تعددت التفسيرات للرصاصات التي أطلقها السوري قيس فراج على السفارة الاميركية في عوكر. ومع ان المسلح قال بعد توقيفه مصاباً بأنه نفذ الهجوم نصرة لغزة، الا ان هناك من وضع الحادثة في إطار أوسع وأصرّ على أنه تم استخدام المهاجم كساعي بريد لإيصال رسائل إلى الأميركيين، فيما اعتبر البعض الآخر أن واشنطن تدفع ثمن سياساتها في ملف النازحين على قاعدة انذ «السحر انقلب على الساحر» او «طابخ السم آكله».
تواصل مخابرات الجيش التحقيق في ملابسات الهجوم على السفارة الاميركية، علماً ان عدد الموقوفين في هذه القضية وصل إلى 16 شخصا.
وسعياً الى استكمال الصورة الحقيقية لما جرى، وُضع المنفذ الموقوف قيس فراج والقريبون منه تحت مجهر المحققين، فيما أبلغت مصادر أمنية الى «الجمهورية» ان الرجل يحمل بالتأكيد الفكر الداعشي «وهو أتى من بيئة متطرفة شحنته بالمواد التعبوية».
وتلفت المصادر إلى ان من بين الاسئلة التي يحاول التحقيق ان يجيب عنها: لماذا اختار السوري فراج السفارة الأميركية تحديدا لمهاجمتها وليس اي هدف آخر؟ وهل هناك «مستوى أعلى» وَجّهه وطلب منه تنفيذ هذه المهمة ام تحرك من تلقاء نفسه نتيجة تأثره بالنهج المتطرف الذي ينتمي إليه؟ وهل يوجد من ساعده في التخطيط والتنفيذ أم هو وحده المسؤول عن عملية إطلاق النار بكل مراحلها؟
وتكشف المصادر ان التدقيق في ملف فراج أظهَر انه كان لديه تواصل عابر للحدود، وتحديدا مع أشخاص في العراق.
وتلاحظ المصادر الأمنية انه لا تزال توجد في بعض المناطق اللبنانية بيئة حاضنة ومنتجة للفكر الداعشي الذي يمكن أن يتخذ اشكالاً مختلفة ومن بينها الشكل العنفي، موضحة انه تبيّن على سبيل المثال ان كل أعضاء «مجموعة الثمانية» التي تم توقيفها في عكار اخيراً هم من المتأثرين بالفكر الداعشي ولديهم اقارب وأصدقاء إمّا قتلوا على الحدود السورية - العراقية وإمّا سُجنوا في سجن رومية، وبالتالي لا يمكن فصل هذه العوامل عن تخطيط تلك المجموعة لتنفيذ عمليات إرهابية في الشمال.
وتحذّر المصادر من أن توليد النهج الداعشي مستمر في بعض الأماكن ويجب التنبه إلى هذا الأمر كونه يشكل أرضية خصبة لأي اعمال إرهابية محتملة.
على مستوى الاستنتاجات السياسية، تعتبر اوساط سياسية ان واقعة إطلاق احد الأشخاص السوريين الموجودين في لبنان النار على السفارة الاميركية إنما أثبتت أن محاولات الاستثمار الغربي في ملف النازحين لتحقيق أغراض سياسية هي مغامرة غير محسوبة جيدا، وان الاصرار على إبقائهم في لبنان لتوظيفهم في خدمة المصالح الأوروبية والاميركية ليس مضمون النتائج.
وبناء عليه، فإنّ مهاجمة السفارة غداة مؤتمر بروكسل الذي رفض دعم خيار العودة، يشكّل جرس إنذار ورسالة مفادها ان قنبلة النازحين قد تنفجر في اي وقت بين يدي من يعبث بها او من يظن ان بإمكانه استخدامها ضد الآخرين.
وزير المهجرين عصام شرف الدين الذي كان قد نَبّه منذ فترة إلى انتشار المقاتلين في صفوف النازحين، يدعو عبر «الجمهورية» إلى صحوة أمنية حتى اقصى الحدود إزاء الخطر الأمني الناتج عن فوضى النزوح المتفلّت من الضوابط الضرورية، مشيرا الى انّ إهمال التسلح في مخيم نهر البارد سنة 2007 أدى إلى ما أدى إليه، «ويجب أن نكون قد تعلمنا الدروس الكافية من تلك التجربة».
ويكرر شرف الدين التحذير من وجود مقاتلين متدربين، ومن كافة الفصائل العسكرية السورية، في داخل مخيمات النازحين والأحياء السكنية التي يقيم فيها سوريون، مؤكداً وجوب التحسّب لهذا التهديد الكامن وعدم الاسترخاء حياله.
ويشير إلى أنه «سبق للبنان أن تعرّض لخطر وجودي من قبل دعاة ما يسمّى «الدولة الإسلامية» حيث سُجلت عمليات إرهابية ومحاولات تمدد كانت كلها تصب في مصلحة أعداء لبنان، ووفق توقيتهم».
ويضيف: ما أخشاه اليوم أن تكون الجهات نفسها قد بدأت تنفيذ خطة جديدة لإضفاء صفة ثورية على «داعش» ضد أميركا، علما ان اللافت هو أنّ مطلق النار على السفارة الاميركية كان مرتاحاً لوضعه في مسرح الحدث، وتنقّل براحة تامة معتمراً خوذة بشعارات داعشية، ولا بد من التنويه بدور الجيش اللبناني الذي أوقف حتى الآن 16 شخصا وكان قد أوقف الاسبوع الماضي 8 أشخاص ينتمون إلى داعش، ولا بد من ان الايام المقبلة ستكتشف من المستفيد من عملية مشبوهة كهذه وما هي حقيقة اهدافها.
ويشدد شرف الدين على أن تشكيل لجنة وزارية للتنسيق مع الدولة السورية في ملف النازحين يشكل ضرورة ملحة، معتبراً ان اي تأخير على هذا الصعيد هو تلكؤ إضافي من قبل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، «وقد سبق أن شهدنا سيناريو تشكيل لجنة وزارية ومن ثم حصل التنحّي المعروف عن رئاستها وتم الغاؤها لأسباب غير مقنعة».
ويشدد شرف الدين على أن المطلوب أن يترأس الرئيس ميقاتي اي وفد وزاري قد يزور سوريا للبحث في الآليات الممكنة لتقليص حجم أزمة النازحين، موضحاً انه طالبه بذلك في مجلس الوزراء.
ويؤكد شرف الدين انّ احتمال اعتكافه، والذي سبق ان لوّح به، لا يزال وارداً لديه اذا لم تتم إعادة تسيير قوافل العودة للنازحين خلال فترة قصيرة، مضيفاً: نحن كوزارة مهجرين سلّمنا ثلاثة لوائح تضم اسماء حوالى أربعة آلاف نازح سوري يودون العودة إلى ديارهم، ولكن للاسف علمت انه جرى الاكتفاء بإرسال جزء بسيط جداً إلى الأمن الوطني السوري، وهذا مؤشر لا يدعو إلى الارتياح.