ترتبط خانيس بجذورها بشكل مباشر، وتقترن بالبديهيات الطبيعيّة من حولها لتجري مقارنة روحيّة بين الواقع والمحال، لأنّ الكائنات كلّها تتربّص بشراهة للشرّ المطلق، وتعتبر أنّ دورها كشاعرة هو ابتكار الحلّ الأخير لهذا النزاع القاتم والقائم بين الكائنات والطبيعة. فتفرح وتنسج من براعم الأمل بساطاً ورديّاً يعبره الغانمون بحبّ الخلق المدهش.
في قصيدة لها تقول: «حين كان الصقر يحوم في أعالي الجبال، يراقب حظّه، أطلق للمجنون غزلات، وقعن في شرك الصيّاد، حملت الريح صدى بكائها، وكانت كلمة واحدة منها، هَمهَم في أذنيها أنت رقيقة، ولكِ عينا حبيبتي، سليني عن ظلّ ليلى، بشمس وجهك الذهبيّة، ليلى تلقي بسرّها لشمعة وفراشة ليليّة وسحابة، الى شمعة تتمايل، أتساءل عن لون حداد الدخان المتلاشي، محترقاً في دموع من شمع، لا تزال تنبض بالحياة وتزاحم قلب المجنون».
تستخدم الشاعرة خانيس اسم ليلى كدلالة على تعلّقها بصلب الحضارة العربيّة، هي التي صرّحت مراراً بأنّ كلّ ما ييصره وجدانها ويحيق بها عربيٌّ أصيل، وتقترض من الشموع دمعها المبذر من النيران الحارقة التي تذرها على الهواء ليحتدم بتراب اللاوعي، مقترنةً بفلسفة أنبادوقليس الذي آمنَ بأنّ أصل الوجود يرجع لتنافر وتقارب العناصر الكونيّة الأربعة وهي الماء والنار والتراب والهواء، وتلج لبّ الطبيعة في عزّ تألّقها مفنّدةً أوهام الضياع في لجج التعبير، لينهبَ وصفها القلوب رقيقاً متوازياً مع خطّ العبور إلى نواصي الضوء الحالم. ونجدها في مقطع آخر تقول: «وللسحابة التي تمتص تنهداتنا أتضرع إليها أن تبتعد عن المطر، وتحول بقايا لهيبنا إلى نار متقدة، في شعلة واحدة، نجم خالد، يكون سرّ حبّنا...».
هذا الوصف الأنيق ينعقد حول جيد الشعر مثل عقد لؤلؤيّ أنثوي يغري بالتأمّل واللمس الشعوري، ويقرّ إقرار العارفين برومانيستّه الحالمة وتوهّجه المشعشع اللاهب، فالحبّ في نظرها اتّحاد واقتراب من حافّة الهذيان، يهدي لازورده لكلّ وصف ينتمي للمدرسة الطبيعيّة التي تؤهّل الروح للسفر في طيّات الجمال الباذخ، ولا مفرّ من الحب إلا بالحب نفسه، لأنّه ينصبّ نفسه فلكا عظيما يصرّح للكواكب بالعبور
كلارا باخيس صوت معاصر، ينتمي الى الحداثة الشعريّة والبعد عن التركيب المعقّد للشعر، وهي تفرّ من عالمها الى شطط الخيال تنعم بما يحصده من الوصف العذب الذي يشبه ترانيم ليلة صيفيّة مقمرة جلس قرب نوافذها العاشقون، وتسند قلمها الى حافّة الميتافيزيقيا الموشّحة بسبيكة الشمس التي تعكس بريقها اللامع، وهي تشبه بكتاباتها لوحة قمريّة انطباعيّة لمونيه، تبثّ سعادة في النفس وطمأنينة في حنايا الأحرف المتعانقة بأشواق الحب. وقد أجاب بيكاسو عن سرّ تعلّق الشعراء بحدائق التأمّل بقوله انّ السكون هو انعكاس الوحي ولهذا يعشق الرسام والكاتب الطبيعة لأنها تدلّل على مشاعرهم وتقطف أحلامهم من أشجار الحياة، وهكذا فعلت كلارا خانيس التي رسمت هواها شعراً ونطقت بكلماتها سرّاً وخرجت كلماتها من عمق الهدوء النسبي الذي يغلّف موسم الربيع في وجه الطبيعة الخالدة.