بالنسبة إلى خصوم الشرق الأوسط أصبحت الديبلوماسية ثانوية مقارنة بالقوة العسكرية
بالنسبة إلى خصوم الشرق الأوسط أصبحت الديبلوماسية ثانوية مقارنة بالقوة العسكرية
لارا جاكس- نيويورك تايمز
Monday, 23-Sep-2024 07:01

كانت آخر وأفضل فرصة لخطة سلام بين إسرائيل والسلطات الفلسطينية في عام 2008. حيث كان رئيس الوزراء آنذاك إيهود أولمرت مستعداً للتخلّي عن الأراضي في الضفة الغربية والسماح لبعض اللاجئين باستعادة أراضيهم. حتى إنّه كان مستعدًا للتخلّي عن السيطرة على البلدة القديمة في القدس لصالح لجنة دولية، كجزء من الاعتراف بفلسطين كدولة ذات سيادة.

ثم انهار الاتفاق المحتمل، لأسباب لا يزال السيد أولمرت يجد صعوبة في تفسيرها. «كان هذا شيئًا سيغيّر الشرق الأوسط»، قال في مقابلة عن محادثاته الفاشلة مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. «لم يكن مستعدًا لتحمّل أي مخاطر».

 

قال السيد عباس إنّه لم يُعط فرصة كافية لدراسة الخريطة المقترحة للضفة الغربية، وطلب المزيد من الوقت. بعد أيام، استقال السيد أولمرت تحت سحابة من الاتهامات بالفساد، وماتت الصفقة.

 

لا أحد في إسرائيل اليوم يفكر في مثل هذه المحادثات السلمية، وسط مخاوف من أنّ دولة فلسطينية ذات سيادة قد تجد أنّه من الأسهل شن هجوم آخر مثل ذلك الذي نفّذته «حماس» في 7 أكتوبر الماضي، والذي أدّى إلى مقتل 1200 شخص وأشعل الحرب في غزة.

 

تراجعت الديبلوماسية إلى الخلف، لصالح القوة العسكرية، ما يعكس سنوات من عدم الثقة والصفقات الفاشلة التي كادت أن تكرّس الاعتقاد لدى الخصوم بأنّ أياً من الجانبين لن يتفاوض بنيّة حسنة. يشكّك المسؤولون والخبراء في أنّ هذه المواقف ستتغيّر في أي وقت قريب.

 

بين الدول الديموقراطية، هناك اتفاق واسع النطاق بأنّ لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها من «حلقة النار» التي تواجهها من إيران ومقاتليها بالوكالة في لبنان والعراق وسوريا واليمن، الذين يريدون تدمير إسرائيل.

 

لكن انفجارات الأجهزة اللاسلكية والموجّهة التي حدثت الأسبوع الماضي، واستهدفت عناصر «حزب الله» في لبنان، تلتها ضربة يوم الجمعة في بيروت استهدفت قائدًا كبيرًا في «حزب الله»، وأدّت إلى مقتل ما لا يقلّ عن 50 شخصًا، أثارت مخاوف من أنّ إسرائيل تتحول من مفاوضات لوقف إطلاق النار لتحرير الرهائن إلى عمل عسكري قد يؤدي إلى تصعيد الصراع الإقليمي.

 

وقالت إفرات ريتين ماروم، عضو البرلمان الإسرائيلي اليساري، في مقابلة يوم الأربعاء: «المسار الصحيح، الخطوات الصحيحة، هي بالتأكيد إتمام صفقة الرهائن أولاً وقبل كل شيء، ولا شيء غير ذلك». «علينا أن نفعل كل ما في وسعنا لإعادتهم إلى الوطن الآن».

 

ابنها، جندي، يخدم على الحدود الشمالية لإسرائيل مع لبنان، حيث ينتظر أكثر من 60,000 مقيم إسرائيلي العودة إلى منازلهم بعد مغادرتها العام الماضي، عندما بدأ «حزب الله» قصف المنطقة احتجاجًا على الحرب في غزة.

 

وقالت السيدة ريتين ماروم: «علينا التعامل مع الشمال لأنّ «حزب الله» هناك». لكنها أضافت: «كانت هناك خطة استراتيجية لإنهاء الحرب في قطاع غزة أولاً، وقبل كل شيء، ثم التعامل مع الشمال».

 

لم تعد الديبلوماسية تبدو أولوية، على حدّ قولها، في ظلّ السياسات المتزايدة الصدامية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وقالت السيدة ريتين ماروم: «أعتقد أنّ ذلك يعكس رأي هذه الحكومة وسياساتها عمومًا». «نتنياهو، مع شركائه في التحالف المتطرّفين، اختاروا ولا يزالون هذا المسار».

 

ولم يردّ مكتب السيد نتنياهو على طلب للتعليق هذا الأسبوع. لكن يوم الأربعاء، ردًا على تقارير في وسائل الإعلام الإسرائيلية، قال مكتبه إنّه ينفي بشدة «الادعاء بأنّه أحبط أي صفقة على الإطلاق لأسباب سياسية».

 

ومع ذلك، قبل ساعات قليلة، أكّد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أنّ «مركز الثقل ينتقل إلى الشمال»، مشيرًا إلى التركيز الجديد على «حزب الله». لكنه أضاف: «لم ننس الرهائن ولم ننس مهمّاتنا في الجنوب - نحن ملتزمون بواجباتنا ونقوم بها في آن واحد».

 

الهجمات المعقّدة التي وقعت في لبنان يومي الثلاثاء والأربعاء أدّت إلى مقتل عناصر من «حزب الله»، لكنها قتلت أيضًا العديد من المدنيين، بما في ذلك أطفال. وأدّت الانفجارات إلى جرح آلاف الأشخاص، مما أثار الذعر في جميع أنحاء لبنان، وأثارت مخاوف دولية من أنّ إسرائيل قد خاطرت بتصعيد التوترات في المنطقة. في مواجهة تلك الهجمات والضربة التي وقعت يوم الجمعة، ردّ «حزب الله» يوم الأحد بإطلاق صواريخ على عمق الأراضي الإسرائيلية أكثر من أي من ضرباته السابقة.

 

وقال جوزيب بوريل فونتيلس، كبير الديبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي، في بيان يوم الأربعاء: «أعتبر أنّ هذا الوضع مقلق للغاية». ودعا «جميع الأطراف إلى تفادي حرب شاملة، ستكون لها عواقب وخيمة على المنطقة بأسرها وما بعدها».

 

حتى الحليف الأكثر موثوقية لإسرائيل، الولايات المتحدة، بدا قلقًا من أنّ مفاوضات وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن في غزة - الجهود التي تقودها الولايات المتحدة مع مصر وقطر - سيتمّ تهميشها الآن بسبب الهجمات الموجّهة. كانت المفاوضات معقّدة بالفعل بسبب عمليات الاغتيال التي نفّذتها إسرائيل ضدّ قادة «حماس» و»حزب الله» وغيرهما من الجماعات الفلسطينية مثل «الجهاد الإسلامي».

 

وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني ج. بلينكن، خلال وجوده في مصر يوم الأربعاء، عندما سُئل عمّا إذا كانت الهجمات في لبنان ستزيد من صعوبة المحادثات حول غزة: «أي شيء من هذا القبيل، بطبيعته، ربما لن يكون جيدًا لتحقيق النتيجة التي نريدها، وهي وقف إطلاق النار».

 

وغادر المنطقة بعد ذلك بوقت قصير من دون التوقف في إسرائيل. وكان المبعوث الأميركي الآخر، آموس هوكستين، في إسرائيل يوم الاثنين لحث الحكومة على عدم تصعيد التوترات مع «حزب الله». وبدأت الانفجارات في لبنان في اليوم التالي.

 

وقال بريت ماكغورك، مستشار البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط، يوم الجمعة، إنّ الولايات المتحدة توافق على أنّ إسرائيل يجب أن تدافع عن نفسها ضدّ «حزب الله»، «لكن لدينا خلافات مع الإسرائيليين بشأن التكتيكات وكيفية قياس خطر التصعيد».

 

وأضاف السيد ماكغورك في تصريحات نقلتها صحيفة «جيروزاليم بوست»: «نريد تسوية ديبلوماسية في الشمال. هذا هو الهدف، وهذا ما نعمل من أجله».

 

عملت الولايات المتحدة مع إسرائيل لسنوات للمساعدة في تحسين العلاقات مع الدول المجاورة المشككة أو المعادية. في عام 2022، على سبيل المثال، دعمت الولايات المتحدة اتفاقًا يسمح للشركات الغربية باستكشاف الغاز الطبيعي في الأراضي المتنازع عليها بين إسرائيل ولبنان، حيث «حزب الله» جزء من الحكومة. وكان لإدارة ترامب دور كبير في التوسط في اتفاقات أبراهام التاريخية في عام 2020، التي طبّعت العلاقات الديبلوماسية بين إسرائيل وكل من البحرين والمغرب والسودان والإمارات العربية المتحدة.

 

لكن الآمال الأخيرة بأن توافق السعودية أخيرًا على الانضمام إلى الاتفاقات تبدّدت الأسبوع الماضي، عندما قال ولي العهد محمد بن سلمان، في خطاب نيابة عن الملك سلمان، إنه لن تكون هناك علاقات ديبلوماسية طبيعية مع إسرائيل حتى يتمّ الاعتراف بفلسطين كدولة ذات سيادة.

 

عادةً ما تُجري إسرائيل اتصالاتها الديبلوماسية مع خصومها عبر وسطاء، معظمهم من الدول العربية في الشرق الأوسط، ولكن أيضًا عبر الولايات المتحدة ودول في أوروبا.

 

ولا تتفاوض مباشرة مع «حماس» أو «حزب الله»، وكلاهما يريد القضاء على إسرائيل، وتعتبرهما إسرائيل والولايات المتحدة منظمات إرهابية. كما أنّها لا تتفاوض مع إيران، التي تدعم كلا الجماعتين وكذلك الحوثيين في اليمن.

 

تقول إسرائيل وحلفاؤها، إنّه من غير الواقعي والساذج توقّع جهود ديبلوماسية مع جماعات تحاول إنهاء وجودها. وقالت السيدة ريتين ماروم: «هذه لعبة مختلفة عندما تتعامل مع هذا الوضع، عندما تكون لديك حلقة نار - عندما يكون لديك «حزب الله» والحوثيون وإيران و»حماس»، كل هذه التهديدات من حولك».

 

وقال إليوت أبرامز، الخبير في الشؤون الإسرائيلية ونائب مستشار الأمن القومي للرئيس جورج دبليو بوش، والذي يعمل حاليًا كباحث بارز في شؤون الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية، في مقابلة، إنّ محاولات الديبلوماسية مع إيران لن تصل أبدًا إلى «أكثر من وقف إطلاق النار، طالما لم تتغيّر طموحات إيران - وهذه الطموحات هي تدمير إسرائيل».

 

لكن وليد كازحة، أستاذ متقاعد في شؤون الشرق الأوسط في الجامعة الأميركية في القاهرة، قال إنّ سمة إسرائيل منذ إنشائها في عام 1948 هي استخدام الوسائل العسكرية أو الاقتصادية لإكراه جيرانها.

 

وقال السيد كازحة في مقابلة يوم الأربعاء: «إذا كنت تعيش فقط بالاعتماد على القوة الصلبة، فسوف تموت بالقوة الصلبة». وأضاف: «لتتمكن من البقاء في هذا العالم، عليك أن تملك القوة الناعمة»، في إشارة إلى الديبلوماسية، «حتى يشعر الناس أنك مفيد».

 

بغض النظر عن ذلك، يعتقد عدد من المسؤولين والخبراء في إسرائيل، أنّ «حزب الله» سيواصل ضرباته المتكرّرة حتى تنتهي المعارك في غزة ويتمّ تحرير الرهائن الإسرائيليين مقابل إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين.

 

حتى لو كانت إسرائيل جادة في المفاوضات، يبدو أنّ التوصل إلى صفقة سلام أمرٌ بعيد المنال بسبب العلاقة المتوترة، في أحسن الأحوال، بين «حماس» في غزة والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية التي يقودها السيد عباس. (كما فشلت محاولة أخرى خلال إدارة أوباما في عام 2014، وكذلك اقتراح من إدارة ترامب رفضه المسؤولون الفلسطينيون بشكل قاطع).

 

لكن السيد أولمرت، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، قال إنّه قد حان الوقت على الأقل للتركيز على التفاوض لإنهاء الحرب في غزة والعثور على حل وسط مع «حزب الله» يسمح للمواطنين بالعودة إلى منازلهم في شمال إسرائيل.

 

وقال السيد أولمرت: «لقد استنفدنا جميع الفوائد التي يمكننا الحصول عليها من عملية عسكرية، لذا علينا أن نتوقف الآن ونعيد جميع الرهائن في غزة». وأضاف: «أعتقد أنّ ذلك في مصلحة إسرائيل. علينا أن نفعل ذلك».

 

وأضاف: «انظر: أفضّل المفاوضات في كل مرّة، طوال الوقت، على القتال. القتال أمرٌ لا مفرّ منه، لكنه يجب أن يكون الملاذ الأخير».

theme::common.loader_icon