وصف وزير الاقتصاد السابق رائد خوري، انّ فرض ضريبة على كل من استفاد من صيرفة وتحويل عائداتها الى الخزينة هو سرقة موصوفة «2» لأموال المودعين. وكشف في حديث لـ«الجمهورية»، انّ المركزي لا يزال يدرس كل الخيارات في ما يتعلق بدولار المصارف، وانّ لا قرار نهائياً بعد في هذا الخصوص. وأشاد بأداء الحاكم بالإنابة ونوابه، رغم انّ ايديهم مكبّلة بانتظار الانفراجات السياسية.
بعد الخضة التي أثارها إدراج بند في الموازنة يقضي بفرض ضريبة بنسبة 10% على كل من استفاد من دعم يفوق 10 آلاف دولار أمّنه مصرف لبنان للمؤسسات، و17% على كل من حقق ارباحاً واستفاد من صيرفة، اعتبر خوري انّه عملياً بهذا الإجراء تحاول الدولة سرقة أموال المودعين للمّرة الثانية. وشرح لـ«الجمهورية»، انّ السرقة الاولى كانت عندما هدرت الدولة اموال المودعين وتخلّفت عن تسديد الديون المتوجبة عليها وتهرّبت من إصدار القوانين الاصلاحية والمالية المطلوبة، وعلى رأسها قانون الكابيتال كونترول، بما سمح بتهريب مزيد من الاموال الى الخارج، واليوم تعيد الدولة الكَرّة بسرقة موصوفة ثانية من خلال تحصيل اموال على شكل ضريبة من صيرفة وممن استفاد من الدعم، لتودعها الخزينة بدل ان تعيدها للمودع.
وقال: «انّ هذا التدبير كان مبرّراً لو انّ ما ستحصّله الدولة من هذه الضريبة سيعود للمودعين، لأنّ كلفة الدعم كانت من أموالهم، كذلك كلفة تثبيت سعر الصرف على مدى سنوات وايضاً أموال صيرفة دُفعت من اموالهم وليس من اموال الدولة وعليه، نسأل لِمَ ستعود هذه الاموال الى خزينة الدولة؟».
واعتبر خوري انّ استفادة خزينة الدولة من هذه الضريبة هي «سرقة موصوفة- 2»، لأنّها بذلك تضيّع على المودع فرصة اضافية يعوّض من خلالها جزءاً من امواله المسروقة. وأكّد انّ «هذا القرار يُحترم فيما لو كان هناك توجّه لخلق صندوق توضع فيه اموال المودعين، وفي الوقت نفسه يتمّ التحقق ما اذا كانت الشركات استفادت فعلاً من الدعم، ومعرفة اي شركات استفادت وحقّقت ارباحاً غير مشروعة. في هذه الحالة نحن نؤيّد فرض هذه الضريبة على الشركات، لكن بشرط ان تعود عائداتها الى المودعين، وليس الى الدولة».
وتابع خوري: «من الملاحظ انّ هذا القرار لم يترافق مع آلية تطبيقية، لذا نستبعد ان تتمكن الدولة من تطبيقه لصعوبات لوجستية، إلاّ اذا كان الهدف منه إطلاق قرارات شعبوية».
الموازنة
أما بالنسبة الى مشروع موازنة عام 2024 بالصيغة التي أُقرّ فيها، يقول خوري: «الموازنة اتت شبيهة بسابقاتها، ليس فقط بتركيبتها انما بمواقف النواب المكرّرة حولها بكونها تفتقر الى الرؤية الاقتصادية، ولا تعكس خطّة لبناء الاقتصاد ولا تتضمن استثمارات مجدية ولا تؤمّن فرص عمل...». وأسف خوري لأنّ الدولة لم تقدم على اي خطوة اصلاحية تجاه القطاع العام، رغم انّها كانت امام فرصة ذهبية، بعد الانهيار، لإعادة دراسة هيكلية الدولة وإعادة النظر بحجم القطاع العام وتحديثه، وتحسين قانون المتقاعدين...
وتساءل: «اين البطولة بإنجاز موازنة بصفر عجز؟ فهذا نتيجة طبيعية للفقر والرواتب المتدنية وتناسي انّه كانت لدينا خدمة دين وديون تنصلّت منها الدولة، وكان لدينا عجز في قطاع الكهرباء، صحيح انّه بات غير موجود لكن في الوقت نفسه ليس لدينا كهرباء، ما يعني انّ الازمة لم تُحلّ...». وتابع: «كيف يمكن إعداد موازنة واقرارها من دون اقرار القوانين الاصلاحية او وضع خطة للنهوض، ما يجعلها بلا قيمة؟».
ورداً على سؤال، رأى خوري انّ اصل المشكلة يعود الى حجم الدولة المضخّم الذي تطلّب تمويلاً من الديون والودائع، ما ادّى الى كسر القطاع المصرفي والاقتصاد. وتالياً انّ البحث عن حلول يستدعي حل المشكلة من جذورها، وذلك من خلال تصغير حجم الدولة واعطاء القطاع الخاص دوراً في البلد ليكون بمثابة سائق للاقتصاد. ودعا الى الانكباب على وضع خطة اقتصادية للسنوات المقبلة تركّز على تشجيع القطاع الخاص وتصغير حجم الدولة ومن ضمن هذا المشروع خلق صندوق سيادي يوفّر قيمة مضافة نتيجة استثمارات القطاع الخاص والشراكة بين القطاعين العام والخاص، على ان يُعطى جزء من القيمة المضافة التي ستتوفّر للمودعين.
دولار المصارف: لا قرار
وبالانتقال الى الحديث عن دولار المصارف، يؤكّد خوري انّ مسؤولية تحديده تقع على عاتق الدولة، كما من مسؤوليتها ادارة الازمة المالية، لأنّها مسؤولة عن ادارة ديونها ومسؤولة أمام القانون عن خسارات المصرف المركزي. لذا كان يتوجب عليها سن القوانين اللازمة لمواكبة الازمة مثل الكابيتال كونترول وغيره، وتحديد سعر الصرف الذي كان مذكوراً وموجوداً في الموازنات القديمة، فلمَ التنصّل اليوم من تحديد سعر الصرف؟
وعن التوجّهات التي سيسير فيها المجلس المركزي بعدما رُميت مسؤولية تحديد دولار المصارف عليه، يقول خوري: «انّ المركزي لم يتخذ قراراً في هذا الخصوص بعد، وهذا الملف لا يزال قيد الدرس، خصوصاً انّ لكل خطوة سيئاتها وايجابياتها. ومن الامور التي لا تزال قيد الدرس اعطاء دولار فريش للمودعين، وفي هذه الحالة لا يزال البحث جارياً عن الجهة التي ستتحمّلها، هل المصرف المركزي وحده من اموال الاحتياطي ومجموعها 9 مليارات دولار ام مناصفة بينه وبين المصارف، ام من اموال المصارف في الخارج والمقدّرة بنحو ملياري دولار.
كذلك يجب الأخذ في الاعتبار انّ بعض المصارف لن تكون قادرة على تطبيق هذا القرار لانّها لا تملك السيولة ويجري البحث في كيفية التعاطي معها».
اضاف خوري: «يجري البحث ايضاً في التعميمين 151 و158، وكيف انّ الاخير ميّز بين المودعين، ونحن نرى انّه لا يجوز معاملة من كان يملك حساباً بالليرة اللبنانية وحوّلها بعد الأزمة الى دولار مثل من كان يملك دولاراً قبل الازمة ولا يزال يملكه بعد الأزمة، لذا قد يختار المركزي ان يردّ وديعة الاول بالليرة وفق دولار 89500 ووديعة الثاني بالدولار. كذلك هناك من اشترى شيكات بـ10% من قيمتها من السوق، فهل يجوز ان يتساوى مع بقية المودعين وان يحق له بـ150 دولاراً شهرياً. انطلاقاً من ذلك يجب على المصرف المركزي ان يأخذ كل هذه الحالات وغيرها في الاعتبار وايجاد تسوية يكون فيها عادلًا ومنصفاً بين المودعين. وفي جميع الاحوال، يجب دراسة تداعيات اي خطوة يتخذها المركزي على حجم الكتلة النقدية بالليرة في السوق وانعكاسها على سعر الصرف».
تقييم عمل المركزي
وعن تقييمه لعمل حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري ونواب الحاكم بعد مرور 6 اشهر على تسلّمهم الحاكمية، يقول خوري: «لا شك انّ الحاكم بالانابة ونوابه اقدموا على خطوة اساسية ومهمّة تتمثل بوقف تمويل الدولة، لكن لا يمكنهم ان يفعلوا أكثر من ذلك، لانّ ايديهم مكبّلة لسببين: الاول انّه يقع على عاتق الدولة اقرار القوانين الاصلاحية واقرار الكابيتال كونترول الذي طالب به منصوري ونواب الحاكم منذ استلامهم. والثاني: يملك المركزي احتياطي 9 مليارات دولار فقط، ما يعني انّهم لا يملكون مبالغ كبيرة ليحلّوا ازمة المودعين او المصارف، وتالياً جلّ ما يستطيعون فعله هو المحافظة على هذه الاموال، لكنهم لا يملكون القدرة على الإقلاع بالبلد، عدا عن انّ هذا ليس من مسؤوليتهم او صلاحيتهم. فالمسؤولية تقع على مجلسي النواب والوزراء. كما يُسجّل لمنصوري بسطه لمزيد من الشفافية في عمل المركزي».