الصراع من أجل السيطرة على ممرّ فيلادلفيا
الصراع من أجل السيطرة على ممرّ فيلادلفيا
فيفيان يي - نيويورك تايمز
آدم راسغون - نيويورك تايمز
رونين بيرغمان - نيويورك تايمز
Saturday, 14-Sep-2024 07:23

فيفيان يي كتبت من القاهرة، آدم راسغون من القدس، ورونين بيرغمان من تل أبيب

 

الصراع المتزايد حِدّة لم يؤثّر فقط على محادثات وقف إطلاق النار، بل زعزع أيضاً شراكة أمنية كانت قوية بين مصر وإسرائيل. وأصبحت الحدود بين مصر وغزة نقطة خلاف رئيسية في المفاوضات حول وقف إطلاق النار لإنهاء الحرب في غزة - ليس فقط بين إسرائيل و»حماس»، لكن أيضاً بين إسرائيل ومصر.

 

يقول رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، إنّ بلاده يجب أن تحتلّ منطقة الحدود لمنع «حماس» من تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة من شبه جزيرة سيناء المصرية. وقد صوّر السيطرة على ممرّ فيلادلفيا، كما يُعرف بمنطقة الحدود، كمسألة وجودية بالنسبة إلى إسرائيل، على الرغم من أنّ بعض السياسيِّين الإسرائيليِّين يعتقدون أنّه يستخدم القضية لتجنّب التوصّل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن.

 

وتجادل مصر بأنّها قمعت بالفعل التهريب هناك - لأنّ القيام بذلك يخدم مصالحها الأمنية الخاصة، وليس فقط مصالح إسرائيل - عن طريق بناء حواجز، وتدمير الأنفاق، وتسيير دوريات في المنطقة. وبالنسبة إلى القاهرة، فإنّ قبول وجود قوات إسرائيلية على الحدود سيُهدّد أمنها الوطني ويُثير انتقادات من الشعب المصري، بحسب المحلّلين.

 

وزعزع الصراع المتزايد حِدّة الشراكة الأمنية القوية بين مصر وإسرائيل، التي كانت معاهدة السلام التاريخية بينهما في عام 1979 ركيزة أساسية لجيوسياسة الشرق الأوسط لعقود.

 

ما الذي تمكّنت «حماس» من تهريبه عبر الحدود؟

لا يُعرف بالضبط حجم ما تمكّنت «حماس» من تهريبه إلى غزة عبر الحدود بين غزة ومصر - سواء فوق الأرض أو عبر الأنفاق. وأصبحت المسألة محل نقاش حادّ حتى في إسرائيل: بعض الإسرائيليِّين - الذين يرغبون في التوصّل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليِّين - قلّلوا من أهمية قضية التهريب عبر ممرّ فيلادلفيا. لكنّ آخرين، مِمّن يرغبون في أن تواصل إسرائيل القتال لتدمير «حماس»، شدّدوا على الخطر الذي يُشكّله التهريب على أمن إسرائيل.

هذا، إلى جانب صعوبة الحصول على معلومات مستقلة، يجعل من الصعب تقييم حجم التهريب.

 

كثيراً ما تحدّث مسؤولو الأمن الإسرائيليّون الحاليّون والسابقون عن أنّ الأنفاق والتفتيش غير الكافي عند معبر رفح بين مصر وإسرائيل سمحا لـ»حماس» بتخزين الأسلحة وغيرها من الإمدادات التي يمكن تحويلها إلى أسلحة.

 

هرّبت «حماس» مكوّنات صواريخ بعيدة المدى، قاذفات صواريخ مضادة للدروع، بنادق قنص، مدافع رشاشة، ذخائر، وغيرها من الأسلحة، بحسب مسؤول أمني إسرائيلي تحدّث بشرط عدم الكشف عن هويّته لأنّه غير مخوّل بالتحدّث لوسائل الإعلام.

 

وقال نداف أرغمان، مدير سابق لجهاز الأمن الإسرائيلي «الشاباك»، في مقابلة مع قناة «12» الإسرائيلية، إنّ «كمية صغيرة جداً من الأسلحة» تمّ تهريبها إلى غزة عبر الأنفاق منذ أن عملت مصر على تطهير منطقة الحدود من الأنفاق والبنية التحتية. وأضاف، أنّ معظم التهريب حدث فوق الأرض عبر معبر رفح، قائلاً إنّه «لا توجد علاقة بين الأسلحة في غزة وممرّ فيلادلفيا».

 

كما اعتمدت «حماس» بشكل كبير على طرق أخرى، بما في ذلك القوارب الصغيرة التي تأتي عبر البحر، وعبر معبر كرم أبو سالم بين جنوب غزة وإسرائيل، وفقاً لـ3 مسؤولين في الدفاع الإسرائيلي.

 

وفشلت «حماس» في استيراد صواريخ متقدّمة مضادة للدبابات، وهي علامة على أنّ جهود مصر للقضاء على التهريب قد نجحت، بحسب اثنَين من المسؤولين الثلاثة. وكانت معظم أسلحة «حماس» محلية الصنع، كما قال المسؤولون.

 

في المقابل، أطلق «حزب الله»، الجماعة المسلحة اللبنانية المستفيدة من الدعم الإيراني مثل «حماس»، مراراً صواريخ مضادة للدبابات متطوّرة ضدّ إسرائيل.

 

ومع ذلك، اعترفت «حماس» علناً بتلقّي أسلحة من الخارج. في أيار 2021، أشاد يحيى السنوار، زعيم «حماس» السياسي في غزة آنذاك، بإيران، شاكراً إيّاها على عدم «بُخلِها» في تزويد الجماعة بالأسلحة.

 

وافق إيال هولاتا، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، على أنّ معظم التهريب حدث فوق الأرض عبر معبر رفح، الذي كان قبل الحرب منفذاً لانتقال الأشخاص بين مصر وغزة. ومع ذلك، وصف في مقابلة التهريب تحت الأرض في المنطقة بأنّه «مشكلة خطيرة».

 

جمعت وكالة استخبارات عربية ملفاً في نيسان، وحصلت عليه صحيفة «نيويورك تايمز»، ويتحدّث عن أنّ حوالى 2500 نفق كان موجوداً بين غزة ومصر، لكن دُمِّرت معظم الأنفاق في حملة الحكومة المصرية بين 2013 و2016.

 

كان هناك حوالى 10 أنفاق فقط بحلول أوائل 2024، لكنّ زيادة الرقابة المصرية قلّلت من حجم التهريب في السنوات الأخيرة، وفقاً للوثيقة. كما قال مسؤولان في الدفاع الإسرائيلي إنّ مصر عزّزت تطبيقها لقوانين مكافحة التهريب في السنوات الأخيرة، خصوصاً في ما يتعلّق بالأنفاق.

 

لكن في أوج نشاطها، أحبطت الأنفاق المسؤولين الإسرائيليِّين لأنّها سمحت بمرور الأسلحة والبضائع مثل الوقود إلى غزة من دون تفتيش. وتعتبر مصر «حماس» تهديداً أمنياً، وهي حريصة على منعها من تسليح نفسها. ومع ذلك، تضيف الوثيقة، غالباً ما يَقبل أفراد الأمن المصريّون عند الحدود رشاوى لغض النظر عن التهريب.

 

ماذا تقول إسرائيل عن التهريب هناك؟

في مؤتمر صحافي مساء الأربعاء، أصرّ نتنياهو على أنّ إسرائيل لن توافق على وقف إطلاق النار ما لم تتمكن من تأمين الممرّ، مؤكّداً «يجب أن يكون هناك أحد هناك، حتى يتمكّنوا بالفعل من منع تكرار ما حدث هناك من قبل»، ينبغي على إسرائيل البقاء.

 

أصبحت السيطرة على ممرّ فيلادلفيا عقبة رئيسةً فقط في الأسابيع القليلة الماضية. قبل ذلك، نادراً ما ذكره نتنياهو علناً، إن ذكره، ممّا دفع بعض منتقديه إلى القول إنّه يستخدم المسألة كوسيلة لتخريب المحادثات.

 

ضغطت إسرائيل، بدعم من الولايات المتحدة، سابقاً على مصر لتعزيز الأمن على طول الحدود ببناء جدار مرتفع يمتد تحت الأرض، مع أنظمة استشعار تنبّه الجيشَين الإسرائيلي والمصري إلى الأنفاق والتهريب، وفقاً لخبراء الأمن المصريِّين والإسرائيليِّين.

 

ستكون مثل هذه الأنظمة مشابهة للجدار تحت الأرض الذي يبلغ طوله 40 ميلاً، المجهّز بمئات الكاميرات والرادارات وأجهزة الاستشعار، الذي بنته إسرائيل بعد اكتشاف الأنفاق من غزة إلى إسرائيل.

 

ودعا البعض إلى تركيب معدات فحص متقدّمة عند معبر رفح لمنع التهريب هناك.

 

ماذا تقول مصر؟

تقول مصر إنّها قطعت فعلياً طرق التهريب إلى غزة. منذ سنوات، دمّرت الأنفاق الرئيسية للتهريب، وملأتها بمياه البحر، وهدّمت المباني التي كانت توفّر غطاءً للمهرّبين. كما دمّرت مصر الجانب المصري من رفح، المدينة التي كانت تمتدّ سابقاً على جانبَي حدود مصر وغزة، وأجلت سكانها.

 

وترى مصر «حماس»، وهي فرع من جماعة إسلامية مصرية تعتبرها القاهرة عدواً، على أنّها تهديد وجودي كذلك. فقال عبد المنعم سعيد علي، المحلّل السياسي المصري المؤيّد للحكومة، إنّ «محاولة نتنياهو إلقاء اللوم على مصر في كل التهريب هراء كامل».

 

تعتقد مصر أنّ وجود القوات الإسرائيلية في الممرّ سيزيد من غضب الشعب المصري. وتريد مصر أن تُظهِر أنّها تستطيع إدارة الحدود بنفسها. كما أنّ مصر حساسة للغاية لخطر أن تستخدم إسرائيل سيطرتها على الحدود لدفع سكان غزة إلى الفرار إلى سيناء.

 

ماذا يعني ذلك للعلاقات؟

في وقت سابق من هذا العام، حذّرت مصر إسرائيل من أنّ أفعالها في رفح وفي منطقة الحدود قد تشكّل انتهاكاً لمعاهدة السلام بين البلدَين. في الأسابيع الأخيرة، اتهمت مصر إسرائيل بالتركيز على منطقة الحدود لتعطيل وقف إطلاق النار.

 

بعد تصريحات نتنياهو الأربعاء، نقلت قناة «القاهرة الإخبارية»، وهي قناة مملوكة للدولة، عن مسؤول كبير لم يُذكر اسمه، اتهامه لإسرائيل بتجاهل طرق تهريب أخرى وإلقاء اللوم على مصر للتغطية على «إخفاقاتها» الخاصة.

 

مع ذلك، لا يبدو أنّ أياً من الجانبَين مستعدّ للتخلّي عن معاهدة السلام. فقد حاولت إسرائيل كسب المزيد من الشركاء العرب، وليس الأعداء. أمّا بالنسبة إلى مصر، فولّدت المعاهدة تعاوناً عسكرياً واستخباراتياً قيّماً ضدّ التمرّد في شبه جزيرة سيناء، بالإضافة إلى استيراد الغاز الطبيعي من إسرائيل، وعلاقة وثيقة مع الولايات المتحدة، ومليارات الدولارات من المساعدات الأميركية.

theme::common.loader_icon