اشتروا صوتكم بدولار.. وسرقوكم بمليون
اشتروا صوتكم بدولار.. وسرقوكم بمليون
فادي عبود
Saturday, 24-Aug-2024 08:04

وصلتنا بعض التعليقات على مقال الاسبوع الماضي حول الوزير المرحوم جورج قرم وتجربته الوزارية في حكومة سليم الحص الرابعة حيث اعتبر بعضهم انه لم يحقق شيء. ومن هنا نود استعراض ملخص تاريخي سريع عما حصل في تلك المرحلة لاستخلاص العبر.

تشكلت حكومة الحص الرابعة بعد انتخاب الرئيس اميل لحود واعتذار الحريري، ضم اليها شخصيات تكنوقراط وخبراء امثال قرم وغيره ، ولكن لم يتمكن من تشكيل حكومة كاملة منسجمة مع سياساته فبقي فيها وزراء ينتمون لسياسات الهدر السابقة.

 

وقد وضع قرم خطة لضبط المالية العامة، وتجنيبها مخاطر الإفلاس، حيث كان يعتبر ان الاقتصاد اللبناني تحول من اقتصاد ذي أداء عال نسبيا قبل الحرب، الى اقتصاد تبذيري محض.

 

وأطلق تحذيرات متكررة مفادها أن الخطة كانت «الفرصة الأخيرة أمام لبنان لتجنّب الكارثة، أو الوقوع في براثن صندوق النقد الدولي »، ( المادحين برياض سلامة ) ، واطلق شعار "إعلان الحرب ضد المديونية"، وبالتالي، ضد التبذير والانفاق الزائد، وشعار "صدِّر او مت" ، وحاول تغيير سياسات حاكم المصرف المركزي وسياسة تثبيت سعر الصرف ، وتنبأ حينها اننا قادمون على افلاس اذا استمر الانفاق على ما هو عليه من دون انتاج ونمو.

 

وتعرضت حكومة الحص الى اشرس هجوم جدا من داخلها وخارجها ومن السياسيين اللبنانيين الذين رأوا في سياسة التقشف خطراً على سمسراتهم ، كما تعرضت لهجومات طائفية وتم تصوير الحص انه مغتصب مركز لا يحق له ، وتعرضت لهجمة اعلامية غير مسبوقة محملينها كل مآسي البلد ، وقد تحدث القرم عن سيطرة قوة المال على أجزاء واسعة من الاجهزة الاعلامية في لبنان.

 

هي التجربة التي قال فيها الحص في كتابه «للحقيقة والتاريخ- تجارب الحكم بين 1998 و2000»: «اللهمّ اشهد أنّي حاولت» ، كما حذر جورج القرم في كتابه «الفرصة الضائعة في الإصلاح المالي في لبنان» الصادر عام 2001 من الوصول الى الافلاس والازمة المالية .

 

وفي العام 2000 ، ومع الانتخابات النيابية سقط سليم الحص في الانتخابات وخسر مقعده النيابي وخرج من الحياة السياسية في معركة طغى عليها المال السياسي، فكتب نقولا ناصيف في جريدة «الاخبار» ان «وحده المال كان برنامج الحملة الانتخابية» حينذاك. وكتبنا في مقال سابق انه " تبدأ مأساة مجتمع عندما يختار إسقاط إنسان نظيف الكف ووطني مثل دولة الرئيس سليم الحص في الانتخابات" .

 

ومع سقوط الحص وسيطرة صقور الاحزاب على الدولة ، خرج ايضاً جورج القرم من الحياة السياسية ولم يعد اليها ، لقد اخترنا ان نُخرج الاوادم من السلطة ، وان ننصاع الى المال السياسي الى ان وصلنا الى الافلاس والتعتير وانهيار خدمات الدولة.

 

كُسر سليم الحص بفعل المال الانتخابي، ولأننا اعتبرنا اننا نحقق مكسباً في كل مرة نقبل رشوة انتخابية او نختار مرشحاً مقابل خدمة هي في الاساس حق لنا. يجب ان نتذكر انّ من يدفع أموالاً في الانتخابات سيستعيدها اضعافاً من حقوق الناس واموالهم، لقد اشتروا منّا المستقبل بالرخيص وبعناه، والآن وصلنا الى واقع مهين ونعيش بالتعتير، فهل نريد بيع مستقبلنا مرة أخرى ؟

 

ولننظر اليوم كي نرى ما هي نتيجة إسقاط سليم الحص ورفاقه كجورج القرم وغيره ونتيجة تفضيل المال السياسي على نظافة الكف والعمل السياسي الوطني، لقد سقطنا في الهاوية. وصلنا الى إهدار كل حقوقنا واموالنا.

 

اذا أسقطنا «سليم الحص» مجدداً في الانتخابات واخترنا الانصياع مجدداً للمال السياسي وللفئوية والطائفية، فنحن نستحق ما يحصل لنا وأكثر، ونكون نحن مَن حَدّدنا مصيرنا ومصير اولادنا لسنوات عدة مقبلة، وبالتالي علينا ان نتوقف عن الشكوى والنق والتوقف عن إلقاء اللوم على أحد إلّا أنفسنا.

 

ولا أعني سليم الحص والقرم فقط كشخاص، بل بما يمثّلونه ، فهل سنتبع الخيار ذاته في الانتخابات المقبلة، ام اننا سنبحث عن «سليم حص» في كل منطقة وقرية ومدينة وندعمه ونرشحه وننتخبه؟

 

ونذكر مجدداً اننا اذا اخترنا ان ننتخب من لا يترشّح تحت شعار قانون الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة، ويتعهد بإقراره ومراقبة تنفيذه، او ان قبلنا ان نبيع اصواتنا مجددا مقابل مال او خدمات ، نكون قد أهدرنا أهمّ حقوقنا، ولا يحق لنا السؤال عن أموالنا وعن الهدر والفساد، وسبب عدم حصولنا على الخدمات الرئيسية مثل التعليم والطبابة والمواصلات، الخ .

theme::common.loader_icon