ثمة تحوّل قد تشهده العلاقات الأميركية- الإيرانية في غضون الشهرين المقبلين، ويمكن أن ينعكس على ملفات الشرق الأوسط، ومنها الحروب الدائرة اليوم في غزة والضفة الغربية ولبنان.
كان مفاجئاً إبلاغ المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي حكومة الرئيس الجديد مسعود بزشكيان أن بلاده لا تمانع في التعاطي مع "العدو"، والمقصود هو الولايات المتحدة، ومفاوضتها حول الملف النووي.
في أي حال، الطرفان يجريان جولات من المحادثات السرية على مستوى الخبراء والديبلوماسيين في عُمان، فيما المفاوضات حول الملف النووي مجمدة منذ ربيع 2021، بعد 6 جولات فاشلة في فيينا.
ويعتقد محللون غربيون أنّ لكلا الطرفين مصلحة في إطلاق هذه المفاوضات، أي قبل موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني. فإدارة بايدن يهمها تحقيق خرق ينعكس على أزمات الشرق الأوسط، ويمكن استثماره كإنجاز سياسي في صناديق الاقتراع، لمصلحة المرشحة الديموقراطية كامالا هاريس. فيما تسعى طهران إلى قطف الثمار سياسياً ومالياً، قبل انتخابات ربما تعيد دونالد ترامب إلى السلطة. وفي العلن، يبدي قادة إيران تشاؤماً إزاء العلاقات مع واشنطن في الولاية المقبلة، سواء كان الفائز ديموقراطياً أو جمهورياً. لكنهم في الواقع يتخوفون خصوصاً من فوز ترامب لأن العلاقة معه ستكون صدامية بالتأكيد.
واللافت، بعد "إيعاز" خامنئي، دعوة بزشكيان إلى محاورة "القوى الدولية" بشأن النووي، من أجل رفع العقوبات القاسية "وحل المشكلات مع العالم". وكشف الرئيس الإيراني أنه سيشارك في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 22-23 أيلول الجاري. وأنه، سيلتقي في نيويورك فاعليات اغترابية إيرانية ويدعوها إلى الاستثمار في إيران. ويقارب عدد الإيرانيين في الولايات المتحدة الـ1.5 مليون نسمة.
وإذ قدر الرئيس الإيراني حاجة بلاده إلى نحو 100 مليار دولار من المغتربين الإيرانيين للنهضة بالاقتصاد الذي يعاني من تأثير العقوبات، قال: العديد من المغتربين غادروا غير راضين عنا. ويمكننا إقناعهم بالعودة أو الاستثمار في بلدهم. وأنا أتعهد بأنهم لن يواجهوا أي مشاكل أمنية عندنا لأن "إيران للجميع وليست لفريق واحد. ولن تُفتح الملفات ضد هؤلاء، أو يتعرضوا للإزعاج، أو يُمنعوا من المغادرة.
المتابعون يعتقدون أن الرئيس الإيراني الجديد يخطط لتكون زيارته للولايات المتحدة، واللقاءات التي ستتخللها مع الأميركيين والجالية الإيرانية، مدخلاً إلى انفتاح جديد مع واشنطن. وهو يسعى إلى أن يكون المغتربون الإيرانيون، المعارضون للنظام والمؤثرون في السياسة الأميركية، وسيطاً لترتيب العلاقة مع الإدارة الأميركية، وتحريك المفاوضات المجمدة حول الملف النووي، ما يؤدي إلى تنفيس الحصار المضروب على إيران، ولو جزئياً.
وفي الأسابيع المقبلة، يُتوقع أن يكثف الإيرانيون عروضهم لواشنطن. لكن انطلاق المفاوضات فعلاً يبقى رهناً باقتناع الإدارة الأميركية التي تعرف أن إيران تفعل ذلك لأنها تحت الضغط. ولذلك، هي ستحاول هذه المرة إملاء شروطها للقبول بالتفاوض، فيما كان الإيرانيون قد بادروا إلى تعليق المفاوضات خلال العامين الفائتين، وتحديداً منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا.
في أي حال، إذا نجحت المساعي، واستؤنفت المفاوضات، فإنها بالتأكيد ستؤثر على مسارات الحروب الدائرة حالياً في الشرق الأوسط. ولكن، ليس مضموناً أن تضع حداً لها. فعلى الأرجح، لن يوقف بنيامين نتنياهو حرب غزة والضفة، حتى ولو تم التفاهم بين الأميركيين والإيرانيين، لأنه يريد الذهاب في المواجهة هناك إلى النهاية، وسيستغل الفرصة حتى تصفية الملف الفلسطيني تماماً.
ولكن، من المحتمل أن يوافق نتنياهو على إبرام تفاهم مع "حزب الله" في جنوب لبنان، يضمن ولادة منطقة عازلة، بعمق كافٍ لتطمين سكان الشمال إلى أن أحداً لن يكرر ما فعلته "حماس" في غزة يوم 7 تشرين الأول 2023. ولكن، في المقابل، هل يوقف "الحزب" حرب المساندة ويترك "حماس" وحيدة في المواجهة؟ وما هو الثمن الذي سيطلبه للقبول بوقف الحرب في الجنوب؟ ومن الذي سيدفعه؟