لا بد من التوقف عند المشهدية الجامعة المعبّرة أمس في الصرح البطريركي التي تكتسب أبعاداً كثيرة ورمزية لافتة، إن كان من حيث خصوصية المكان أي الصرح البطريركي، أو على مستوى التمثيل الجامع، الذي جمع وزراء فَرّقتهم السياسة ولم تتمكن الطاولة الحكومية من جَمعهم، كما جمعت ايضاً رموزاً نيابية متخاصمة وأجهزة أمنية من أطياف مختلفة، زِد عليهم أهمية الزمان أي التوقيت الدقيق لهذا اللقاء بعدما أصبح الوجود السوري يُلامِس السهل والجبل والأرزاق والأملاك ويغدو خطراً وجودياً على الجغرافيا وعلى الهوية، يَصل الى حد وصفه بالاحتلال السوري. من دون الغوص في تفاصيل هذا الاحتلال عما إذا كان شرعياً أم غير شرعي، أم إذا كان المعنيون السوريون نازحين موقوفين أم محكومين في السجون اللبنانية! لأنّ النتيجة واحدة، اكتظاظ كاسح في السجن الصغير وفي السجن «الكبير» أي الوطن.
في الجلسة التشاورية الاخيرة التي ناقش فيها الوزراء موضوع إمكانية ترحيل المساجين السوريين، والذي يبلغ عددهم قرابة 2700، إنبرى بعض الوزراء الى التعليق بما معناه انه حتى لو تم ترحيلهم من الباب فإنهم سيعودون من الشبّاك. لكن احد الوزراء علّق بالقول إنه على الدولة اللبنانية ان تقوم بواجباتها ولا تتذرّع بأنهم سيعودون، بغضّ النظر فيما لو «عادوا من الشبّاك». وعلّق الوزير في الجلسة ان على الدولة إعادتهم الى سوريا مرتين وثلاث وفي كل مرة يحاولون العودة لأنّ المعيار واحد، اي على قاعدة الدخول الشرعي والوجود غير الشرعي ودخوله وفق الاصول عبر المعابر الشرعية.
وبغضّ النظر عن الارقام ارتأى المجتمعون ضرورة البدء بترحيل السوريين، وبدايةً بالسجناء الذي يبلغ عددهم بالاستناد الى احصائيات وزارة الداخلية 2500 بين محكومين ومسجونين.
وفي السياق اكد وزير العدل هنري الخوري، الذي شارك في اللقاء التشاوري مع باقي الوزراء ومع الاجهزة الأمنية، انّ المسألة يلزمها تواصل مع الدولة السورية لأنّ الاكتظاظ داخل السجون لم يعد يُحتمَل، والسجون اصبحت اكثر من مكتظة ولم يَعد بوسع سجون لبنان تَحمّل أعداد اضافية من المساجين، سواء من التابعية السورية او اللبنانية، كما انّ ميزانية الدولة لا تسمح ببناء سجون جديدة. ويلفت خوري الى انّ ترحيل 1000 سجين سوري الى سوريا أمر لا يُستهان به، اي انه بإمكانه تخفيف حدة الاكتظاظ ولو بنسبة 10% من السجون اللبنانية مهما كان العدد الذي سيتم البحث به من شأنه إراحة باقي المساجين في حال توافقت الدولة اللبنانية مع الدولة السورية على تسليمهم.
المعوقات
وتشير مصادر وزارة العدل الى انّ إتمام التواصل هو الصورة الاولية لبداية المهمة، وان الجانب السوري في اللقاء الأخير الذي جمعه مع الوفد اللبناني أعلن عن موافقته على تَسلّم المساجين من التابعية السورية، وأظهَرَ جهوزيته ولم يرفض عملية التسليم، الّا انّ القضاء اللبناني لا يمكنه تسليم كافة الموقوفين السوريين فهناك محكومون وهناك غير محكومين، ولذلك يجب دراسة كل ملف على حِدة لأنّ هناك جرائم يتخللها حقوق شخصية واخرى جرائم إرهاب.
وتشير المصادر نفسها الى أنّ الجرائم الصغيرة من الممكن ان يتم تسليم مُرتكبيها الى القضاء السوري، فالهدف ليس تسليم كافة المساجين السوريين قبل دراسة كامل ملفاتهم كلّ على حِدة لأنّ لكل ملف خصوصية ولا يمكن التعميم، فهناك جرائم صغيرة يمكن ترحيل موقوفيها الى السجون السورية بالاتفاق مع الدولتين، فيما لفتت مصادر وزارة العدل الى ان ليست هي مَن تُقرر، بل القرار يعود الى النيابة العامة التمييزية التي تعلم وحدها مدى خطورة الملفات التي بين أيديها والمتعلقة بالمساجين السوريين. فيما اشارت المصادر نفسها الى إيجابية الاعلان عن ترحيل المساجين السوريين الذي سيدفع بالمطلوبين امام السلطات السورية بالتفكير مرتين قبل الهروب من سوريا الى لبنان خوفاً من إعادة تسليمهم.
تاريخ العودة!
امّا عن تاريخ التواصل فهو متروك لمدير عام الأمن العام اللواء الياس البيسري، الذي بدوره يكشف لـ»الجمهورية» انه بصَدد تحضير دراسة شاملة لملف النازحين السوريين ستكون مفصّلة وسيعرضها في المؤتمر الذي سيناقش ملف النازحين السوريين في بروكسل الشهر المقبل.
امّا بالنسبة لملف الموقوفين السوريين فهو بصدد تحضير خطة تُمهِّد لترحيل عدد من المساجين بالتنسيق مع وزير العدل والنيابة العامة التمييزية وبإشراف وزير الداخلية.
وكشفَ عن تحضير تعديل من قبل المديرية العامة للأمن العام تتعلق بشروط الإقامة بالنسبة للمقيمين، مؤكداً بأنّ التعديلات الجديدة ستَتشدّد في ضرورة تطبيق شروط الاقامة، ومنها تطبيق احكام صارمة على أيّ سوري مخالف لشروط الاقامة او مخالف للقوانين اللبنانية، بما فيها تعريضه للترحيل الفوري فيما لو خالفَ تلك الشروط.
وهذا الامر شهدنا بدايته امس بعد بيانٍ مسائي صدر عن مديرية الأمن العام، وضعَ استراتيجية تتضمن خارطة طريق لضبط وتنظيم ملف السوريين الموجودين على الأراضي اللبنانية، وقد باشَرت دوائر الأمن العام ومراكزه بتنفيذ الإجراءات اللازمة ومن ضمنها إقفال كافة المؤسسات والمَحال المخالفة التي يديرها أو يستثمرها سوريون، واتخاذ الاجراءات المناسبة بحقّ كل من يستخدم عمالًا اجانب خلافًا لنظام الإقامة وقانون العمل. وعملياً، قامت أمس دورية من الأمن العام في صور وشعبة المعلومات في الجنوب بتوقيف عدد من السوريين المخالفين لشروط الإقامة، كما تم إقفال بعض المؤسسات التي يديرونها بالشمع الأحمر...
امّا عن موعد زيارته الى سوريا فأكد البيسري انّ الامر يحتاج الى توقيت مناسب متّفق عليه مُسبقاً بين الدولتين السورية واللبنانية، لتهيئة الارضية ولبدء المفاوضات حول امكانية ترحيل المساجين، مشدداً على ضرورة التهدئة السياسية والاتفاق السياسي وأهمية احترام المعاهدات الدولية التي تحفظ حقوق الانسان. اما بالنسبة الى وجوب التقيّد بالمعاهدة التي عقدت بين لبنان وسوريا، فلفتَ البيسري الى انّ الاتفاقيات بين الدول خاضعة دائماً للتعديل لأنّ المعاهدات بين الدول «غير مُنزلة»، وهي خاضعة للتعديل في حال توافقت الأطراف المعنية بالمعاهدة على ذلك، مشيراً في الوقت نفسه الى ضرورة ان تبحث كافة الملفات بدقة وعلى أن يُدرس كل ملف على حدة.
اما بالنسبة للمحكومين بقضايا إرهاب، فأكد البيسري ان القانون اللبناني يمنع عودتهم ويجب عليهم إتمام مدة محكوميتهم كاملة في لبنان.
في المقابل، تتخوف مصادر حقوقية مِن تبدّل رأي الجانب السوري في اللحظات الاخيرة لمطلق أي اتفاق، بالرغم من اعلان موافقته الأولية في اي لقاءات سابقة على تَسلّم المساجين السوريين والتي قد تكون موافقة مشروطة.
في المحصّلة، هناك وجهتا نظر في القضاء: واحدة تتخوّف من المعاهدة بين لبنان وسوريا التي تمنع تسليم الموقوفين او المحكومين او المسجونين كما انها تنص على شرطين:
١ - موافقة الموقوف على تسليمه الى السلطات السورية للمحاكمة.
٢ - الاسترداد، أي طلب استرداد موقوفين متورّطين بجنايات من قبل الحكومة السورية، الأمر الذي يتطلّب دراسة ومرسوم حكومي لأنّ قانون القضاء اللبناني يمنع تسليم موقوفين الى سوريا.
أمّا وزير العدل فيؤكد لـ«الجمهورية» انّ اي اتفاقية جديدة بين الطرفين اللبناني والسوري بإمكانها ان تكون قابلة للتعديل اذا وافق الطرفان المعنيان. أمّا عن امكانية التحرك على هذا الاساس في قضية تسليم الموقوفين وماذا عن اعتراض المجتمع الدولي بما فيه
الـ UNHCR؟؟ فإنّ وزير العدل يعلّق بالسؤال: وهل انّ تسجيل السوريين في UNHCR يُخوّلهم الاقامة والدخول الشرعي حتى لو كانوا مسجلين؟ واضاف: إنهم مسجّلون لقبض الاموال وليس للبقاء في لبنان أو لإرتكاب الجرائم، كما انه لو ثُبت جُرمهم فيجب وفق القوانين الدولية ان تُحجَب التغطية المالية عنهم!
وذكّر وزير العدل أن الاتفاق تم عقده بين السوريين والـ UNHCR وليس بينهم وبين الدولة اللبنانية! وبالتالي ما هي علاقة لبنان بهذا الاتفاق؟!