في العام 1970، وقعت الواقعة بين الملك الأردني حسين بن عبدالله ومنظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات، وانتقل العمل الفلسطيني المسلح من الأردن إلى لبنان. تلك الواقعة الدموية يسمّيها الفلسطينيون «أيلول الأسود». لكنّ الأردنيين يقولون: أفشلنا خطة إسرائيل الرامية إلى جعل الأردن وطناً بديلاً للفلسطينيين!
يعود التفكير الإسرائيلي في جعل الأردن وطناً بديلاً للفلسطينيين إلى الفترة السابقة للعام 1948. ويقال إن أرييل شارون، عندما كان وزيراً للدفاع، أعاد طرح الفكرة على عرفات، بعد خروج منظمة التحرير من بيروت، في العام 1982.
ويسود اعتقاد في بعض المحافل الدولية بأنّ هذه الفكرة هي الهدف الحقيقي الذي تعمل له إسرائيل في الضفة الغربية، في موازاة الفكرة الأخرى الخاصة بغزة، والرامية إلى إقامة مقاطعة أو «شبه دولة» في القطاع وجزء من سيناء، بإدارة مصرية.
وعلى مدى عقود، أظهَر العديد من أقطاب السياسة وصنّاع القرار الدوليين عن تأييدهم للخطة الإسرائيلية المزدوجة في الضفة والقطاع. وثمة من يجزم بأنها كانت هدفاً مبطناً في «خطة القرن» التي دعمتها إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والتي ساهمت في إعدادها مجموعة ضيقة داعمة لإسرائيل، بينها صهر ترامب جاريد كوشنير الذي أعلن أنّ 50 مليار دولار سيتم تخصيصها لإمرار الصفقة: نصفها لغزة والضفة، ونصفها الآخر لمصر والأردن ولبنان.
وقد أظهرت التطورات الدراماتيكية الدائرة في غزة، منذ 7 تشرين الأول الفائت، أن إسرائيل جدية في سعيها إلى تهجير الغَزيين إلى سيناء. وقد عبّر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن غضبه أمام وزير خارجية واشنطن عندما فاتحَه بالأمر، ثم سأل في مناسبة أخرى: لماذا لا تأخذ إسرائيل أهل غزة إلى النقب، بدلاً من سيناء، إذا كانت ترغب في الحفاظ على سلامتهم، موقتاً، وريثما تنتهي المعارك؟
ولكن، كانت لافتة زيارة الملك الأردني عبد الله الثاني للقاهرة، بعد 48 ساعة من عملية «طوفان الأقصى». وخلالها، أعلن الرجلان بوضوح رفض مصر والأردن تهجير الفلسطينيين إلى أراضيهما، ما يؤدي إلى تصفية القضية الفلسطينية.
أما ما تقوم به إسرائيل في الضفة الغربية فيمكن اختصاره أولاً بتكثيف عدد المستوطنات وتعميمها عشوائياً لتجتاح ديموغرافياً مناطق سكن الفلسطينيين، وثانياً التحضير لإقناع الأردن بقبول فكرة الكونفدرالية أو الفدرالية بين الضفة الشرقية للأردن، والضفة الغربية أو الجزء الذي تقرر إسرائيل التنازل عنه لجعله خاضعاً للإدارة الأردنية.
ويستند الإسرائيليون إلى سوابق تاريخية لتقديم ذرائعهم، أبرزها مؤتمر أريحا في العام 1948، والذي طالبت فيه فاعليات فلسطينية بإقامة وحدة بين فلسطين والأردن. وتوصيات هذا المؤتمر شكّلت بعد عامين مبرراً لِضم الضفة رسمياً إلى الأردن، إذ مُنح أهلها الهوية الأردنية، وباتوا مواطنين هناك يتمتعون بكامل الحقوق كما أهل شرق الأردن. وهؤلاء الفلسطينيون باتوا جزءاً لا يتجزأ من التركيبة السكانية للشعب الأردني.
ولكن، في حرب العام 1967، خسر الأردن الضفة الغربية. والمثير أنّ إسرائيل، على رغم احتلالها الضفة، بقيت تعترف بالجنسية الأردنية التي يحملها سكانها، وسهّلت التواصل بينهم وبين الفلسطينيين المقيمين في الضفة الشرقية. والأرجح أنها في ذلك تمهّد لتنفيذ الخطة القديمة.
من جهته، بقي الأردن يعتبر الضفة الغربية جزءاً من أرضه، على رغم اعتراض الدول العربية على ذلك، باستثناء العراق، وصدور قرارات عن جامعة الدول العربية تطالبه بالانسحاب منها وفك الارتباط بها، تجنّباً لما لذلك من انعكاسات على القضية الفلسطينية، وأبرزها الموقف الصادر عن قمة الرباط العربية، العام 1974.
وفي العام 1987، جرى الحديث عن اتفاق سري تمّ بين الملك حسين ووزير خارجية إسرائيل شيمون بيريز، في لندن، يقضي بأن تتنازل إسرائيل عن الضفة الغربية وتعيدها إلى إدارة الأردن. لكن رئيس وزراء إسرائيل إسحاق شامير رفض توقيعه، فلم يصبح نافذاً. إلا أن الحسين اتخذ في العام التالي قراراً قضى بفك الارتباط بين ضفتي الأردن. وجاء ذلك نتيجة مطالبة منظمة التحرير الفلسطينية.
ويقدَّر اليوم أنّ نسبة الفلسطينيين من مجمل حاملي الهوية الأردنية الذي يبلغ عددهم نحو 11.25 مليون نسمة، تقارب الـ60 %. وواقعياً، بات متعذراً انتزاع الجنسية الأردنية من هؤلاء المواطنين، لأن ذلك قد يؤدي إلى تقويض الكيان الأردني، أو على الأقل زعزعة استقراره.
وثمة من يعتقد أن الإسرائيليين يخبئون اليوم ورقة الضفة الغربية لطرحها في اللحظة المناسبة، أي عندما تنضج مناخات التسوية الجديدة على مستوى الملف الفلسطيني والصراع العربي - الإسرائيلي عموماً. وهذا الأمر قد يكون المرحلة التالية للحرب الدائرة اليوم في غزة.
وفي اعتقاد بعض الخبراء أنّ العام المقبل، 2024، قد يتم استنفاده بالمراوحة عسكرياً وسياسياً في غزة والمفاوضات الدائرة حولها. ولكن، في نهايته، ستكون هناك استحقاقات في الانتظار، أبرزها انتخاب رئيس جديد للولايات المتحدة. وعندئذ، يمكن أن تختلط الأوراق مجدداً من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط.