باكورة الحرب الكبرى «معركة تكنولوجية»: أكثر من 40 ضحية و4000 جريح خلال ساعتين
باكورة الحرب الكبرى «معركة تكنولوجية»: أكثر من 40 ضحية و4000 جريح خلال ساعتين
نوال ليشع عبود
Monday, 23-Sep-2024 07:09

هل بدأت الحرب الكبرى من خلال الردّ على الردّ أم أنّ «حزب الله» الذي يستأثر بقرار الحرب والسلم ما زال في إطار جبهة الإسناد؟ هل جرى تعديل القواعد في معادلات توازن الرعب والردع؟ أهي حرب سيبرانية أم حرب إلكترونية؟ أين هي السلطة التنفيذية وأجهزة الدولة اللبنانية من كل ما يجري؟ من يطمئن الناس التي باتت تشعر أن كل شيء حولها عرضة للخطر وقابل للانفجار؟ هل سنكون أمام تنازل جديد لمصلحة إسرائيل يتمّ تقديمه للمبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، كما حصل في ما يتعلق بحقل كاريش؟ وهل المنطقة على أعتاب الرضوخ للتطبيع الذي يرى فيه البعض أنّه قادم لا محالة؟ ماذا عن فضح عدم وجود خطط الطوارئ الفعّالة والنقص في الجسم الطبي؟ وما هو مستقبل عائلات الضحايا والجرحى؟ هل صحيح أنّ المحطة الأخيرة للأجهزة المفخخة قبل وصولها إلى لبنان كانت إيران؟ وما الذي يعنيه ذلك على مستوى استراتيجية المعركة؟ تساؤلات مشروعة تُطرح، ونعلم سلفاً أنّ كل جواب سيحمل أوجاعاً كبرى، فلمصلحة من ندمّر أنفسنا ذاتياً وسط أزمة اقتصادية خانقة، ونخنق البلد والعباد على مذبح تحقيق الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي غرّد رئيسها مغازلاً الإدارة الأميركية قبل ساعات من هجوم غير مسبوق ضرب ذراعه العسكرية الأقوى في المنطقة في عقر الدار ومن دون أي كلفة بشرية؟

الخبير التكنولوجي فريد خليل يوضح أنّ «بصمة الصوت تقنية حديثة تساعد في تحديد هوية الأشخاص، فقد تبيَّن أنّ لبصمة الصوت فرادة، وهي من المعلومات البيومترية التي يمكن الركون إليها من أجل المساهمة في منع وقوع الجرائم في حال قرّرنا استعمالها بشكل إيجابي. كما يمكن أن تُستغل في الشؤون العسكرية لاكتشاف وتحديد أماكن الأشخاص وتعقُّبهم والتنصُّت عليهم تمهيداً لاستهدافهم».

 

وبالسؤال حول ما إذا كان يجب على الشعب اللبناني أن يخشى من الأجهزة ذات الاستعمال اليومي الموجودة بين يديه، يجيب خليل: «الكمبيوتر والهواتف المحمولة ليست قنابل موقوتة كما يُشاع، فهذه الأجهزة تمرّ عبر معابر شرعية وتخضع للمراقبة، كما أنّها تتبع لشركات عالمية لديها سمعتها التي يهمّها الحفاظ عليها. وفي جميع الأحوال، لا يجب ترهيب الناس وتعميم نظرية أننا جميعًا بتنا معرَّضين للخطر».

 

ويختم خليل لافتاً النظر إلى «أنّ هناك خرقًا أمنيًّا يتعلق بـ«البيجر» والأجهزة اللاسلكية التي انفجرت، حيث على ما يبدو جرى تفخيخ البطاريات العائدة لها، لكن في عملية مقتل قادة فرقة «الرضوان» في الضاحية الجنوبية، فالعمل استخباراتي يرتكز على الرصد والمراقبة، فكل ما هو موصول إلى شبكة الإنترنت هو في أيامنا هذه قابلٌ للاختراق، سواء أكان موجودًا في المنازل أو في المكاتب، فتشمل الهواتف والكاميرات والمايكروويف والتلفزيونات الذكية... إلخ. ولكي لا تكون قابلةً للاختراق، فيجب تحصينها ببرامج حمائية».

 

لا خوف من الطاقة الشمسية

 

نتابع مقاربة الموضوع، مستطلعين رأي الخبير الإلكتروني الدكتور جمال مسلماني الذي يرى وجوب عدم السماح بخلق حالة من الذعر لدى المواطنين من الأجهزة الإلكترونية والطاقة الشمسية كما هو حاصل. ويرى أنّه «لا بدّ من أن تتدخّل السلطة التنفيذية لتقديم شكوى إلى مجلس الأمن الدولي لخرق إسرائيل القوانين الدولية، لا سيما وأنّ الأجهزة التي انفجرت هي ذات استخدام مدني يتمّ استعمالها في الأحياء المدنية».

 

يتابع مسلماني: «لجنة الإعلام والاتصالات النيابية عليها مسؤولية تجاه الناس والوطن، كذلك اللجنة الوطنية للأمن السيبراني ومجلس الدفاع الأعلى، فلا بدّ من تقديم شكاوى للاتحاد الدولي للاتصالات وتوضيح تفاصيل ما حصل للشعب اللبناني، ولا بدّ من أن تأخذ العدالة مجراها ومسارها الطبيعي، لنعلم ما إذا كان هناك من خطر يتهدّد لبنان على مستوى توقف قطاع الاتصالات ووقف تقديم خدمات الإنترنت واحتمالية ضرب الكابل البحري، فما حصل هو جريمة حرب يمكن أن تلاحقها المحكمة الجنائية الدولية».

 

ضربة توازي الاجتياح البري

 

نسأل الدكتور عماد شمعون، رئيس مركز الأبحاث والتخطيط الاستراتيجي، عن توصيف ما حصل، فهل كنا أمام اعتداء سيبراني أم إلكتروني؟ فيفيدنا «أنّ هناك فارقاً بين الهجمات السيبرانية والإلكترونية، فالهجمات السيبرانية تقع على كل ما له علاقة بالإنترنت والكمبيوتر، أما الهجوم الإلكتروني فيقع على سائر الأجهزة، والمعيار لاعتبار الأمر سيبرانيًّا أم إلكترونيًّا هو في مدى الارتباط بالإنترنت».

 

ويوضح شمعون، أنّه من وجهة نظر استراتيجية يرى أنّ «هذه الضربة توازي بقوتها عملية الاجتياح البري وضررها أكبر، ذلك أنّ عدد الجرحى فاق المتوقع، وقد ألحقت ضرراً كبيراً في البنية العسكرية لدى «حزب الله» وعناصره، في حين أنّ الإسرائيلي اتكل على التكنولوجيا لتحقيق أهدافه مقابل صفر مخاطرة وصفر خسائر بشرية». يتابع شمعون، أنّ علينا أن ندرك أنّ «هناك فارقًا بين الهاكرز والكراكرز، فالأخير يخرق بهدف أن يُلحق الأذى عبر زرع الفيروسات داخل الأنظمة». ويؤكّد شمعون أنّه «لا خوف على الكمبيوترات والأجهزة الخليوية، فما حصل من وجهة نظري هو تفخيخ حاصل لأجهزة الـ«بيجر»، حيث جرى تفجيرها من بُعد، وكانت تحتوي على مواد منفجرة ذات وزن خفيف يتراوح ما بين 2 إلى 5 غرامات».

 

طبعاً هذا التحليل العلمي هو تحليل خطير ويدفعنا، حسب شمعون، لمسك طرف الخيط والمراقبة بناءً على المعطيات التي توافرت. «هذه الأجهزة صُنعت في هنغاريا بناءً لامتياز حصلت عليه الشركة الأم القائمة في تايوان، من هنا يجب أن تكشف التحقيقات أين تمّ تفخيخ الأجهزة؟ وكيف علم الإسرائيليون أنّ هناك طلبية من هذه الأجهزة ستصل بالنهاية إلى عناصر من «حزب الله»، مع بقاء احتمال أن يكون التفخيخ قد حصل في إحدى المحطات التي وصلت إليها الشحنة قبل وصولها إلى لبنان، وهناك كلام أنّ إيران كانت هذه المحطة الأخيرة».

 

لمعرفة سبب الضرر البليغ الذي لحق بالجرحى، يوضح شمعون أنّ «المادة التفجيرية هي من نوع EPTM، وهي من أقوى أنواع المتفجرات في العالم، وهذه المادة في حال تصديرها إلى لبنان لا يمكن أن تُكشف بأجهزة اللايزر العادية، حتى لو دخلت عبر المعابر الشرعية وليس تهريباً. وهذه العملية، إذا ما دلّت إلى شيء، فإنّها تدل إلى ضعف حقيقي لدى الجهاز التقني داخل «حزب الله» الذي خسر الكثير من رصيده إثر العملية الأخيرة، وتحديدًا في معادلة توازن الرعب مع العدو».

 

حول ما إذا كنا في خضم حرب من النوع الحديث، يقول شمعون إننا «إزاء نوع جديد من الحروب غير التقليدية»، موضحاً أنّ «الإمكانية باتت متاحة لدى الدول المتقدمة والصناعية لإرسال مفخخات تحت شكل الحشرات الإلكترونية، وتستهدف فيها كل عنصر من عناصر العدو». مضيفاً أن «هناك تصنيعاً لأجهزة تجسسية أو هجومية تأتي على شكل طيور الحمام الزاجل»، ويرى أنّ «الحرب الإلكترونية هي الحرب القادمة، وهناك أجهزة تحمل رشاشات وتأتي على شكل كلاب تمشي على أربع قوائم».

 

يتابع شمعون: «موازين القوى رُجحت لمصلحة إسرائيل، فـ«حزب الله» وإيران باتا يتلقيان الضربات مع انعدام الردّ وكثرة التهديد، إذاً الكلام بات أكثر من الأفعال». وينبّه إلى أنّ «من كان يحمل أجهزة الـ«بيجر» المفخخة عددهم 5 آلاف، وهذا دليل إلى عدم صحة رقم الـ100 ألف مقاتل، فمنذ 8 تشرين كثرت عمليات الاغتيال كنتيجة طبيعية للخرق الأمني الحاصل داخل صفوف «حزب الله». وإذا ما طرحنا التساؤل عن سبب عدم وقوع اجتياح بري، يكون الجواب أنّ «الاجتياح البري ليس مطلوبًا الآن، بل إنّ المطلوب هو الانتقال من تنازل إلى تنازل».

 

يختم شمعون: «الفارق بين الـ«بيجرز» والأجهزة اللاسلكية أنّ صاحب الـ«بيجر» يتلقّى الرسائل دون أن يُرسل، على عكس ما يفعله حامل جهاز اللاسلكي. والحادثة الثانية كان من المفترض أن يتمّ التنبّه لإمكانية حدوثها من لحظة حادثة تفجير الـ«بيجر». أما مقتل قادة فرقة الرضوان في الضاحية الجنوبية، فدلالاته أنّ هناك خرقاً أمنيًّا ليس بالضرورة أن يكون فنيًّا، وأنّه خلال أيام قليلة استهدفت إسرائيل الحزب ليس فقط على مستوى العناصر بل أيضًا على مستوى القادة».

 

لا يختلف أحد حول تقييم دقة العملية التي حصلت وفداحة الأضرار اللاحقة بعناصر «حزب الله» وبأمن الوطن اللبناني برمّته. وتبقى التساؤلات بعد عملية تفجير الأجهزة اللاسلكية في اليوم التالي لانفجارات الـ«بيجر» ومقتل قادة فرقة الرضوان والردّ على الردّ عبر استهداف مناطق في عمق الجليل، ماذا بعد؟ كلنا أمل بقيامة الدولة القادرة والقوية رأفةً بالمواطن ولصون لبنان.

theme::common.loader_icon