هل تمت المبالغة في تأثير التحليلات على كرة القدم الحديثة؟
هل تمت المبالغة في تأثير التحليلات على كرة القدم الحديثة؟
مايكل كوكس- نيويورك تايمز
Friday, 13-Sep-2024 07:14

الأمر المضحك في حركة التحليلات في كرة القدم - التي استَوحت بشكل كبير من حركة مشابهة في البيسبول - هو أنّ السباق لرواية القصة كان مَحلّ منافسة شديدة مثل السباق لفك الشفرة فعلياً. في النهاية، حركة التحليلات في البيسبول مشهورة بسبب كتاب شهير بدلاً من مباراة أو موسم شهير. نُشر في عام 2003 كتاب Moneyball لمايكل لويس، الذي يحكي عن استخدام فريق أوكلاند أثليتيكس لمقاييس "سابرماتريكس" للحصول على ميزة على المنافسين الأغنى، وساعد في نشر استخدام البيانات في الرياضة، حتى وإن كانت البيسبول بالفعل رياضة تعتمد بشكل كبير على الأرقام.

عام 2011، حُوِّل الكتاب إلى فيلم من بطولة براد بيت، الذي رُشِّح لجائزة أفضل فيلم في حفل جوائز الأوسكار. كما أنّ مصطلح Moneyball تسلّل إلى القاموس الأوسع، بما في ذلك في كرة القدم، إلى حَد أنّه أصبح معروفاً أكثر من فريق أوكلاند نفسه.

 

الآن، لدى كرة القدم العديد من الكتب التي حاولت أن تكون Moneyball الخاصة بها – من Soccernomics لسيمون كوبر وستيفان سيمانسكي إلى Soccermatics لديفيد سومبتر. في البيسبول، كانت الأدوار واضحة: المؤلف مايكل لويس كان الراوي، بينما المدير العام بيلي بين كان الشخصية الرئيسية. أمّا في كرة القدم، فالأمور أكثر تشوّشاً لأنّ الشخصيات عينها تلعب كلا الدورَين.

 

كتاب The Numbers Game الذي كتبه الثنائي الأمريكي كريس أندرسون وديفيد سالي، كان في الأساس أول كتاب رئيسي عن "عصر التحليلات" في كرة القدم عندما نُشر في عام 2014. لكنّ محاولتهما اللاحقة للسيطرة على نادٍ إنكليزي (كوفنتري سيتي) لتحويله من خلال التحليلات، فكانت القصة الرئيسة في كتاب روري سميث Expected Goals الذي صدر في عام 2023.

 

ويُركّز كتاب Data Game لجوش ويليامز، تحديداً على استخدام ليفربول للتحليلات، لكنّ واحدة من الشخصيات الرئيسة في الكتاب، وهو مدير الأبحاث في النادي إيان غراهام، أصدر مؤخّراً كتابه الخاص بعنوان How To Win The Premier League. علماً أنّ ثُلث الكتاب يتعلّق حقاً بتجربته الشخصية، وحتى هذا الجزء في كلماته يتعلّق بشكل أساسي بـ "رواية قصة تحليل البيانات في كرة القدم"، إذ يناقش العديد من نفس القصص التي تم تناولها في الكتب الأخرى.

 

لذا، فإنّ "اللويسيين" أصبحوا "بينات"، و"البينات" أصبحوا "لويسيين". بالتالي، ومن دون اتهام أيّ شخص بعدم الصدق أو السخرية، ليس من المستبعد أن يكون هناك مبالغة طبيعية في تأثير التحليلات وترويج ذاتي جماعي.

 

إذاً، هل كانت هناك "ثورة بيانات" حقاً في كرة القدم غيّرت اللعبة إلى الأبد كما تزعم الكتب المختلفة؟ النقاش في التحليلات بطبيعة الحال، وإلى حَدٍّ ما بشكل مبرّر، تأطّر على أنّه "العباقرة الحسابيّون" في اليسار مقابل "رجال كرة القدم التقليديِّين" في اليمين.

 

شخصياً، سأضع نفسي في أقصى اليسار، ربما حوالي 0.85 x SN، أقبل أنّ هناك دائماً جوانب غير ملموسة من المستحيل تقريباً قياسها، لكنّني لطالما أعجِبتُ باستخدام الأرقام في الكريكيت - الرياضة الثانية في إنكلترا - وسُرِرتُ باحتضان الإعلام الكروَيّ التدريجي للبيانات. كنت حاضراً بشكل نصف منتظم في منتدى Opta Pro، وهو مؤتمر سنوي في لندن حول الموضوع، وأستخدم البيانات بانتظام في المقالات.

 

أنا أيضاً مهتم جداً بالتطوّر التكتيكي للعبة. لكن بعد قراءة واستمتاع بشكل كبير بـ10 كتب عن التحليلات، (كتاب Football Hackers لكريستوف بيرمان و Net Gains لرايان أونلان ممتازان بشكل خاص)، وجدتُ صعوبة في رسم خط مستقيم من A إلى B.

 

في وقت سابق من هذا العام، عندما كنت أعمل على تحديث وتوسيع كتابي The Mixer عن تاريخ تكتيكات الدوري الإنكليزي الممتاز، الذي نُشر عام 2017، خطّطتُ في البداية لإضافة فصل عن تأثير التحليلات، الذي تأثّرت باعتباره تطوّراً يُغيِّر اللعبة في كرة القدم الحديثة. لكن بعد مزيد من التفكير، قرّرتُ لاحقاً إسقاطه لأنّني ارتأيتُ أنّه كان أقلّ أهمية حتى من شيء ثانوي نسبياً مثل قدرة الفرق على تمرير الكرة إلى زميل في الفريق داخل منطقة جزائهم في ضربات المرمى.

 

وكلّما فحصتُ هذه الكتب، بدا أنّ "اللويسيين" و"البينات" يشكّون أكثر فأكثر في أنّ التحليلات قد غيّرت الطريقة التي تُلعب بها كرة القدم.

 

في كتاب Football Hackers، ينقل بيرمان عن كريستوفر كليمنس، المحلّل الرئيسي للمنتخب الألماني في كأس العالم 2014، كيف استخدموا البيانات في تلك البطولة، ويكشف "تجاهلنا تقريباً كل شيء كنا ننظر إليه في السنوات السابقة. نحن مقتنعون بشكل متزايد بأنّ هناك نقصاً في البيانات التي تُقدِّم معلومات حقيقية حول الأشياء التي تجعلك ناجحاً في كرة القدم."

 

عندما يلحق بيرمان به في الكتاب، يُصبح كليمنس أكثر وضوحاً، ويشرح أنّ "كل البيانات القابلة للاستخدام تصوِّر اللعبة بأثر رجعي... إنّها سطحية جداً لدرجة أنّنا لا نستطيع الاعتماد عليها للتنبّؤ بشيء. لا يمكننا استخدامها لرسم فكرة عن تطوير اللاعبين أو لصياغة تعليمات ملموسة. إنّها لا تخبرنا بشيء ذي صلة حول اللاعب، أو النجاح، أو تأثير استراتيجية ما."

 

الاستنتاج "الرئيسي" المقبول عموماً للثورة البيانية هو أنّ الفِرَق أصبحت تُطلق عدداً أقل من التسديدات بعيدة المدى وتعمل على توصيل الكرة إلى مناطق قريبة من المرمى قبل محاولة التسديد. ويمزح أحد المخضرمين في صناعة البيانات بأنّ التحليلات في كرة القدم، على الرغم من أنّها صناعة بملايين الجنيهات توظّف مئات الأشخاص، تتمحوَر في الأساس حول اختراع طرق متطوّرة بشكل متزايد لإخبار الجميع بضرورة التسديد من قرب المرمى بدلاً من المسافات البعيدة. هذا مشابه لما حدث في كرة السلة، إذ أصبحت التسديدات مركّزة بشكل متزايد حول السلة ومن مواقع مُعيَّنة مفضّلة لتسجيل الثلاثيات.

 

في كرة القدم، تُظهِر البيانات أنّ التسديدات تُطلَق بشكل أقرب إلى المرمى. لكنّها عملية حدثت إلى حَدٍّ ما دائماً - شاهد مباراة من الستينات وستجد أنّ عدد التسديدات بعيدة المدى البائسة كان مزعجاً للغاية.

 

ويشير مقال جون مولر "الممتاز عن تطوّر كأس العالم" إلى أنّ المسافات التي تُطلَق منها التسديدات قد تقلّصت على مَرّ السنين. ويشرح مولر: "توضّح بيانات كأس العالم أنّ التغيّر الكبير في التسديدات كان يحدث قبل فترة طويلة من سماع أي شخص عن في عام 1970، xG جاء 62% من التسديدات من خارج منطقة الجزاء. وبحلول عام 2006، انخفض ذلك إلى 54%. قبل 50 عاماً، كان الأمر يتطلّب حوالي 15 تسديدة غير جزائية لتسجيل هدف - اليوم، باتت النسبة أقرب إلى تسديدة واحدة من بين كل 10 تسديدات. كانت التسديدات، خصوصاً في آخر بطولتَين انتقائية للغاية، لكنّ الاتجاهات طويلة الأمد تجعل من العدل التساؤل عن مدى تأثير البيانات حقاً في ذلك."

 

في كتابه، يُشكك غراهام أيضاً في هذا الادّعاء الواضح لانتصار التحليلات. ويضيف: "حتى اليوم، لا تأخذ معظم أندية الدوري الإنكليزي الممتاز التحليل البياني بجدية، واعتمادها على هذه الأدوات لم يَزد بشكل ثابت كما انخفضت متوسطات مسافات التسديد."

 

لكنّه اعتُبر كاكتشاف رئيسي في عصر التحليلات: لدرجة أنّ البيانات تُلام على قتل جمال الأهداف البعيدة المدى وعدم التوقّع، وهو ما ليس صحيحاً ببساطة. نعم، انخفض عدد التسديدات من خارج منطقة الجزاء ونسبة التسديدات التي تُطلق من خارج الصندوق. لكن في المواسم الثلاثة السابقة في الدوري الإنكليزي، سُجِّل 144 و145 و143 هدفاً من خارج الصندوق مقارنةً بـ123 و133 و144 و125 و122 في المواسم الـ5 التي سبقتها، ممّا لا يتوافق مع الفكرة القائلة بأنّ الأهداف البعيدة المدى قد انقرضت لأنّ أندية الدوري الممتاز توظّف أشخاصاً يستخدمون جداول بيانات.

 

عبر كل هذه الكتب، من اللافت للنظر أنّه لا توجد حسابات فعلية حول كيفية تغيير استراتيجيات الفرق بناءً على الأرقام أو حتى كيفية فوز وخسارة مباريات فردية في كرة القدم بسبب البيانات. ويعترف سميث في الفصل الأخير من كتابه أنّه "من الصعب قول ذلك بشكل قاطع أي من عناصر كرة القدم في شكلها الحالي - أسلوب اللعب الذي هو الرائج بين أرستقراطيّي اللعبة - يمكن أن يُعزى بالكامل إلى البيانات."

 

جزء منه هو بالطبع إلى أنّ المطّلعين لا يُريدون الكشف عن الأسرار التجارية، وهو أمر حتمي. قد تكون هناك أشياء حاسمة لا نعرفها. ويبدو أنّ هذه الأمور مرتبطة على الأرجح بمفهوم "التحكّم في الملعب"، وهو ما يتحدّث عنه غراهام بإيجاز في كتابه. ويشرح كيف وظّف ويل سبييرمان، شخص آخر يحمل دكتوراه في الفيزياء، بعد عرضَين في منتدى Opta Pro لأنّه كان أول شخص "يقوم بأيّ شيء منطقي باستخدام بيانات التتبّع". ويحسب التحكّم في الملعب، بعبارات بسيطة، أي أجزاء من الملعب يمكن للاعب من الفريق الوصول إليها قبل أي خصم، بالتالي يرسم فعلياً أي فريق "يُسَيطر" على أيّة مناطق.

 

هذه النماذج - وهي أكثر تعقيداً من هذا كما يوضح غراهام بتفصيل أكبر - مثيرة للاهتمام حقاً وربما كان لها تأثير كبير داخل الأندية. لكنّنا ما زلنا نفتقر إلى دراسات حول كيفية تطبيقها فعلياً. ربما أقنعت مدرباً بتغيير النظام في منتصف الشوط لإثارة عودة شهيرة. وربما تلمّح إلى أنّ السرعة خلف دفاع الخصم هذا الأسبوع ستكون أكثر وعداً من لاعب خط وسط كاذب، ممّا يؤدّي إلى تعديل التشكيلة. لكن يبقى الأمر شيئاً من الغموض.

 

كان صعود بيب غوارديولا، الذي جاء قبل قليل من الثورة البيانية، بلا شكّ أكبر عامل في تغيير الأسلوب الحديث لكرة القدم. يُذكر غوارديولا بشكل متكرّر في كل هذه الكتب، ويمكن قياس شعبية أسلوبه المعتمد على الاستحواذ. لكن على الرغم من كونه متفانياً في تحليل الفيديو، لم يكتشف أحد أيّ قصص عن تركيز غوارديولا الكبير على البيانات.

 

بالنسبة إلى جميع الأشخاص الأذكياء الذين يعملون في هذا المجال، من غير المؤكّد مدى تأثيرهم الفعلي.

theme::common.loader_icon