تبقى موسكو الوجهة السياسية المفضّلة لدى الرئيس السابق لـ«الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، مهما طال الابتعاد، وهو لقي من «صديقه» وزير خارجيتها سيرغي لافروف استقبالاً «دافئاً» خلال اجتماعهما قبل أيام، حيث ناقشا تحدّيات المرحلة ومخاطرها.
على وقع المواجهة المصيرية التي تعيد رسم توازنات المنطقة من غزة حتى الجنوب وصولاً الى بقية محاور الإقليم... زار وليد جنبلاط موسكو التي يربطه بها تاريخ حافل، ويجمعه معها في الحاضر قلق مشترك حيال السياسات الأميركية والعدوانية الإسرائيلية.
وعلى الرغم من بعض الفتور الذي يسود بين الجانبين احياناً، الاّ انّهما يتمكنان في كل مرّة من تجاوزه، استناداً الى الإرث الغني لعلاقتهما، والذي يبدو قادراً على احتواء اي تباين ظرفي، لمصلحة تعزيز القواسم المشتركة.
وعند إعلان الكيان الاسرائيلي عن شنّ الحرب على غزة بدعم أميركي كامل، لم يتأخّر جنبلاط في تحديد موقعه وخياره، فانحاز فوراً الى جانب حركة «حماس» والمقاومة الفلسطينية، واعتمد لهجة عالية السقف ضدّ الإدارة الأميركية بسبب «تماهيها» مع تل أبيب في العدوان الى حدود الشراكة، ملتقياً بذلك مع مقاربة موسكو التي تعتبر انّ موقف واشنطن مما تتعّرض له غزة هو امتداد تلقائي لسلوكها في اوكرانيا.
والجبهات المشتعلة في المنطقة حضرت في اللقاء الذي عُقد لمدة 55 دقيقة بين جنبلاط ووزير الخارجية سيرغي لافروف في حضور نائبه ميخائيل بوغدانوف وثلاثة سفراء من قسم الشرق الأوسط في الخارجية الروسية، إضافة إلى الوزير السابق غازي العريضي وسفير لبنان لدى موسكو شوقي بونصار والسيدة نورا جنبلاط.
وخلال الاجتماع توافق لافروف وضيفه على إبداء القلق من خطورة الوضع في فلسطين وغزة، حيث أبدى جنبلاط تشاؤمه حيال إمكان إيجاد حل قريب للقضية الفلسطينية، معتبراً انّ «حل الدولتين المقترح أصبح كذبة ووهماً، خصوصاً بعدما ملأت المستوطنات الضفة الغربية».
وقد وافقه لافروف الرأي، مؤكّداً انّ «صديقه» وليد محق في استنتاجه، ومضيفاً انّ «روسيا تلاحظ انّ المعايير المزدوجة التي تعتمدها الولايات المتحدة في أوكرانيا، تطبّقها أيضاً في فلسطين، وهي لا تحترم القانون الدولي وموجباته بل تغطي الانتهاكات له وتدعم الاعتداءات».
وبالانتقال الى الشأن اللبناني، أكّد جنبلاط انّ «المقاومين في «حزب الله» يدافعون عن لبنان»، لافتاً الى انّ الحزب ليست لديه نية بتوسيع الحرب التي تدور حالياً على الحدود الجنوبية، «والرئيس نبيه بري والحكومة متوافقان كذلك على هذا الأمر».
وهنا، أشار لافروف الى انّ «إيران أكّدت لنا أيضاً انّ «حزب الله» لا يريد توسيع المواجهة».
ولكن جنبلاط لفت الى انّ المشكلة تكمن في الطرف الاسرائيلي الذي لا يمكن توقّع تصرفاته، فاتفق معه لافروف الذي اعتبر انّ «نتنياهو محشور داخلياً ومحرج في غزة نتيجة عجزه عن الحسم، وبالتالي فهو قد يهرب الى الأمام، ونحن لدينا تخوف من احتمال ان يلجأ الى أعمال طائشة ضدّ لبنان، ربما تؤدي إلى توسيع نطاق الحرب لتشمل مساحات إضافية».
وبالنسبة الى الاستحقاق الرئاسي الذي لم يأخذ حيزاً واسعاً من المداولات، لاحظ جنبلاط أن لا مؤشرات جدّية الى قرب انتخاب رئيس الجمهورية، مبدياً اقتناعه بأنّ محاولات فصل هذا الاستحقاق عن ملف غزة والجنوب، هي غير واقعية.
اما لافروف، فأشار الى أنّ روسيا تعتبر في المبدأ انّ انتخاب الرئيس هو شأن داخلي لبناني، «الّا اننا نتفق مع السيد جنبلاط على أنّ من شأن التعقيدات في المنطقة ان تنعكس عليه مزيداً من الصعوبات». وشدّد لافروف على أن «ليس لدينا مرشح بل ندعم اي مرشح يتوافق حوله اللبنانيون، فنحن غير الغرب ولا نتدخّل في الشؤون الداخلية للدول».