كما كان مقدّراً، وَسّع العدو الاسرائيلي اعتداءاته على لبنان مستهدفاً المدنيين والمسعفين، تنفيذاً لسياسة عسكرية تقتضي بحسب ما قال قادة عسكريون اسرائيليون «بتوجيه ضربات موجعة لـ«حزب الله» في لبنان». بينما كان ردّ الحزب مماثلاً وموجعاً ايضاً بحسب اعترافات الاعلام العبري عن حجم الخسائر التي حصلت في المواقع العسكرية والمستوطنات الحدودية وفي ما بعدها من قواعد وثكنات ومستعمرات.
بَدا من سياق المواجهات خلال الاسبوعين الماضيين، وبحسب متابعين عن قرب، انّ المقاومة ترد على الضربات التي تستهدف مواقعها وعناصرها بضرب مواقع اسرائيلية عسكرية. وفي حال تَمادت اسرائيل بضرب مناطق في العمق اللبناني كالبقاع، تردّ المقاومة بضرب ثكنات وقواعد عسكرية مهمة في الجولان وطبريا وصفد عبر طائرات مُسيّرة وصواريخ ذكية، واذا تلقّت اسرائيل ضربة موجعة تردّ بضرب اهداف مدنية يرد عليها الحزب بضرب منازل ومواقع في مستمعرات يَتمركز فيها الجنود وما يزال فيها بعض المدنيين في تكريسٍ لمعادلة عسكرية جديدة... وهكذا الحال حتى إشعار آخر.
لكن في تقدير المطّلعين على سير عمليات «حزب الله»، ان الامور لن تذهب ابعد من هذا المدى الى حرب او مواجهة اوسع لعدة اسباب ابرزها:
- لدى الحزب اعتبارات لبنانية داخلية صرفة تراعي ظروف لبنان واهله، فلا يطوّر معركته نحو مواجهة اوسع او حرب ولو محدودة.
- عجز الكيان الاسرائيلي عن فتح معركة كبيرة او حرب ولو محدودة على طول جبهة الجنوب، لإدراكه هو ومن يدعمه، بأنّ قدرات المقاومة ما زالت كبيرة وقادرة على الردع في أي مواجهة مهما كانت.
- انّ الجو الاقليمي والدولي ما زال يسعى للتهدئة سواء في قطاع غزة او في كل الجبهات الاخرى المفتوحة، وهناك ضغط دولي كبير على اسرائيل لعدم توسيع المواجهات اكثر لا في غزة ولا في جنوب لبنان، لكن يبدو ان حكومة الكيان الاسرائيلي ما تزال مصرّة على مواصلة الحرب على غزة وعلى اجتياح رفح لأنه «لا يمكن تحقيق النصر الكامل من دون ذلك»، كما يقول قادة الكيان المدني والعسكريون.
وقد اعلنت «هيئة البث الإسرائيلية» امس، نقلاً عن مسؤول لم تحدّده: «ان الجيش الإسرائيلي سيدخل لبنان بعد الانتهاء من عملية رفح»؟! ما يعني الاصرار على اجتياح رفح والانتهاء اذا امكَن من حرب غزة للتفرّغ اكثر لجبهة لبنان. مع ان «حزب الله» يعتبر ان مثل هذا الكلام ليس جديداً.
هذه الوقائع تؤكد حصول خلاف عميق بين الادارة الاميركية وبين حكومة الكيان الاسرائيلي، ليس حول استمرار الاعمال العسكرية الكبيرة فقط، بل حول الحل السياسي لموضوع غزة ما بعد الحرب، لجهة كيف سيكون الحل، ومن سيُدير القطاع بعد الحرب، ولجهة ما يُقال عن مسعى دولي لبدء المفاوضات حول «حل الدولتين» الذي ترفضه معظم قيادات اسرائيل السياسية وتعمل بالسر وبالعلن على تهجير الفسطينيين الى مصر والاردن، وسط صمت دولي او عدم اكتراث غريب ومُحيّر على هذا التوجّه.
وترى المصادر المتابعة انّ هذه الوقائع الميدانية العسكرية والسياسية، ما زالت تحول دون حصول اي تقدّم في مسعى الموفد الاميركي آموس هوكشتاين لتهدئة الجبهة الجنوبية، وافادت ان اي مسؤول لبناني ولا حتى «حزب الله» تلقّى اي جديد من هوكشتاين حول حركته المقبلة، بانتظار ما ستُسفر عنه الاتصالات والاجتماعات القائمة حول تحقيق هدنة غزة وإمكانية انتقالها الى جبهة جنوب لبنان.
لذلك، ترى المصادر المتابعة لمسار الجبهة الجنوبية ان الأمور ستبقى على حالها في المواجهات العسكرية مضبوطة الى حدود كبيرة بين تصعيد محدود وضربات موضعية متبادلة للمراكز العسكرية. وكما يقول الحزب: «نضربهم فيضربوننا، نقتل منهم ويقتلون منّا» حتى تحدث تطورات جديدة تُغيّر المعادلات القائمة تصعيداً كبيراً او تهدئة ولو مؤقتة.