رئيس الإتحاد الدولي لرجال وسيدات الأعمال اللبنانيين MIDEL وعميد كلية إدارة الأعمال في جامعة القديس يوسف USJ
أنجزت حكومة تصريف الأعمال مسوّدة مشروع قانون لُقّب بـ «إسترجاع الودائع ومعالجة أوضاع المصارف»، فهل هناك نيّة حقيقية للإسترداد أو هناك نيّة مبطنة لتشريع هذا الهيركات، وطي هذه الصفحة كما لو لم يحصل شيء من دون مسؤول ولا مسؤولية؟
بعد نحو 4 سنوات ونصف السنة من أكبر أزمة إقتصادية، إجتماعية، مالية ونقدية، لا بل من أكبر عملية نهب في تاريخ العالم، إقترحت الحكومة اللبنانية مشروع قانون، كان منتظراً من اللبنانيين والمودعين، منذ أكثر من 4 سنوات.
بدءاً، يقسّم هذا القانون المقترح، الأموال المجمّدة إلى شقين أساسيين: الأموال المؤهّلة، والأموال غير المؤهلة. فالأموال المؤهلة تشمل الودائع ما قبل تشرين الأول 2019، فيما تضمّ الأموال غير المؤهلة الودائع ما بعد هذا التاريخ.
بالنسبة إلى الأموال المؤهلة، ستُحسم منها كل السحوبات التي حصلت وفق التعميم 158، والذي سمح بسحب نحو 400 أو 300 دولار شهرياً، ومن ثم الإستفادة من تعميم 151 الذي سيسمح بسحب 150 دولاراً.
من جهة أخرى، فصّل المشروع المقترح الودائع دون الـ 100 الف دولار، ولقّبها بالودائع المحمية، والتي تزيد عن الـ 100 ألف دولار.
بالنسبة إلى الودائع المحمية، تقترح الحكومة خطة زمنية، لإسترجاعها لمدة تتراوح بين 10-15 سنة، بدفعات شهرية تبدأ من 300 دولار، من ثم ترتفع إلى 800 دولار. أما الودائع منها غير المؤهلة، فسيُدفع عنها 200 دولار صعوداً إلى الـ 400 دولار.
أما طريقة تمويل هذا المشروع، فسيتحمّل كلفته المصرف المركزي بنسبة 50%، و50% على عاتق المصارف التجارية. أما الدولة اللبنانية فتغسل يديها نهائياً من هذه الخسائر، وترفع عنها كل مسؤولية أو نيّة للمشاركة في الخسائر أو إسترداد سنت واحد.
أما بالنسبة إلى الودائع المؤهّلة التي تفوق الـ 100 ألف دولار، فستُحسم منها الفوائد منذ العام 2019، ويُسدّد جزء إختياري بالليرة اللبنانية بقيمة 20% من سعر الصرف، وتُحوّل بقية الودائع إلى أسهم بمعادلة 5 دولارات تساوي دولاراً. أما بالنسبة إلى الودائع غير المؤهّلة، فستكون النسبة 10 دولارات مقابل دولار.
وسيُؤسّس صندوق إئتماني يلقّب بـ «إسترداد الودائع» بشروط معينة، تتمّ تغذيته من أموال إيرادات الدولة بشروط قاسية. وتحوّل الودائع إلى سندات مالية مصنّفة A، على المدى الطويل، على أن يُسدّد مصرف لبنان قيمة هذه السندات مناصفة مع المصارف.
إضافة إلى هذه الشروط، سيُطلب من كل مودع تفوق وديعته الـ 500 ألف دولار، تثبيت شرعيتها، أكان مصدرها الداخل أو الخارج، ولا سيما الإفصاحات الضريبية الخاصة بها. أما عن المودعين من موظفي القطاع العام، فسيُدقق بالحسابات التي تفوق الـ 300 ألف دولار لإثبات مشروعيتها. والمضحك المبكي، أنّ هذه المسودة لا تذكر أبداً ودائع السياسيين أو ما يُسمّى بالـ PEP - politically exposed person (الأشخاص المكشوفون على السياسة).
في المحصّلة، ما نشهده اليوم، هو إستكمال أكبر عملية نهب في العالم، وتشريع الهيركات بعد 4 سنوات من «الهيركات المبطّن». فهذا المشروع الكارثي يريد العفو عمّا مضى، كأنّه لم يحصل شيء، ويعد بإسترجاع الودائع الصغيرة خلال مدة تتراوح بين 10-15 سنة، وندرك تماماً أنّ القيمة الشرائية وقيمة الأموال تتبخّر يوماً بعد يوم، في ظلّ التضخُّم المفرط الذي يواجه العالم. أما هذه الدولة نفسها، التي خسرت ثقة أبنائها والمجتمع الدولي، وحتى الثقة بنفسها، فتعد ببناء صندوق إئتماني وإسترداد بعض الأسهم، لكنها نسيت أو تناست بأنّ أي سهم تُصدره هذه العصابة لا قيمة له، لا على المدى القصير، ولا المتوسط ولا البعيد. ما نشهده اليوم هو إستكمال ليس فقط لعملية النهب، لكن عملية طعن، وجريمة تاريخية ضدّ الشعب والمودعين.