معضلة إيران: كيف تحافظ على وكلائها وتتجنّب الحرب الشاملة؟
معضلة إيران: كيف تحافظ على وكلائها وتتجنّب الحرب الشاملة؟
ستيفن إرلانغر- نيويورك تايمز
Thursday, 26-Sep-2024 06:30

تقول إيران إنّ إسرائيل تريد أن توقعها في صراع مباشر من خلال قصف «حزب الله»، في حين يحاول الرئيس الإيراني الجديد التواصل مع الغرب. وحرب إسرائيل ضدّ «حزب الله» في جنوب لبنان هي إحراج آخر لإيران ورئيسها الجديد، ممّا يزيد الضغط عليه للردّ على إسرائيل للدفاع عن حليف مهمّ.

حتى الآن، رفضت إيران الاستفزاز الإسرائيلي للدخول في حرب إقليمية أوسع لا يريدها مرشدها الأعلى، علي خامنئي، بحسب المحلّلين. بدلاً من ذلك، يحاول الرئيس مسعود بزشكيان في الأمم المتحدة تقديم صورة أكثر اعتدالاً للعالم ويلتقي بالدبلوماسيِّين الأوروبيِّين على أمل استئناف المحادثات بشأن برنامج إيران النووي، ممّا قد يؤدّي إلى رفع العقوبات الحيوية عن اقتصادها المتعثّر.

 

في نيويورك هذا الأسبوع، كان بزشكيان صريحاً بإشارته إلى أنّ إسرائيل تسعى إلى استدراج بلاده إلى حرب أوسع. وأضاف: «إنّ إسرائيل هي التي تسعى إلى خلق هذا الصراع الشامل. إنهم يجرّوننا إلى نقطة لا نريد الذهاب إليها».

 

بعد سلسلة من الإهانات، التي زادتها حدّة الهجمات الإسرائيلية المكثفة على «حزب الله»، تواجه إيران مُعضِلات واضحة. فهي تريد استعادة الردع ضدّ إسرائيل، مع تجنّب حرب شاملة بين البلدَين قد تستدعي الولايات المتحدة، وتدمّر في النهاية الجمهورية الإسلامية في الداخل.

 

وتريد طهران الحفاظ على الوكلاء الذين يوفّرون ما تُسمّيه الدفاع المتقدّم ضدّ إسرائيل - «حزب الله»، «حماس»، والحوثيِّين في اليمن - من دون الدخول في معركة نيابة عنهم.

 

كما تسعى إلى محاولة رفع بعض العقوبات الاقتصادية العقابية المفروضة عليها من خلال تجديد المفاوضات النووية مع الغرب، مع الحفاظ على علاقاتها العسكرية والتجارية الوثيقة مع الخصمَين الرئيسيَّين لواشنطن، روسيا والصين.

 

ويشرح علي واعظ، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية، أنّ «الأسُس لم تتغيّر بالنسبة إلى إيران. فهي بالتأكيد لا تريد الدخول في حرب أكبر في المنطقة». وهذا، كما قال، قد يكون أحد الأسباب التي جعلتها حتى الآن لا تردّ على اغتيال زعيم حماس اسماعيل هنية بينما كان في طهران لحضور تنصيب بزشكيان.

 

منذ الإطاحة بالشاه في عام 1979 وتأسيس الجمهورية الإسلامية، حاولت إيران نشر نفوذها في جميع أنحاء المنطقة وتوعّدت بتدمير إسرائيل. وبنت شبكة من الوكلاء الذين تموّلهم وتسلّحهم وتدعمهم لكنّها لا تُسَيطر عليهم بالكامل - حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني في غزة والضفة الغربية؛ الحوثيّون في اليمن؛ الشيعة في العراق والعلويّون في سوريا؛ و»حزب الله» في جنوب لبنان، الذي يُعتقد أنّه مجهّز بأكثر من 150,000 صاروخ وقذيفة، مع القدرة على ضرب كل إسرائيل.

 

أعاد الهجوم الذي شنّته حماس على إسرائيل، قبل نحو عام، دور إيران إلى الواجهة. فاغتنمت إسرائيل الفرصة لتدمير أو تقليل نفوذ وكيلَين إيرانيَّين: حماس على حدودها الجنوبية و»حزب الله» في شمالها، الذي أطلق صواريخ على إسرائيل دعماً لحماس، ممّا دفع الآلاف من الإسرائيليِّين إلى مغادرة منازلهم.

 

في الوقت عينه، واصلت إسرائيل حرباً سرّية ضدّ إيران، وقتلت ضباطاً كباراً في هجوم صاروخي على القنصلية الإيرانية في دمشق في نيسان. ثم تبادلت إسرائيل وإيران الضربات على أراضي بعضهما البعض قبل أن تنحسر.

 

مؤخّراً، تسبّبت إسرائيل في حالة من الذعر في لبنان من خلال تفجير أجهزة الاستدعاء وأجهزة الاتصال اللاسلكية، ممّا أظهر اختراقها لبنية «حزب الله». وتبعت ذلك بوابل من الصواريخ والقنابل التي قتلت يوم الاثنين مئات الأشخاص في جنوب لبنان والبقاع، في أدمى يوم منذ الحرب الأهلية في البلاد، التي انتهت في عام 1990.

 

وتوضّح سوزان مالوني، الخبيرة بشؤون إيران ومديرة برنامج السياسة الخارجية في معهد بروكينغز، أنّ «إسرائيل تحاول استفزاز «حزب الله» إلى هجوم قد يؤدّي إلى حرب شاملة ويسمح لإسرائيل بخوض المعركة ضدّ ما تعتبره تهديدها الاستراتيجي الحقيقي، وهو إيران نفسها».

 

وأضافت مالوني أنّ «حزب الله» «ليس ميّالاً إلى الانخراط في صراع من المحتمل أن يؤدّي إلى تدميره». وبالنسبة إلى إيران، فإنّ «حزب الله هو الرادع الكبير - قدراته وقربه من إسرائيل هما خط الدفاع الأول للجمهورية الإسلامية، وإذا تمّ تدميره، فإنّه سيترك الإيرانيِّين أكثر عُرضة للخطر».

 

ويمثّل الوكلاء استراتيجية إيران للدفاع المتقدّم لحماية أراضيها. ويفترض أن يقاتل الوكلاء من أجل إيران، كما أوضح واعظ: «لم يكن المبدأ أبداً أن تقاتل إيران للدفاع عنهم».

 

في الوقت الحالي، تراقب إيران بعناية، مع افتراض أنّ «حزب الله» المسلّح جيداً والمنظّم بشكل جيّد يمكنه الدفاع عن نفسه وإلحاق أضرار جسيمة بإسرائيل من دون مساعدة إيرانية علنية.

 

ويبدو أنّ إسرائيل تستغل تحدّيات إيران، لكن كالمعتاد، يَكمُن الخطر في أن تحكم بشكل خاطئ.

 

من جهة أخرى، هناك عناصر متشدّدة في فيلق الحرس الثوري الإسلامي في إيران وداخل «حزب الله» نفسه «ترى أنّ المواجهة مع إسرائيل حتمية وتفضّل أن تكون عاجلة»، وفقاً لإيلي جيرانمايه، الخبيرة بالشؤون الإيرانية في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.

 

ويشرح كورنيليوس أديبار، الذي يعمل مع كارنيجي، أنّ إيران يجب أن تدعم محور المقاومة بطريقة ما، مضيفاً: «إنّها لا تستطيع بلع هذا إلى الأبد. سيسأل الناس: ما نوع القوة التي تمثّلها إذا كنت لا تستطيع حماية وكلائك؟».

 

في خطاب قصير يوم الثلاثاء أمام الأمم المتحدة، اتهم بزشكيان إسرائيل بالهمجية، وأشار إلى وكلاء إيران بوصفهم مقاتلي حرّية. لكنّه تحدّث أيضاً عن «عصر جديد» وتعهّد بلعب «دور بنّاء»، مؤكّداً إنّ إيران مستعدة لإعادة الانخراط مع الغرب في المسألة النووية.

 

يُنظر إلى بزشكيان على أنّه معتدل في النظام الإيراني. ويُعَدّ فوزه في الانتخابات الرئاسية هذا العام علامة على أنّ المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، يريد تقليل التوتّرات داخل إيران التي انفجرت في عام 2022 وزادها تفاقماً إبراهيم رئيسي الأكثر تشدّداً، الذي كان يُعتبَر خليفة محتملاً للمرشد الأعلى لكنّه توفّيَ في حادث تحطّم مروحية.

 

برفقة مفاوضين ذوي خبرة معروفين لدى الغرب، يحاول بزشكيان تقديم حكومته على أنّها معتدلة، براغماتية ومنفتحة على الديبلوماسية. لكن التوقيت معقّد، مع الانتخابات الأميركية في تشرين الثاني، وقد تكون هذه فرصة أخيرة لمثل هذا التواصل.

 

إذا تعرّض وكلاء إيران إلى الضرب وكانت المفاوضات الجديدة حول الملف النووي غير مثمرة، فهناك أصوات قوية داخل إيران تدعو إلى تسليح البرنامج النووي الإيراني وتحقيق الردع بهذه الطريقة. وقد تختار إيران أيضاً تعميق علاقاتها مع موسكو، على أمل الحصول على نظام الدفاع الجوي الروسي المتقدّم S-400، نظراً لأنّ أنظمتها الحالية أثبتت أنّها عُرضة لهجمات إسرائيل.

 

ويعتقد واعظ أنّ «إيران في مفترق طرق. إيران تُقيّم ما إذا كان هناك مسار للمضي قدماً في الديبلوماسية النووية. لكنّ أي حرب ستُضعف «حزب الله» بشكل كبير، ستجعل إيران تشعر بأنّها أقل أماناً وقد تُغيّر حساباتها النووية».

theme::common.loader_icon