تتموضع مكوّنات سياسيّة لا مثيل لها في أي دولة في العالم، حتى في الدول المصنّفة متخلّفة. مكونات رافضة لبعضها البعض، لا بل معادية لبعضها البعض، تندفع بين حين وآخر الى سجالات ومناوشات واتهامات وتجريح وتخوين وتشكيك بالوطنية والانتماء، كثيراً ما تتّسم هذه الاشتباكات بالحدّة والصراخ. الاّ أنّ ذلك لا يغيّر في حقيقة انّها سجالات فارغة، حول امور وملفات لا تستطيع هذه المكونات ان تقرّر في ايّ منها.
فالملف الرئاسي، وفق ما يقول مسؤول كبير لـ"الجمهورية: "صار ميؤوساً منه.. إننا كمن يخدع نفسه عندما نحاول أن نقنع أنفسنا بأنّ الحراكات والوساطات ستؤدّي الى توافق على رئيس للجمهورية".
اضاف: "يجب أن نرى الصّورة كما هي. فالأمر منتهٍ منذ بدايته، هناك في الداخل من لا يريد رئيساً للجمهورية، ويصرّ على ترشيحات خلافية، ويرفض التوافق عليها او على خيارات رئاسية غيرها. وفي المقابل، فإنّ اصدقاء لبنان في دول الخارج الذين يستعجلون انتخاب رئيس الجمهورية، يتجنّبون بدورهم، او بمعنى أدقّ يرفضون في الوقت نفسه، ممارسة ايّ ضغوط على أصدقائهم في لبنان لكي يتوافقوا ويلبّوا الدعوات المتكرّرة الى التعجيل في انتخاب الرئيس، وفي اللقاءات مع الموفدين الأجانب، كان التأكيد عليهم اكثر من مرّة لبذل جهودهم مع حلفائهم المباشرين وإقناعهم بجدوى التوافق وضرورته، وحتى الآن لم نلمس شيئاً من هذا القبيل".
وعلى الرغم من هذا الانسداد، يؤكّد رافعو لواء التوافق، وفي مقدّمهم رئيس مجلس النواب نبيه بري، على الّا يتوقف العزف على الوتر حتى يفك اللحام. ففي قناعته انّه لا مفرّ من هذا التوافق في نهاية المطاف. وعلى هذا الأساس تحرّك بمبادرات سابقة، وتفاعل ايجاباً مع محاولات الوسيط الفرنسي جان ايف لودريان، وبعدها مع حراكات "اللجنة الخماسيّة" من ثم أيّد بالكامل تحرّك نوّاب "كتلة الاعتدال الوطني" لبلوغ التوافق المنشود. إلّا انّ كلّ تلك الحراكات والوساطات التي تقاطعت عند الحاجة الملحّة الى توافق لبناني- لبناني على رئيس، اصطدمت بالمنطق الرافض لهذا التوافق، ما يعني اننا ما زلنا في مربّع الفشل.
وقالت مصادر في "كتلة التنمية والتحرير" لـ"الجمهورية": "انّ بلوغ انتخابات رئاسة الجمهورية يوجب سلوك خط مستقيم يبدأ بالحوار والنقاش وينتهي بالتوافق. هذا هو المعبر الإلزامي للحل الرئاسي. وضمن هذا المسار فقط يمكن القول إنّ في الإمكان انتخاب الرئيس، ودون ذلك سنبقى ندور في الدوامة ذاتها. وامر طبيعي جداً أن يقود رئيس مجلس النواب هذا الحوار، والمعارك الجانبيّة التي يحاول بعض الاطراف افتعالها على هذا الامر لا تعدو اكثر من تأكيد متجدّد من قِبلها على رفض انتخاب رئيس الجمهورية، وبالتالي ابقاء الوضع على ما هو عليه من خلل وشواذ".
وقالت مصادر معارضة لـ"الجمهورية": "الحوار الذي يريدونه مضيعة للوقت، ولو أنّهم جدّيون في حسم الملف الرئاسي، لكانوا دعوا الى جلسة انتخاب بدورات متتالية لننتهي من هذا الامر".
اضافت: "يحاولون ان يخدعونا بمسرحيات الحوار، حيث انّهم يقولون بضرورة التوافق، وفي الوقت نفسه يُفشل "حزب الله" علناً مبادرة "كتلة الاعتدال" بإعلان تمسكه بترشيح سليمان فرنجية. وموقفنا واضح لهذه الناحية بأننا لا يمكن ان نسلّم البلد لمحور الممانعة، ولن نذهب الى حوار لا يريدون منه سوى ان يفرضوا مرشحهم علينا".