ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الأحد في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي عاونه فيه النائب البطريركي المطران انطوان عوكر، ومشاركة عدد من المطارنة والكهنة والراهبات، في حضور قنصل جمهورية موريتانيا ايلي نصار، رابطة "كروس رود"برئاسة رئيسها روكز مسلم، وحشد من الفاعليات والمؤمنين.
بعد الانجيل المقدس، ألقى البطريرك الراعي عظة بعنوان: "مباركة أنت في النساء فقالت مريم: تعظّم نفسي الربّ"، قال خلالها: "أسفنا وتألّمنا لإنتهاك الهدنة في غزّة، والعودة إلى حرب الهدم والقتل والتهجير، وتحميل الشعب البريء الآمن نتائج حرب التدمير والإبادة. فما معنى الهدنة الإنسانيّة التي دامت أربعة أيّام، وكانت النيّة استعادة الحرب الضروس بعد استراحة؟ يا لقساوة قلب البشر البعيد عن الله. لا أحد في لبنان يريد امتداد الحرب إلى الجنوب، إلى أهلنا اللبنانيّين الآمنين هناك. فإذا امتدّت إلى الجنوب، لا أحد يعرف أين تتوقّف وماذا تخلّف وراءها من دمار وضحايا. فلنصلِّ إلى الله كي يبعدها وليكن المسؤول أكثر حكمة وفطنة وتواضع ودارية. فلا يمكن ان يُرغم اللبنانيون على حرب لا علاقة لهم بها".
وشدّد على أنه "لا يظنّن أحد ولا سيما الذين في السلطة أو هم من أصحاب النفوذ السياسي، أكانوا برلمانيّين أم وزراء أم رؤساء كتل أو أحزاب، أنّهم بغنى عن ثلاثيّة السماع والتأمّل والنطق. فلو عاشوها لما بلغنا إلى حالة البؤس التي أوصلوا إليها الدولة والشعب وقوانا الحيّة والمؤسّسات. فالسماع هو لصوت الله عبر كلامه في الكتب المقدّسة، ومن خلال صوته الداخلي بالضمير الأخلاقي والوطني. والتأمّل هو إدخال الصوت الإلهي إلى أعماق النفس والقلب، كما كانت تفعل العذراء مريم أمّ يسوع، إذ "كانت تحفظ الكلمات والأحداث في قلبها وتتأمّل فيها" (لو 2: 19، 51). والتأمّل يقتضي الخروج من الذات ومصالحها وحساباتها الخاصّة، وتوسيع مساحة النظر إلى المصلحة الأشمل، إلى الخير العام، إلى خير الوطن وجميع المواطنين. والنطق هو التعبير الكلاميّ البنّاء، وترجمة كلام الله وصوت الضمير ونتائج التأمّل في الأفعال والمبادرات".
وأضاف "نحن نصلّي لكي يدرك المسؤولون عن مصير الدولة والشعب، أنّهم ملزمون بثلاثيّة السماع والتأمّل والنطق. وهي الطريق الوحيد لخروج كلّ واحد منهم من شرنقة مصالحه وحساباته، وللتلاقي بروح المسؤوليّة الوطنيّة من أجل التباحث في أسباب التعثّر واللاثقة المتبادلة، على أن يتخلّى كلّ فريق عن مشاريعه على حساب لبنان أرضًا وشعبًا ومؤسّسات. إنّ أولى ثمار " السماع والتأمّل والنطق" هي التوجّه الفوريّ إلى البرلمان وانتخاب رئيس للجمهوريّة عبر دورات متتالية يوميًّا وفقًا لمنطوق المادة 49 من الدستور. إنّ عدم انتخابه وإقفال القصر الجمهوري منذ سنة وشهرين تقريبًا جريمة موصوفة آخذة بهدم المؤسّسات الدستوريّة والإدارات العامّة وانتشار الفوضى والفساد وتشويه وجه لبنان الحضاري. إذا تكلّمنا من باب القانون وروحه وفلسفته منذ الشرع الروماني إلى اليوم، كلامًا منزّهًا عن السياسة ومصالحها الخاصّة، نقرّ بأنّ القوانين تُعلّق بقرار من السلطة المختصّة بسبب الظروف القاهرة منعًا لنتائج قد تكون وخيمة، فنقول: يجب في هذه الحالة عدم المسّ حاليًّا بقيادة الجيش، بل تحصين وحدته وتماسكه، وثقته بقيادته، وثقة الدول به. فالجنوب اللبناني متوتّر، والخوف من امتداد الحرب إلى لبنان يُرجف القلوب، والحاجة إلى الجيش متزايدة لتطبيق القرار 1701، واستقرار الجنوب، ولضبط الفلتان الأمني الداخلي، ولسدّ المعابر غير الشرعيّة بوجه تهريب البشر والسلع والمخدّرات وما سواها".
وختم الراعي: "نردّد مرّةً ثانية: إذهبوا، أيّها النواب بموجب ضميركم الوطني، إلى مجلسكم وقوموا بواجبكم الأوّل والخطير، وانتخبوا رئيسًا للجمهوريّة وفق المادّة 49 من الدستور، فتستقيم المؤسّسات، ويسلم الوطن، ويتوقّف كلّ جدال وانقسام! أعطنا ياربّ، وللجميع نعمة السماع والتأمّل والنطق بالأفعال، من أجل الخير، وتمجيد اسمك القدّوس، إلى الأبد، آمين".