا، فليكن».

 

في غياب أي استجابة دولية متماسكة ومنسقة، لا يواجه السيد نتنياهو ويحيى السنوار، قائد «حماس» والعقل المدبّر لهجوم 7 أكتوبر، أي عواقب على مواصلتهما في اتباع مسار مدمّر، نهايته غير واضحة، ولكن من المؤكّد أنّها ستؤدي إلى فقدان المزيد من الأرواح.

 

لقد تجنّب السيد نتنياهو الجهود الأميركية الجادة لتحقيق تطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية، ربما الدولة الأهم في العالم العربي والإسلامي، لأنّ ثمن هذا التطبيع سيكون التزامًا جدّيًا بإقامة دولة فلسطينية، وهو الأمر الذي كرّس حياته السياسية لمنعه.

 

إنّ اهتمام نتنياهو بإطالة أمد الحرب لتجنّب توجيه توبيخ رسمي على الإخفاقات العسكرية والاستخباراتية التي أدّت إلى هجوم 7 أكتوبر - وهي كارثة يتحمّل رئيس الوزراء مسؤوليتها النهائية - يعقّد أي جهود دبلوماسية. وكذلك محاولته لتجنّب مواجهة التهم الشخصية المتعلقة بالاحتيال والفساد الموجّهة ضدّه. إنّه يلعب لعبة الانتظار، التي تشمل الآن تقديم القليل أو لا شيء حتى 5 تشرين الثاني، عندما قد يُنتخب ترامب، الذي يعتبره حليفًا قويًا.

 

الأُسر الإسرائيلية التي ترسل أبناءها إلى الحرب لا تعرف مدى التزام قائدهم الأعلى بإعادة هؤلاء الجنود الشباب إلى الوطن بسلام، عن طريق انتهاز أي فرصة ممكنة للسلام. هذا، كما يقول العديد من الإسرائيليين، يسبب تآكلًا في الروح الوطنية.

 

أما بالنسبة إلى السنوار، فإنّ الرهائن الإسرائيليين الذين يحتجزهم يمنحونه نفوذًا. كما أنّ عدم اكتراثه الواضح بالخسائر الكبيرة في الأرواح الفلسطينية في غزة يمنحه تأثيرًا كبيرًا على الرأي العالمي، الذي تحول تدريجيًا ضدّ إسرائيل مع مقتل المزيد من الأطفال الفلسطينيين.

 

باختصار، ليس لدى السيد السنوار أي سبب يُذكر لتغيير مساره؛ وفيما وصفه ستيفن هاينتز، رئيس مؤسسة «روكفلر براذرز» الخيرية، بـ «عصر الاضطراب»، فإنّ العالم لن يغيّر هذا المسار له. المؤسسات التي وجّهت العلاقات الدولية وحل المشكلات العالمية منذ منتصف القرن العشرين، لم تعد قادرة بوضوح على معالجة مشاكل الألفية الجديدة»، كتب السيد هاينتز في مقال حديث، «إنّها غير فعّالة، غير مجدية، قديمة، وفي بعض الحالات، ببساطة غير صالحة».

هذه أيضًا كانت درسًا من العام الذي تلا هجوم «حماس».

theme::common.loader_icon