لعلّ أكثر التحدّيات دقّةً في مسار الإعلام في مجتمعٍ دائم التغيّراتِ السياسية، والتحوّلات المجتمعية اقتصادياً وخياراتٍ مصيرية، بالإضافة إلى الصعاب المادية والأزمات التمويلية، هي أن تتحمّل الصحافة الورقية، مسؤولية ممارسة سلطة الإخبار والتقصّي والتحليل الواعي، بعيداً من ادِّعائية التسلّط والجنوح إلى إساءة استخدام السلطة المناطة بها أخلاقياً ومهنياً. وتصحُ مقاربة دور الصحافة الورقية في مسيرتها المهنية ومسارها النضالي والتوعوي، من حيث أنّها مرتكز الإعلام الكلاسيكي الهادئ ومنبر الرأي الحرّ، القائم على احترام حرّية التفكير وتوفير حرّية التعبير وحمايتهما من مخاطر التضليل والتشويه، حرصاً على الصدقية والعدالة الإعلامية التي يمتاز بها العمل الصحفي، تأسيساً وإصداراً ورئاسةَ تحرير ونضالاً نقابياً، مسؤولاً وشريكاً بقيادة الرأي وكشف الحقائق واحتراف تحويل المجهولات إلى معلومات، كأبسط ما تكون عليه نشر ثقافة المعرفة وتعميم ديموقراطية الفكر النقاشي الرصين.
بمسؤولية المواطن المتابع للتطوّرات في بلد ينعم بالليبرالية، ومن موقعي كأكاديمي وناقد تقويمي للحالة الإعلامية، أنظر إلى إعادة صياغة إصدار جريدة "الجمهورية" ورقياً وفق أسس فنية وإخراجية حديثة، كضرورة معرفية لازمة للمرحلة الدقيقة التي يعيشها لبنان، وأعتبر أنّ التوقف الموقت عن الصدور، حفَّز القرّاء لمزيد من الشغف بالمتابعة والركون إلى موقع الكلام الهادئ والطرح الموضوعي للأمور والمعالجة العقلانية للقضايا التي انتهجتها "الجمهورية" في خلال رسالتها وخدمتها للحقيقة، وإعادة متابعة الوظيفية الإخبارية الراقية بما يؤمّن ظروف العدالة الإعلامية ويحصِّن عناصر الاعتدال السياسي التي يحتاجها المجتمع.