عصرُ الصواريخ
عصرُ الصواريخ
جوزف الهاشم
Friday, 28-Jun-2024 07:45

كلُّ عصرٍ في التاريخ كان يُسمّى باسم الحَـدثِ الذي يطغى عليه...
من هنا: كان عصـرُ ما قبل التاريخ، وكان العصر الحجري، وعصر الإنحطاط، وعصرُ النهضة الأوروبي مع سقوط القسطنطينية، وكان عصر التنوير في فرنسا وعصر النهضة العربي عهد أمبراطورية بني عثمان.
وأبـرزُ إسمٍ ينطبق على هذا العصر، هو عصرُ الصواريخ.
من حـرب الصواريخ في روسيا وأوكرانيا وحرب الخليج واليمن والسودان وإسرائيل وإيران وسائر الساحات، إلى حرب بحـر الـدم الأحمر في غـزّة، وصواريخ البحر الأحمر على المدمّـرة إيزنهاور، وما تطاير من شظايا على الرئيس إيزنهاور في قبـره ...
هكذا، ومع انبلاج كـلِّ فجـرٍ واحتجاب كـلِّ شمسٍ تطالعُكَ عربـدةُ الصواريخ، وهي تتراقصُ بينَ الأرض والجـوّ: في الجـوّ بـروقٌ ورعود، وعلى الأرض محارق وبارود، والعالم ينام على قعقعـةِ القذائف ويفتح عينَيْـهِ على بُـرَكٍِ من الـدم.
ويتعاظم السؤال: مِـنْ أينَ وكيف تتدفَّقُ هذه الحِمَـمُ النارية كالينابيع، وتنهمر كالسيول...؟
مـنْ أيـنَ مصانعها ومواردها وذخائرها وتمويلها...؟ وكيف يُنْفَـقُ على إنتاج نـارِ الحروب ما يفوق على إنتاج حياة الشعوب...؟
ليس شرطاً أن يكون السلاحُ آلـةً للموت، هناك عالَـمٌ حضاري يستخدم السلاح مـادةً للحياة: في دولة السويد صُـنِعَ خرطوش للزرع، كلُّ واحدةٍ من الخرطوش تضـمّ نوعـاً من الحبوب لإحياءِ المواسم الزراعية..
هناك عالَـمٌ يجعل المواسمَ بواسم، وعالَـمٌ يجعل المواسم مآتـم...
بين عصرٍ متخلّفٍ يحافظ على حياة الإنسان، وعصـر متقدّم يحلّـل الإنسان للموت، يصبح التخلّف مطلباً حياتياً، المحافظة على الحياة تبقى الأفضلية المطلقة، كما يقول مثلٌ إيطالي.
سلاح العصر الحجري الذي يُصنع من الأحجار المشطوبة، أو سلاح القوس والنشّاب، هذا يؤدي إلى قتل امـرئ واحـدٍ في غابـة...
والسلاح العصري الذي يـدّكُ الشامخات ويُبيـدُ الجماعات، هذا يعني قتـلَ شعبٍ آمـنٍ وجريمةً لا تُغتَفَـر.
وبهذا، يقول الفنان الإسباني «بابلو بيكاسو»: عبقريةُ أينشتاين تقـود إلى هيروشيما.
بعد الحرب العالمية الأولى كان مؤتمر الصلح في باريس وعلى رأسه أرباب الـدول الكبرى: الولايات المتحدة وإنكلترا وفرنسا وإيطاليا، انبثقَتْ منـه معاهدة «فرساي» التي اعتَبرتْ نزْعَ السلاح هو الوسيلة الفضلى لتحقيق السلام العالمي، وأُنشئَتْ عصبـةُ الأمـم لحـلّ المشكلات الدولية بغير لغـةِ الحرب، ومَنْـحِ الشعوب المظلومة والصغيرة حقوقها المشروعة في تقرير مصيرها...
وبالرغم من هذه البدائع الإنسانية والتعهُّدات، كانت مجزرة هيروشيما خلال الحرب العالمية الثانية، وكان أرباب مؤتمر الصلح في باريس هم الذين يجعلون من الحروب تجـارةً للملوك.
وإلاّ، فكيف تحوّلَتْ عصبـة الأمـم إلى عصابات دولية حيال المعنى الحقوقي والشرعي والإنساني لقضية فلسطين...؟
أخطـرُ ما يواجـهُ هذا العصر، أن تظـلّ اللغـةُ فيما بين الـدول الكبرى وبينها وبين الدول الصغرى، شبيهـةً بلغـة الرئيس الأميركي جورج واشنطن حين خاطب الإنكليز بالقول: «إنّ ثروة الأمبراطورية البريطانية لا تكفي ثمنـاً لبلادي، حاربوا.. إمّـا أن تفنونا وإمّـا أنْ نفنيكم...».
وإذْ ذاك، لا يعود السمك الكبير يبتلعُ السمكَ الصغير، بل يصبحَ كـلُّ السمك ضحيَّـة البحور الهائجة.

theme::common.loader_icon