رئيس الإتحاد الدولي لرجال وسيدات الأعمال اللبنانيين MIDEL وعميد كلية إدارة الأعمال في جامعة القديس يوسف USJ
عادت الدولة اللبنانية وأقرّت زيادات عشوائية لموظفي القطاع العام، فما الجديد - القديم لهذه القرارات الكارثية؟ وما هي مخاطرها؟
لا شك في أنّ الشعب اللبناني ككل، وسائر موظفي القطاعين العام والخاص، قد خسروا أكثر من 85% من مدّخراتهم، وجنى عمرهم، و85% من مداخيلهم، أو ما تبقّى منها، و85% من نسبة عيشهم، ولم يعد لديهم مداخيل كافية لتأمين أقلّ حاجاتهم الإنسانية والأساسية، في ظلّ التضخُّم المحلي، الإقليمي والعالمي، الذي أعاد كلفة العيش إلى أكثر ما كان في العام 2019، أي ما قبل الأزمة.
من جهة أخرى، نذكّر بأنّ حجم الدولة، كان منذ عقود، أكثر بكثير مما تستطيع أن تتحمّله، بغية تأمين إنتاجيتها، وقد كانت كلفة موظفي الدولة، من الأسباب الأساسية للعجز ولما وصلنا إليه اليوم.
نذكّر أيضاً بأنّ التوظيف في القطاع العام، كان في معظم الأوقات توظيفاً مذهبياً وطائفياً، وحزبياً وسياسياً، وخدماتياً، بعيداً من الخبرات والمهنية والإنتاجية. إضافة إلى ذلك، ليس خافياً على أحد، أنّ هناك بعض موظفي القطاع العام يتقاضون أكثر من راتب، ولا يعلمون مكان عملهم الأصيل. وجزء آخر منهم، لا يتكلّ على معاشاته، لا بل يتكلّ على تقاضي الرشاوى بالدولار الفريش أو حتى بالذهب.
لن ننسى أيضاً أنّه عندما أُقرّت سلسلة الرتب والرواتب (في تموز 2017)، كان شيكاً من دون رصيد، لأنّ الدولة رفعت أجور القطاع العام عشوائياً من دون اي دراسة، ورفعت معها التضخُّم بأضعاف، ولن يستفيد أحد من هذه الزيادة الوهمية، لا بل كان أيضاً هذا القرار من أسباب الأزمة التي وصلنا إليها اليوم.
إنّ الزيادات المطروحة ستزيد الكتلة النقدية، وتزيد التضخم، فالذي سيُعطي في يد، لبعض الموظفين، سيأخذ في يد أخرى أضعافاً، من كل الشعب اللبناني، وسيزيد الضغوط على سعر الصرف المستقر منذ أشهر عدة.
قبل إقرار أي زيادات، إنّه من الجوهري، أن نستثمر هذه الفرصة الفريدة، لإعادة هيكلة الدولة الداخلية، وإعادة ترشيق حجم الدولة، ودعم الموظفين المنتجين، وإعطائهم زيادات أضعاف ما كانوا يتقاضونه، والحدّ من التوظيفات غير المنتجة والشفّافة والبنّاءة.
نذكّر بأنّ صندوق النقد الدولي، كان قد وصّف الأزمة الإقتصادية اللبنانية، بأكبر أزمة لا مثيل لها في العالم، وشدّد على أنّها أزمة متعمّدة. إننا مقتنعون بأن ليس فقط الأزمة متعمّدة، لكن عدم الإصلاح هو المتعمّد أيضاً، لتكملة هذا الإنهيار الكارثي، وإستكمال مسلسل النهب في حق الشعب والإقتصاد.
إنّ بعض الأيادي السود الخفية، لها مصالح وتجرّ بعض الوزارات إلى الإضرابات، حيث يُحجر في بيته بعض الموظفين الشفّافين، ويتسلّم الوزارات الفاسدون، ويتقاضون رشى باهظة لهم ولمن يحميهم.
نذكّر بأنّه بعد انهيار إقتصاد اليونان، وإعادة هيكلته عبر صندوق النقد الدولي، كانت نقطة الإنطلاق، بإلزامهم خفض حجم الدولة بنسبة 50%، ومن ثم إلزامهم بخفض بنسبة 50% من الرواتب للقطاع العام، وهكذا بدأوا بإعادة بناء دولتهم وإقتصادهم على أسس متينة.
في المحصّلة، إنّ المسؤولين المباشرين عن أكبر أزمة إقتصادية، مالية، نقدية وإجتماعية في تاريخ العالم، هم الذين لا يزالون في الحكم، وهم أنفسهم الذين يتخذون القرارات الكارثية والعشوائية عينها التي أوصلتنا إلى حالتنا اليوم، ويتبعون الإستراتيجيات والخطط البالية والشعبوية وغير المدروسة ذاتها، كأنّ لم يحصل شيء، وتُعاد الأخطاء نفسها، على الشعب المذلول والمنهوب عينه، ولا نزال ندور في الحلقة المفرغة عينها، فرجعت حليمة إلى عادتها القديمة.