إرحلْ... لا ترحلْ
إرحلْ... لا ترحلْ
نسرين بلوط
Tuesday, 30-Apr-2024 07:26


وتباركَ منْ هجرَ القلبَ وسجى في قعرِ جحيمٍ لا يسبى... إرحل... لا ترحلْ! بل ابقَ معي.. فيضاً من لاهوتْ.. إسواراً للظى شمسٍ تتوهّجُ من جرفِ الأفلاك... أو هجرةَ طيرٍ قد يرجعُ بعدَ غيابْ... إرحلْ... لا.. ترحلْ.. هجرانكَ ظلمٌ... يعييني زوراً... أبرقُ في غَبشِ ضبابْ... طيرُ السعدِ ثراكْ... وتباركَ من ودَّعَ حلماً شفّافاً كترابٍ جافْ... ومطاوي الليلِ تبوحُ بما لا يُروى... تصطفقُ الأوراق تناديكْ.... يأتي صوتكَ حادّاً... نحنحةً تتردّى... إنّي راحلْ... يرتجُّ جنونُ البحرِ يهفو سحراً بعد رحيلكْ... يزجي لكَ نايَ الآهاتْ... مُسْكِرُهُ الدهرُ على فولاذْ... وكأنَّ أدونيسْ ما عشقَ العشتارْ.. وغريمتها ميرا... فمضى مختالاً كالهدّارْ... ارحلْ... لا ترحلْ... فالرّيحُ تعزفُ عندَ الباب.
يا أيّها البحرُ ما غرّكَ بالعاشقِ التائب؟.. إذ أوى موجكَ إلى قِرَبِ الرملِ فانسدلت فوقه أطيافُ الغيم الأبيضِ تخرقُ شمسَ الأصيل.. أظلمتِ السماءُ خلسةً وأعرضتْ عن خمركَ الذائب.. لم أهتدِ للضوءِ بل مكثتُ في رقعةِ الغيبِ أستبقُ الرؤى.. إذ بلغَ الصبرُ منتهاهُ ولم يأتِ أحد.. وقلّبني الدمعُ فوق أخيلةِ الظلامِ ورجعَ الصبحُ على أعقابه عابثاً.. إنّي لم أعصِ للهوى أمرا.. فكيف تجمَّعَ فوق الغيمِ خسوفُ الضوءِ وتدلّت كواكبُ تسعى ؟.. وانتفضَ الطودُ الملقيُّ على أنقاضِ قلعةٍ تداعت.. فاجترحتُ لغوَ الحبّ لأشقى.. يا أيّتها الريحُ ما وجّهكِ نحوي كي أموتَ لأحيا؟.. للشعرِ بوحٌ لا يقترنُ بهديرِ الموجِ أو زبدِ البحرِ وهو يتجشّاُ قوافلَ النسيان.. أنصت.. لم يأتِ أحد.. يحضر طيفُ المعتصمِ يجهرُ بالقولِ لامرأةٍ أنهكها الذلُّ لبيّكِ.. تسقطُ مدنٌ وتحيا ممالكُ أهلكتها الخرائب.. يا أيّها الهوى ما غرّكَ بالعاشقِ التائب؟

theme::common.loader_icon