الحملة الإسرائيلية الجديدة ضدّ "حزب الله" بدأت بغارة في سوريا
الحملة الإسرائيلية الجديدة ضدّ "حزب الله" بدأت بغارة في سوريا
هيلين كوبر، جوليان إي. بارنز، ورونين بيرغمان - نيويورك تايمز
Saturday, 28-Sep-2024 06:45

الهجوم على مختبر أسلحة سرّي كان واحداً من أكثر العمليات الإسرائيلية جرأة ضدّ المجموعة الوكيلة لإيران منذ سنوات، وقد كانت سرّية بالاسم فقط. جاء الكوماندوز في طائرات هليكوبتر، في ليلة شبه خالية من القمر.

كان الحراس خارج المختبر السرّي للأسلحة في شمال غرب سوريا قد قتلوا بالفعل في سلسلة قصيرة من الغارات الجوية، عندما اقتربت طائرات الهليكوبتر التابعة لسلاح الجو الإسرائيلي.

 

في البداية، بدا الهجوم في 8 أيلول مثل العديد من الهجمات الأخرى التي نفّذتها إسرائيل، التي كانت منذ فترة طويلة تستهدف هذه المنشأة. كان المسؤولون الإسرائيليّون يعتقدون أنّ إيران و«حزب الله» اللبناني خطّطا لتصنيع جيل جديد من الصواريخ الدقيقة هناك.

 

لكنّ هذه كانت عملية مختلفة. كانت الطائرات الهليكوبتر تُحلّق على ارتفاع منخفض، من دون أضواء. وسرعان ما بدأ عشرات من الكوماندوز المموّهين بالهبوط على الحبال والاندفاع إلى المجمّع، الذي كانت بعض أجزائه على عُمق أكثر من 200 قدم تحت الأرض، وفقاً لمسؤولين أميركيِّين وأوروبيِّين وإسرائيليِّين.

 

ما تلا ذلك كان واحدة من أكثر العمليات العسكرية الإسرائيلية جرأة ضدّ «حزب الله» منذ سنوات.

 

في سلسلة من الضربات والاغتيالات الإسرائيلية منذ الهجوم القاتل الذي قادته «حماس» في 7 أكتوبر، تبرز غارة الكوماندوز. وأرسلت إسرائيل قوات العمليات الخاصة، بالجنود على الأرض، إلى دولة ذات سيادة لتنفيذ مهمّة.

 

في البداية، بدا وكأنّه هجوم منفرد على منشأة أسلحة تابعة لـ«حزب الله»، لكنّه يبدو الآن وكأنها كانت الضربة الافتتاحية في حملة سرّية بالاسم فقط ضدّ المجموعة الوكيلة لإيران.

 

بدأ «حزب الله» بمهاجمة شمال إسرائيل بعد وقت قصير من 7 تشرين الأول، ومنذ ذلك الحين يتبادل الطرفان إطلاق النار. ثم في 17 أيلول، بعد حوالى أسبوع من الغارة، انفجرت آلاف الأجهزة الندائية المحمولة من قبل أعضاء «حزب الله» عبر لبنان. وفي اليوم التالي، انفجرت مئات من أجهزة اللاسلكي التي يستخدمها المسلّحون. ولم تؤكّد إسرائيل أو لم تنفِ دورها في الهجمات التي قتلت العشرات وأصابت أكثر من 3000 شخص. ثم شنّت إسرائيل حملة قصف ثقيلة قتلت المئات من الأشخاص في لبنان.

 

كيف سيردّ «حزب الله» وإيران، يبقى سؤالاً مفتوحاً. لم يشنّ «حزب الله» بعد هجوماً مضاداً فعّالاً، لكنّ المسؤولين الأميركيِّين يعتقدون أنّ الجماعة تسعى إلى الانتقام من سلسلة الهجمات التي بدأت بغارة المنشأة السورية.

 

وتعهّد زعيم «حزب الله»، حسن نصر الله، بأنّ إسرائيل ستواجه «انتقاماً عادلاً وحساباً مريراً». وقال الأسبوع الماضي: «هذا الانتقام سيأتي. طريقته وحجمه وكيفيّته وأين – هذه أشياء سنبقيها بالتأكيد لأنفسنا، وفي أضيَق الدوائر حتى بيننا».

 

يستند هذا الحساب للغارة إلى مقابلات مع مسؤولين أميركيِّين وأوروبيِّين وإسرائيليِّين مطّلعين على جوانب من العملية. وتحدّث المسؤولون بشرط عدم الكشف عن هويتهم لمناقشة معلومات استخباراتية حساسة.

 

قبل تنفيذ الغارة، أخطرت إسرائيل مسؤولين أميركيِّين كباراً، بما في ذلك الجنرال مايكل إي. كوريلا، رئيس القيادة المركزية الأميركية، وفقاً لمسؤول أميركي.

 

في ذلك الأحد، كان الجنرال كوريلا في إسرائيل يزور غرفة الحرب العميقة تحت الأرض لقيادة القوات الشمالية للجيش الإسرائيلي، حيث تمّ تقديم الخطط العملياتية العسكرية لمواجهة «حزب الله»، وفقاً للجيش الإسرائيلي.

 

كانت لدى الاستخبارات الإسرائيلية معلومات عن مواقع الحُرّاس وتخطيط المنشأة. بعد قتل الحُرّاس في تلك الليلة، كان حوالى 100 من الكوماندوز الإسرائيليِّين الذين هبطوا من طائرات الهليكوبتر، قادرين على دخول الموقع من دون أي مقاومة.

 

باستخدام خرائط مسروقة، انقسم الكوماندوز إلى فرق، كل منها مكلّف بتدمير جزء مختلف من المنشأة. واستغرقت الغارة حوالى 15 دقيقة.

 

المصنع، الذي يقع بالقرب من مدينة مصياف في شمال غرب سوريا، معروف رسمياً باسم مركز الدراسات والبحوث العلمية السوري. لكن بينما هو اسمياً تحت سيطرة وزارة الدفاع السورية، يقول المسؤولون الغربيّون إنّ «حزب الله» وإيران استوليا على العمليات هناك.

 

ويَبعُد المركز حوالى 30 ميلاً فقط عن الحدود اللبنانية، ولهذا السبب، يقول المسؤولون الإسرائيليّون والأميركيّون، إنّ «حزب الله» يصنّع الأسلحة هناك بدلاً من إيران. ونقلْ الصواريخ والأسلحة من إيران إلى لبنان هو رحلة تزيد عن 1000 ميل مع مجموعة من التحدّيات.

 

لسنوات عدة، كانت إسرائيل تتابع وتحاول تدمير المنشأة ومن يرتبطون بها. في عام 2018، قُتل عزيز أسبر، أحد أهم علماء الصواريخ في سوريا، في مصياف في تفجير سيارة يبدو أنّ زرعه كان من قِبل الموساد، وكالة الاستخبارات الإسرائيلية.

 

قبل عام من ذلك، ضربت الطائرات الحربية الإسرائيلية أيضاً مصياف، ممّا أسفر عن مقتل شخصَين، وفقاً للمسؤولين السوريِّين، كجزء من جهود إسرائيل لمنع سوريا و«حزب الله» من الحصول على أسلحة متطوّرة.

 

قبل أن تبدأ الحرب الأهلية السورية في عام 2011، كانت الأسلحة الكيميائية تُصنع أيضاً في منشأة مصياف، لكن ذلك العمل توقف، وفقاً للمسؤولين الأميركيِّين.

 

في السنوات الأخيرة، قامت الحكومة السورية بنقل المعدات إلى الموقع المحمي جيداً، حيث تمّ توحيد قدرة إنتاج الصواريخ. وبدأت إيران و«حزب الله» في تحسين المنطقة تحت الأرض التي تمّ ضربها هذا الشهر. وكان «حزب الله» يعتزم استخدام الصواريخ التي يتمّ تطويرها ضدّ إسرائيل، وفقاً للمسؤولين المطّلعين على الاستخبارات.

 

في هذا السياق، كانت هجمة 8 أيلول استمراراً للجهود الإسرائيلية الطويلة لتدمير المركز، وتحوّلاً ظاهرياً في مجهودها الحربي المستمر منذ عام تقريباً من «حماس» في غزة إلى «حزب الله».

 

ويقول مسؤولون إسرائيليّون كبار لنظرائهم الأميركيِّين بعد الغارة، إنّ الاستراتيجية تعكس دروس هجوم 7 تشرين الأول. عندما تجمع الحكومة الإسرائيلية معلومات استخبارية تفيد بأنّ وكيلاً إيرانياً يحاول تطوير سلاح جديد، سيتخذ الجيش الإسرائيلي إجراءات لوقفه، كما قال المسؤولون.

 

كانت الضربة على مصياف أيضاً الجولة الافتتاحية في سلسلة من الهجمات التي تهدف إلى وقف هجمات الصواريخ والطائرات من دون طيار عبر الحدود التي يشنّها «حزب الله».

 

وضغط المسؤولون الأميركيّون على كل من إسرائيل و«حزب الله» لمحاولة احتواء الجبهة الشمالية، قلقين من توسيع الحرب في غزة. لكنّ استمرار قصف «حزب الله» دفع آلاف الإسرائيليِّين إلى مغادرة منازلهم، وزادت الضغوط على الحكومة الإسرائيلية لوقف الهجمات.

 

وبينما يعتقد المسؤولون الأميركيّون أنّ اتفاق سلام لغزة هو أفضل طريقة لاحتواء العنف عبر الحدود في الشمال، اختارت الحكومة الإسرائيلية تكثيف حملتها ضدّ «حزب الله».

 

الآن، يجد المسؤولون الأميركيّون أنفسهم يحاولون الدفع نحو وقف لإطلاق النار في كل من غزة ولبنان.

وأصبحت المنشأة في سوريا أولوية قصوى للإسرائيليِّين لأنّهم يخشون أن يتمكن «حزب الله» من صنع سلاح أكثر دقة والعديد من الصواريخ هناك بمجرّد اكتمالها.

 

قال المسؤولون الأميركيّون والإسرائيليّون إنّ هدفاً مهمّاً لغارة الكوماندوز كان تدمير معدات تتعلّق بصناعة المتفجّرات للرؤوس الحربية وتزويد الصواريخ بالوقود. وكانت القوات العسكرية الإسرائيلية تعتقد أنّ تدمير المعدات الخاصة في المنشأة يمكن أن يعوق بشكل كبير عملية التصنيع.

 

جاءت الخطوة المهمّة لإسرائيل عندما حصلت وكالة استخبارات الإشارات الإسرائيلية، المعروفة بوحدة 8200، على خُطط تفصيلية للمنشأة من خلال اختراق حاسوبي، وفقاً للمسؤولين. ووحدة 8200 هي نفس الوحدة التي انتُقدت بسبب فشل استخباراتي قبل 7 أكتوبر.

 

قبل ثلاثة أشهر من هجمات «حماس»، حذّر محلّل مخضرم في وحدة 8200 من أنّ «حماس» قد نفّذت تمريناً تدريبياً مكثّفاً استمر ليوم كامل بدا مشؤوماً. لكنّ عقيداً في فرقة غزة العسكرية الإسرائيلية تجاهل مخاوف المحلّل، وفقاً لرسائل مشفّرة اطّلعت عليها صحيفة «نيويورك تايمز».

 

هذه المرّة، لم تحصل المجموعة الاستخبارية فقط على المخطّطات الفيزيائية للوكالة فقط، بل علمت أيضاً بموقع الحراس عند مداخل المنشأة تحت الأرض. ونتيجة لذلك، تحرّك الكوماندوز بسرعة وكانوا في طريقهم إلى طائرات الهليكوبتر في غضون دقائق.

 

بدأت المتفجّرات التي زرعوها في الانفجار، ممّا ألحق نكسة كبيرة بسوريا وإيران و«حزب الله». لكنّه كان أيضاً الطلقات الافتتاحية في مرحلة جديدة من الحرب، التي نهايتها غير مؤكّدة على الإطلاق.

theme::common.loader_icon