هذا ملحي
هذا ملحي
نسرين بلوط
Tuesday, 02-Jul-2024 07:00

رفعَ البحرُ السّحُبَ المارّةَ صوْبَ الأفقِ المتخضّلِ بالألوانْ .. كالطيرِ المذبوحِ على مصطبةِ الشهدِ ينادي .. قد ضربَ البحّارُ لنا مثلاً في الموجِ يناطحُ ظلَّ الشطآنٰ.. في مخدرِ شمسهِ فاءَ بظلّ الغيبِ المحجوبْ.. ومضى يكسحُ ماءَ القاعِ ويبتكرُ الضوءَ القاني.. ويدخّنُ تبغَهُ وحدهُ في نَزَقٍ ذابَ مع الأشجانْ.. وبحثتَ مليّاً عن رقعةِ ريحٍ تجرفُ عنّي ما يتصلّبُ من تمثالٍ منحوتْ.. غرّهُ حسُهُ بالطيبِ المحبوب... فجثا معتلَّ النفسِ شهيدَ الرغبةِ والتنهيدْ.. هي فلسفةُ الميلِ إلى الحسِّ المكبوتِ كما التجريبْ.. كالوهمِ القاتلِ أستيقظُ أركضُ في الساحاتٰ.. أكشفُ عن ساقٍ نخرَتْها أشواكُ الطرقاتْ.. كالطيرِ المصروعِ يزفّ البحرُ بقايا جسدي.. ويصلّي الشعرُ على أهوائي.. ما أقسى صمتَ البحّارِ وفي كفّهِ عودُ الكبريتِ يولّي نورَه عن ليلٍ داهمْ في سديم الرحيلِ حصادُ الغريب للأرصفة الشاردة.. يرصّ حجارة البعدِ متأنّياً.. متيقّناً من شهقة الطائر الذي يجفل راحلاً.. يخلّفُ غيماً يصعّدُ من أنفاسه مدّاّ من بخارِ البردِ وينفث أمطاراً موحلة.. تمرّ لوهلة وجوهّ كالحةٌ ويطرفُ جفنه نحو الخيلِ اللاهثِ كالريح.. يقرعُ طبلَها بلا خشية..

 

يبرقُ للصمتِ الأبديّ يلفُّ به الشقَّ العاري من الليل.. يتلبّدُ حنينُه مثل شاعرٍ سرمديٌّ باغتَ الفناءُ خيالَهُ فانضوى الى السكون.. نعم.. قد خلقَ القلبُ لينسى... يطوي العمرَ وريقاتٍ من أغصانٍ متيبّسةٍ... وينظّمها على عزفِ هوميروس لأشعارالترحالِ والتجوالِ الأليم . ويزعمُ أنّ الانسان بدأ رحلةَ التشرُد والبحثِ معه حتّى بلغَ آخرَ العصورِ الفانية...هذا ملحي..

 

هذا ملحي قالَ البحرُ ضعيهِ على موقدِ جرحكِ قبْلَ سطوعِ النجمِ الهامسْ... ما حلمكِ إلّا.. هذيان الدمعِ حنيناً يُروى.. بِسِنانِ الموجِ الهادرِ حبّاً سيري كأميرةِ عشقٍ يسري.. لوّحكِ الزبدُ الأبيضُ ناراً... أرداكِ جنوناً يُحكى... لم يعرفْ سطوتكِ السرْبُ البائسْ.. هاجرَ غرباً منتحلاً لغةَ الأشرارْ.. هذا ملحي ضمّيهِ إلى صدرِ الرملِ يشاكسُ عرشكِ في استحياءْ... حلّي من عينِ الماءِ جداولهُ الأحلى..الحيُّ هو الأبقى فينا...

 

طرفتْ عيونُ البحرِ يركضُ هائجاً...

ملحي ضعيهِ على دروبِ الهائمينْ...

 

أجفانُ شمسٍ قد تمطّتْ في الرمالْ..

هدّتْ سياراً من غُضونِ الحالمينْ...

theme::common.loader_icon